69 عائلة ستجد نفسها قريباً من دون دخل يؤمن لها الحد الأدنى من المعيشة في هذا البلد. فقد قررت إدارة شركة «أوجيه» طرد 69 موظفاً «لأسباب اقتصادية»، ممهلةً هؤلاء حتى نهاية هذا الشهر ليرحلوا. مصير هؤلاء، في ظل أزمة البطالة المسيطرة على البلد، واضح، إذ إنهم سينضمون إلى فئة العاطلين من العمل التي، بحسب إحصاءات وزير العمل، أصبحت تشكل 25% من القوى العاملة، فهل سيتحرك الوزير لمنع انضمام هؤلاء العمال الى فئة العاطلين من العمل؟
فمعظم الموظفين على لائحة الطرد هم عمال في وظائف ذات أجور منخفضة، يقول مصدر مطلع إنّ الشركة بداية استدعت الحجّاب أو ما يعرف بالـoffice boy، ثم انتقلت لطرد السائقين لتصل الى مساعدي المهندسين. أعطت الشركة مهلة حتى نهاية الشهر ليذهب الموظفون الى بيوتهم بكل بساطة. يُقسم هؤلاء الى قسمين: القسم الأول ينتظر بخوف وقلق استدعاءه الى مكتب مدير شؤون الموظفين لتبليغه الطرد، بينما القسم الثاني ــ الذين تبلّغوا الطرد ــ ضائعون وخائفون أيضاً، لا يعلمون الخطوات اللاحقة التي سيقومون بها وما إذا كان التوجه الى القضاء لصالحهم. مأساة هؤلاء كبيرة، يقول أحدهم «هناك 69 عائلة سترمى على الطريق. كل موظف هون ماخد قرض للسيارة أو للبيت أو لتعليم أولاده، كيف سيسدد هؤلاء ديونهم؟». يضيف إنّ «إيجاد عمل في هذه الظروف يعدّ مستحيلاً، فكيف إذاً بإيجاد 69 وظيفة جديدة؟ مصيرنا جميعاً البطالة». وزير العمل سجعان قزي أعلن في بيانه الأخير أن نسبة البطالة بلغت 25% من القوى العاملة، ملقياً اللوم بشكل أساسي على اللاجئين السوريين، ومجاهراً بحرصه على اليد العاملة اللبنانية. فهل يتحرك قزي في هذه القضية ويبرهن للعمال اللبنانيين حرصه الفعلي عليهم في وجه جشع الشركات الرأسمالية، أم أن هذا الحرص لا يظهر سوى عبر الاستقواء على لاجئين فقراء؟ حاولت «الأخبار» التواصل مع قزي، لكن ما من جواب.
يتجنب الكثير من الموظفين الحديث إلى الإعلام، وخصوصاً الذين لم يتبلغوا بعد رسمياً قرار الطرد، أما الذين تبلغوا فيخافون من أن يؤدي هذا الأمر الى امتناع الشركة عن إعطائهم تعويضاتهم أو أي تصرفات انتقامية، لكن مصادر تقول إنّ سبب الطرد وفق ما أبلغت الشركة الموظفين هو أنها لم يعد بإمكانها أن تدفع لهم أجورهم بعد اليوم.
عرضت الشركة على الموظفين المطرودين تعسفاً إعطاءهم 4 أشهر كتعويض صرف تعسفي، وشهراً عن كل سنة خدمة إضافة إلى تعويض الضمان. رفضت الأغلبية هذا التعويض «غير العادل»، إلا أنّ الشركة قالت لهم «توجهوا الى القضاء وستخسرون. إذا لديكم محامي، لدينا عشرة». تطلب الشركة من الموظفين أن يقبلوا «العرض» ويوقعوا على استقالة خطية، أمّا الذين يرفضون فمن «الأفضل أن لا يأتوا بعد أن يتبلّغوا الطرد».
منذ سنتين، طردت الشركة نحو 150 موظفاً، القسم الأكبر منهم وفق كلام المصدر من أهالي صيدا. آنذاك، عرضت عليهم تعويضاً كبيراً قدره 24 شهراً كتعويض صرف تعسفي وشهر عن كل سنة خدمة. يروي المصدر أنه في تلك الفترة «كنّا نشعر بأنّ وضع الشركة غير مستقر، إذ لم نحصل على رواتبنا لمدة 6 أشهر وكنا متأكدين من أن الطرد سيصل إلينا، فطرحنا على الإدارة عندما وجدنا أن العرض مغر أن نغادر الشركة، لكنهم رفضوا وقالوا إنهم بحاجة إلينا». يشعر الموظفون اليوم بأنّ ما يحصل هو تمييز واضح وظلم لهم، فهم بالدرجة الأولى يحتاجون إلى هذه الوظائف ليعيلوا عائلاتهم، أمّا في حالة عدم قدرة الشركة جدياً على إبقائهم فمشكلتهم واحدة «لماذا لا يعطوننا التعويض نفسه الذي حصل عليه الموظفون منذ سنتين؟».
قانونياً، يرى المحامي ماجد فياض أنّ «العرض المقدّم يستوفي الى حد ما ما يمكن أن ينتج من نزاع قانوني لأن الحد الأقصى للتعويض في حالة الصرف التعسفي هو 12 شهراً، وتبقى الخلافات بشأن العلاوات أو لواحق الأجر أو التعويضات موضوعاً للبتّ في المفاوضات».
إلا أنّه، واستناداً إلى ما أبلغته الشركة للموظفين من أنها تواجه مشاكل مادية تجعلها غير قادرة على الإبقاء عليهم في وظائفهم، فإن المادة 50 من قانون العمل اللبناني تنص في الفقرة (و) على «حق إنهاء بعض أو كل عقود العمل الجارية في المؤسسة إذا اقتضت قوة قاهرة أو ظروف اقتصادية أو فنية هذا الإنهاء، كتقليص حجم المؤسسة أو استبدال نظام إنتاج بآخر أو التوقف نهائياً عن العمل. وفي هذه الحالات، على صاحب العمل أن يبلغ وزارة العمل والشؤون الاجتماعية رغبته في إنهاء تلك العقود قبل شهر من تنفيذه، وعليه أن يتشاور مع الوزارة لوضع برنامج نهائي لذلك الإنهاء، تراعي معه أقدمية العمال في المؤسسة واختصاصهم وأعمارهم ووضعهم العائلي والاجتماعي، وأخيراً الوسائل اللازمة لإعادة استخدامهم». وبذلك يعتبر الإخلال بشرط تبليغ وزارة العمل من قبيل الإخلال بشرط جوهري ويجعل الصرف لسبب غير مقبول وتعسفياً. وعليه، فإذا كانت الشركة تعاني فعلاً من أزمة اقتصادية «تُجبرها» على طرد 69 موظفاً، عليها إذاً أن تثبت ذلك لدى وزارة العمل، وأن تخضع للرقابة كي لا تستبدلهم أو توظّف لاحقاً سواهم.