هل أُوصِلَ لبنان إلى ما وصل إليه من انهيارات مالية، سياسية، اقتصادية، أمنية وعسكرية، ليعود وينهض؟
وجهة نظر شديدة التشاؤم في قراءتها لتطورات الوضع في المنطقة وانعكاساته على الساحة اللبنانية، ترى أن إيصال لبنان ومختلف دول المشرق العربي إلى هذا الدرك، لم يكن تمهيداً لاستعادة عافيتها، بل إغراقاً متعمداً في أزماتها.
لا شك أن بشائر إيجابية كثيرة برزت في لبنان وسوريا، منذ سقوط نظام الأسد إلى إنجاز الانتخابات الرئاسية وتشكيل الحكومة الجديدة، والتي صاغت بياناً وزارياً متقدماً جداً بما يخص تعزيز الدولة ومؤسساتها. ولكن سريعاً ما وُضع لبنان أمام استحقاق مواجهة مخاطر كبيرة على المستوى الداخلي، أو مستوى العلاقة مع الخارج، كما هو الأمر بالنسبة إلى سوريا التي لا تزال تواجه تحديات داخلية وخارجية.
يسعى البلدان إلى استعادة تعزيز قوة وسيطرة الدولة على كامل الجغرافيا، وحصر السلاح بيدها بالإضافة إلى الانتقال بمشاريع وخطط على المستويات السياسية والاقتصادية، ولكن هناك مواجهات كبرى ستفرض على كلا السلطتين في البلدين. ومن أبرز التحديات ما يتصل في مشاريع الإصلاح السياسي والاقتصادي والتنموي والإداري وفي إعادة ترشيد وتنشيط مؤسسات الدولة. سريعاً، بدأ يظهر حجم الضغوط الدولية، فعلى الرغم من الصورة المأخوذة للاحتضان الدولي والعربي للسلطتين الجديدتين، إلا أنه بالمعنى الفعلي لم يحصل البلدان حتى الآن على أي عناصر أو مقومات دعم، لا بل تُمارس ضغوط دولية كبيرة عليهما، كما هو الحال في لبنان بالنسبة إلى وضع الجيش اللبناني ومؤسسات الدولة في مواجهة حزب الله بعد تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بحضور وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو حول الرهان على الجيش اللبناني لنزع سلاح الحزب، ما يعني وضع الطرفين في مواجهة بعضهما البعض. لا ينفصل ذلك عّما تسّرب من وقف لكل المساعدات الأميركية للبنان، وهذه المساعدات التي ستكون مشروطة بالإصلاحات التي سيتم إنجازها.
يعني ذلك أن لبنان سيكون خاضعاً لضغط كبير لإحداث تغيير وتحول في كل مساراته، ربطاً بالسعي للحصول على تلك المساعدات، بما فيها إعادة الإعمار والتي لن تتم قبل إنجاز الإصلاحات المشروطة دولياً بما يتصل بمعالجة وضع سلاح حزب الله وحصره بيد الدولة اللبنانية، وهم أمر لن يستسلم له الحزب بسهولة ما سيرفع منسوب التحدي. كذلك الأمر بالنسبة إلى كل ما يتصل بالتعيينات والتغييرات الإدارية وبالسياسات العامة التي ستعمل السلطة الجديدة في لبنان على وضعها واعتمادها.
في سوريا أيضاً، تفيد المعلومات بأن الأميركيين لم يتخذوا أي قرار حتى الآن برفع العقوبات ولا بتقديم المساعدات التي من شأنها أن تحسن ظروف الحياة الاجتماعية والاقتصادية وتمنح سلطة أمنية وعسكرية قوية للنظام الجديد، وذلك حتماً سيكون مرتبطاً بدفتر شروط كبير.
وقع البلدان في انهيارات كبيرة على وقع صراعات داخلية وخارجية. جرى الانتقال إلى سلطات جديدة، بعد حروب كبيرة. لكن هناك تخوف من استبدال الحروب الخارجية بحروب داخلية وحالات اقتتال أو توتر مستمرة. بما يتناقض مع مبدأ تعزيز سلطة الدولة. مؤشرات هذا المشروع تظهر من خلال الإصرار الإسرائيلي على البقاء في نقاط متعددة في الجنوب مع التمتع بحرية الحركة برياً أو جوياً وفي عمليات الاغتيال ومواصلتها، ووضع لبنان تحت ضغط وجوب نزع سلاح حزب الله والذي بحال لم تنجح الدولة بالقيام بهذه المهمة فإن إسرائيل ستواصل عملياتها. ذلك ما يهدد قدرة الدولة على الإمساك بالسلطة وقرار الحرب السلم بخلاف البيان الوزاري، وبخلاف كل المسار الداخلي والخارجي. لا سيما أن بقاء الاحتلال الإسرائيلي سيعيد تفعيل عمل المقاومة، وسيتمسك حزب الله بسلاحه أكثر فأكثر، أما الصراعات الداخلية والاحتجاجات ستشغل الجيش اللبناني بين المناطق المختلفة، وتبعده عن الجنوب ولن تمكنه من توسيع انتشاره هناك والإمساك بكل مفاصل الأرض، وهذا بحدّ ذاته سيكون متناقضاً مع مبدأ تعزيز الدولة وتقويتها وحصر السلاح بيدها. إنها مرحلة جديدة بالتأكيد، فيها الكثير من الإيجابيات التي يبنيها الشعبان اللبناني والسوري، لكنها مرحلة تتصل أيضاً بمخاطر كبيرة، قد تتجلى بمحاولات لنقل الصراع من الخارج إلى الداخل.