"وبشيء من السخرية، أعرب قزّي عن استعداده لمنح الجنسية اللبنانية لـ 420 ألف آسيوي وأفريقي، ليصبح لبنان متعدّد الألوان بدلاً من متعدّد الطوائف!"
بهذه العبارة مهدت منظمة "كفى" لبيانها الذي تردّ فيه على مواقف وزير العمل سجعان القزي الأخيرة المعارضة لإنشاء نقابة لعاملات المنازل. وجاء في البيان أن "هذا واحد من مواقف كثيرة لوزير العمل سجعان قزّي، الذي أثبت عبر أقواله ومواقفه مدى ابتعاده عن مبادئ حقوق الإنسان وواجباته كوزير باحترام المواثيق الدولية وما تنصّ عليه لجهة رفض التمييز بين البشر على أساس اللون أو العرق أو الانتماء".
للوزير قزّي "إنجازات" كثيرة تجلّت لنا عبر مواقفه وتصاريحه منذ تسلّمه وزارة العمل في شباط 2014 حتّى اليوم، توّجها ردّ فعله المُهين خلال مقابلة تلفزيونية على قناة المستقبل في الأوّل من أيار، سنشرح تفاصيلها في معرض إضاءتنا على مختارات من "إنجازات" الوزير. في ما يأتي، بعض من هذه "الإنجازات" التي من الطبيعي أن تقودنا إلى مطالبته بالاعتذار العلني والاستقالة:
الإنجاز الأوّل: 24-1-2015:
تهديد وزير العمل باستخدام القوى الأمنية لإيقاف أعمال المؤتمر التأسيسي لإنشاء نقابة عاملات المنازل الذي انعقد في اليوم التالي.
الإنجاز الثاني: 26-1-2015:
صدور بيان عن وزارة العمل ترفض فيه إعطاء ترخيص لنقابة عاملات المنازل، وتُزايد على الجمعيات الداعمة لقضاياهنّ في أنها هي السبّاقة في الدفاع عن مصالحهنّ.
الإنجاز الثالث: 17-3-2015:
غضبُ الوزير على أحد الصحافيّين العاملين في تلفزيون محلّي لدى سؤاله عن مسألة رفضه للترخيص لنقابة عاملات المنازل، ورفضُه المشاركة في تقرير يضمّ ناشطات من منظمة كفى، ووصفُهنّ عبر الهاتف بـ"نسوان ما لاقوا مين يضبهنّ... فتحوا جمعيّة ليطلعوا عالإعلام".
الإنجاز الرابع: نيسان 2015
على إثر مقابلة أجرتها كاتبة مقال "An ignored but active union" عن قضيّة عاملات المنازل والنقابة الجديدة مع وزير العمل، الذي نُشر بتاريخ 30 نيسان 2015، أرسل الوزير بعثة تفتيش إلى مكاتب المجلّة، وفُتح تحقيق في ممارسات الشركة الناشرة. [2]
الإنجاز الخامس:1-5-2015
في الأوّل من أيار 2015، ولمناسبة عيد العمّال، توّج الوزير قزّي إنجازاته وأتحفنا بتصاريح وشتائم مباشرة لا تليق بمسؤول دولة يجدر به السهر على حماية الحقوق، والدفاع عن مصالح العمّال والعاملات الأكثر عرضةً للتهميش والاستغلال.
وفي المعلومات التي لدينا عما حصل، أن الوزير قزّي كان يجري مقابلة في استوديو تلفزيون المستقبل، فيما كانت ناشطة من منظمة "كفى" تستعدّ للمغادرة بعد إتمامها مقابلة مع "أخبار الصباح". سمعت زميلتنا الوزير يتكلّم على الهواء وطلبت مداخلة توجّهت بها إليه لتقول إن النقابة حق لعاملات المنازل وإن الأفعال أهم من الأقوال. غضب قزّي على إثر هذا التصريح وحاول ترك المقابلة وبدأ يشتم ويسبّ، وبالطبع لم يفته استخدام كلمات رخيصة ونابية -لن نكرّرها هنا- للدلالة على زميلتنا، كلمات بالطبع لا تليق بلقب وزير. كذلك سُمِع يقول لها من المقلب الآخر من الاستوديو: "اسكتي إنتي".
إنجاز سادس يُسجّل في التاريخ نفسه:
ما هي إلا دقائق قبل أن يعود قزّي إلى المقابلة ويكرّر مواقفه الرافضة إعطاء ترخيص للنقابة، والمتهجّمة على الجمعيات الحقوقيّة، والداعية إلى إجراء تفتيش مالي لها ومساءلتها "من أين لكم هذا لتتظاهروا... وتِجمعوا العالم... إلخ؟". هنا قلب الوزير الأدوار.
فبدلاً من أن يحرص على الحفاظ على دور المجتمع المدني في مراقبة عمل السلطات وتوجيه التساؤلات لها، صادر الوزير هذا الواجب وقرّر هو أن يسائل ويحاسب، في حين نحن الذين/اللواتي يحقّ لنا أن نسأل: من أين لكم هذا؟
وبدلاً من أن يدافع عن حقوق بديهية ويدعم نضالات عمّالية محقّة ويفتخر بها، عاد واستخدم حجّة تفوّق حقوق "اللبنانيين" ومصلحتهم على حقوق "الأجانب" في معادلة فرز كلاسيكية بين البشر، يُبرّر عبرها تقاعسَه عن إتمام واجباته ومواقفه اللامسؤولة. أمّا إذا افترضنا أن الوزير يطبّق فعلاً هذا المنحى في عمله، فهل لنا أن نعلم ماذا فعل بالتحديد للبنانيين/ات؟
إلى ذلك، لم ينسَ الوزير بالطبع مسألة الأولويات التي تظهر دائماً بمواجهة أي قضيّة محقّة يطرحها المجتمع المدني في لبنان. ومن أكثر التصاريح تعبيراً عن هذه التقنية السلطويّة في مواجهة المطالب المحقّة، جملة قالها الوزير في مقابلة الأوّل من أيار: "مصير لبنان على كفّ عفريت... ما معروف إذا حدود لبنان باقية أو مش باقية... هلّق مش وقت نبحث إذا منعمل نقابة للعاملات المهاجرات أو غير المهاجرات!". لا داعي للتوقّف عند هذه النقطة، فإذا تبعنا منطق الوزير، يعني أن نتخلّى عن كلّ قضايانا في انتظار أن تُحلّ "قضاياهم الكبرى". بالإضافة إلى حجّة الأولويات، أخرج الوزير إلى السطح مسألة الطبقيّة التي لم يستطع إخفاءها طويلاً. فأشار خلال المقابلة إلى أنّ "الحماية بتصير بإجراءات، مش بإدخال العاملات باللعبة السياسية والطبقيّة. هيدا أمر ما بصير طالما أنا وزير".
أمام هذه الإنجازات الوافرة، لا يسعنا سوى التعبير عن مدى سخطنا إزاء هذا التقاعس عن قيام الوزير بواجباته، واستسهاله التعدّي على كرامات البشر وحقوقهم، كما والتعدّي المعنوي والشخصي عليهم. كذلك نشجب هذا التعالي في التعاطي مع المنظمات الحقوقيّة والمؤسسات الإعلامية التي شهدت تصرّفات الوزير غير المسؤولة. مهما عدّدنا، تبقَ للوزير "إنجازات" كثيرة نأسف شديد الأسف أنها لم تقترب شبراً واحداً من تحقيق بعض من العدالة التي تطمح/يطمح إليها العاملات/العمّال، بل ابتعدت عنها أميالاً وأميالاً.
أردنا من خلال السرد المقتضب أعلاه إعلام الرأي العام بما يجري، على أمل أن نصل في يوم من الأيام إلى أن نحاسب مسؤولينا كما يلزم، ونشهد استقالة وزير قصّر وشتم!