التقت مراجع ديبلوماسية وعسكرية على التعبير عن مخاوفها من حجم العراقيل التي تعوق تنفيذ المراحل المقرّرة لإنهاء الاحتلال الاسرائيلي لعشرات القرى الحدودية ونشر الجيش فيها إلى جانب قوات «اليونيفيل» على رغم من انطلاق عمل اللجنة الخماسية المكلّفة الإشراف على تنفيذ الاتفاق الذي تمّ التوصل اليه في 27 تشرين الثاني من ضمن المهلة التي حدّدت بـ60 يوماً تنتهي في 27 كانون الثاني المقبل، على أمل الإنتقال في المرحلة التي تليها، وما تمّ التفاهم في شأنه لتثبيت الحدود الدولية بين البلدين بما فيها النقاط الـ 13 العالقة في ظل التفاهم على حلول لـ6 منها منذ ان شُكّلت اللجنة الثلاثية الخاصة بمعالجتها. مع الإقرار مسبقاً بصعوبة التفاهم على حل عقدتين أساسيتين قد لا يتمّ التفاهم في شأنهما في المرحلة الأولى المؤدية إلى وقف ثابت ونهائي لإطلاق النار في نقطة الـ «b1» ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا.
وعند تبريرها للمخاوف على مصير المفاوضات الجارية، تحدثت المراجع العليمة عن مجموعة من المؤشرات السلبية التي سمحت للعدو الإسرائيلي بمواصلة خروقاته، سواء البرية منها المتمثلة بتدمير ونسف الأبنية والأنفاق اينما اكتُشفت في القرى الأمامية، وتلك الجوية التي تعبّر عنها بالطلعات الجوية للطائرات الحربية والمسيّرات فوق بيروت والضاحية الجنوبية وصولاً إلى الجنوب من دون أي رادع. وخصوصاً عند إهمال التحذيرات اللبنانية اكثر من مرّة لوقف الغارات الجوية على أهداف تدّعي اسرائيل انّها لـ «حزب الله»، مع انّها استهدفت مواطنين لا ذنب لهم سوى انّهم يستخدمون سيارات او دراجات نارية كان يعتمدها عناصر الحزب في تحركاتهم طوال فترة الحرب.
وإلى هذه التبريرات، ردّت مصادر قريبة من عمل لجنة الإشراف والمراقبة، انّ الجانب الاسرائيلي وإن تصرّف بغطرسة وبعنجهية المنتصر، فإنّ لتصرفاته وجهاً آخر يشكّل محاولة مكشوفة ليس لتحدّي اللبنانيين فحسب، إنما ليطاول مهمّة أعضاء اللجنة وهيبتهم، بمن فيهم رئيسها الاميركي الذي تعهّد في الاجتماع الثاني في 18 كانون الاول الجاري بوقف هذه العمليات ومعه مساعده الفرنسي للغاية عينها. وفي المعلومات انّ الجانب الإسرائيلي يشكّك في نيات سحب مسلحي «حزب الله» واسلحتهم إلى شمال مجرى نهر الليطاني، وهي عملية لم تتمّ بعد سوى من قرى محدودة تسلّمت فيها وحدات الجيش مواقعهم بما تحتها من أنفاق ومخابئ كانوا يحتفظون بها سراً حتى عملية الانتشار.
وإن زاد الحديث عن التبريرات فإنّها تطاول مجموعة المواقف والتفسيرات التي أعطاها الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم للاتفاق. فتحدث ومعه مسؤولون آخرون بأنّه يعني جنوب نهر الليطاني فقط، وانّ بقية المناطق ستبقى محكومة بالتفاهمات الداخلية بما فيها مصير اسلحتهم ومصانعها ومخازنها، وهي معروفة من الجانب اللبناني والدولي معاً، وأنّه لا بدّ من الالتزام بتطبيق التفاهم طالما انّ «الثنائي الشيعي» هو من قاد هذه المفاوضات عبر الوسيطين الاميركي والفرنسي ومعهما كل من ساهم في تفكيك بعض العِقد، قبل أن تتوسع رقعة الحرب لتأتي بالمتغيّرات الكبرى على الساحة السورية بعد سقوط نظام الاسد وتدمير اسلحة جيشه وما طاول الجانب الإيراني من أضرار الغارات الاسرائيلية التي استهدفت منشآت كهربائية واخرى تتصل بحاجات معامل انتاج الطاقة النووية.
وإلى هذه العِقَد توقفت المراجع المعنية امام تردّد الجيش في تأمين القوة الكافية للانتشار جنوباً، بعدما اضطر إلى استخدام وحدات احتياطية على الحدود الشرقية والشمالية مع سوريا عقب انهيار النظام السوري، بدلاً من ان تكون للجنوب، وهو امر لم يدم طويلاً بدليل انّ الجيش عاد مستعداً لملء الفراغ بالقوة الكافية.
اما على المستوى الدستوري، فإنّ المهلة قصرت امام جلسة انتخاب الرئيس، وسط عدد من الاسئلة عن إمكان العبور بالاستحقاق اياً كانت العِقَد المتوقعة، ليكون للبنان رئيس في العاشر من كانون الثاني المقبل. فهل تنجح العملية لتقليص مهلة خلو سدّة الرئاسة من شاغلها ليكتمل عقد الاستحقاق الدستوري على رغم من تعثر نظيره العسكري، فتتغيّر معطيات كثيرة قد تحميه من هزات ارتدادية لبنان بغنى عنها.