ماذا يحصل في شركة طيران عبر المتوسط TMA؟ هل صحيح أن مالكي الشركة قرروا إقفالها نهائياً والتخلّص من خسارات متراكمة تبلغ 230 مليون دولار؟ أم أنهم يسعون إلى تنفيذ مخطّط آخر يبدأ بصرف العمال ولا ينتهي بالإقفال، بل بتأجير حقوق النقل والمساحات التي تشغلها هذه الشركة في مطار بيروت الدولي؟ وبالتالي ما هو مصير موظفي وطياري هذه الشركة؟
يروي أحد المطلعين على ملف الـ TMA، والمكلّف بالإشراف على أعمال الشركة من قبل مالكيها، أي ورثة رفيق الحريري، أن الخسائر المتراكمة منذ عام 2009 إلى اليوم بلغت قيمتها 230 مليون دولار، وأنه رغم كل محاولات التشغيل لم تتمكن الإدارة من تحقيق الربحية... وبالتالي فإن الوقت قد حان للخروج من هذا الاستثمار وإقفال الشركة.
وعلى هذا الأساس، كشفت إدارة الشركة عن نياتها أمام موظفيها الـ 140 وطياريها الثمانية. ولم تمضِ ساعات حتى أطلقت الإدارة مفاوضات مع المكاتب العمالية الحزبية التي تعتقد بأنهم «فاعلون»، أي حزب الله وحركة أمل. فإدارة الشركة تعلم أن معظم الموظفين محسوبون على هاتين الجهتين، وأن التفاوض مع رئيس الاتحاد العمالي العام ورئيس نقابة عمال الـ TMA غسان غصن، ليس مجدياً وليس له أي تأثير على الموظفين ولا على النقابات، وبالتالي فمن الأجدى التفاوض مع الأصل، لا مع الفرع.
وعندما انطلقت المفاوضات، تبلّغت هذه الجهات الحزبية أن الشركة تعتزم الإغلاق وصرف الموظفين ومنحهم راتب شهرين ونصف شهر عن كل سنة خدمة. وفي رأي المتابعين، أن هذا الترغيب يستهدف إنهاء الأمر بسرعة ومن دون ضجّة كبيرة، لأن الشركة مستعدة لدفع مبالغ كبيرة لم تدفعها سابقاً عندما صرفت 46 طياراً في عام 2005، علماً بأنها لم تدفع لهم أي قرش بعد!
وفي جولة التفاوض الثانية، تبلّغت الجهات الحزبية من إدارة الشركة أنها عدلت قرارها لجهة الإغلاق وأنها ستضع خطّة إنقاذية تتطب مساعدتهم نظراً إلى كونها تتضمن عمليات صرف أيضاً... إلا أن هذا العرض لم يكن الأخير أيضاً، فقد عمدت إدارة الشركة الى إبلاغ الموظفين، لاحقاً، نيتها صرفهم جميعاً.
لم يصدق أحد أن هذه الشركة ستذهب نحو الإقفال، وخاصة أن الـ TMA تدير مرفقاً عاماً وتدير خطوط الشحن التي تملكها الدولة اللبنانية. وما عزّز الأفكار المشككة هو أن سلطات الطيران المدني كانت تمارس ضغوطاً غير مسبوقة على الشركة من أجل دفع إيجاراتها للمساحات في مطار بيروت الدولي، وكأن المطلوب إظهار هذا الضغط إلى العلن والكشف عن أوضاع الشركة المهترئة إلى العموم من أجل تبرير عمليات الصرف.
المشككون يعتقدون بأن مسعى إدارة TMA هو أن تؤجّر، تحت اسمها، خطوط الشحن التي تحملها ، لشركات شحن جوي عملاقة أو ناشئة، لكن بقدرات ضخمة يمكنها أن تستفيد منها. ويروي هؤلاء أن الـ TMA لم يكن بإمكانها المنافسة مع باقي شركات الشحن الجوي، لكنها كانت تعتمد على الطلبيات الضخمة، وليس على الطلب اليومي والأسبوعي، فهي على سبيل المثال عملت على نقل الأسلحة والذخائر من فرنسا إلى العراق عندما شنّت الولايات المتحدة وحلفاؤها حرباً على العراق.
غير أن اللافت أن الديون تراكمت على الشركة، فيما كانت الإدارة تنفق خلال السنوات الماضية ملايين الدولارات على تجهيز المكاتب والتوظيف الجديد وشراء طائرة واستئجار طائرة ثانية بكلفة كبيرة جداً... فلماذا لم تدفع الإدارة ديون الضمان؟ ولماذا لم تدفع ديون الطيران المدني؟ ولماذا لم تدفع للطيارين المصروفين منذ أكثر من 9 سنوات، رغم أن قيمة تعويضاتهم لا تساوي أكثر من 2.5 مليون دولار وأن بعضهم أصبحوا أمواتاً؟
ثمة الكثير من الأسئلة التي لا إجابة عنها، لكن الواضح أن الشركة تتخبط بين أكثر من مسار وأن أياً من الورثة لم يتمكن من حسم خياراته وفرضها على شركائه في الملكية. وكذلك يبدو واضحاً أن الرهانات التي وضعتها الشركة على تحويلها من شركة شحن جوي إلى شركة نقل ركاب فشلت قبل نحو سنتين عندما أقرّ مجلس الوزراء تمديد حصرية الميدل إيست لمدة 12 سنة إضافية، علماً بأنه لم يكن هناك اعتراضات سياسية على هذا التمديد!
إذاً، المشهد واضح أمام الجميع، وهو أن الشركة لديها مساحات في مطار بيروت الدولي ولديها خطوط شحن عالمية، وليس لديها القدرة على منافسة باقي شركات الشحن التي تملك طائرات عملاقة ولديها إمكانات أوسع وقدرات تسويقية هائلة... وليست هناك عقبات أمام مالكي هذه الشركة للاستفادة من أصولها وتعويض خساراتهم، سوى الموظفين، ولذلك هي تضغط على الموظفين وعلى الجهات الحزبية التي ترعاهم. وأولى نتائج ضغوطها أثمرت مع تقديم 30 موظفاً من الموظفين الجدد في الشركة استقالاتهم بعد الحصول على تعويضات تساوي رواتب ثمانية أشهر لكل موظّف. وفي كل الأحوال، يبدو أن الشركة متجهة نحو الإقفال.