لنعد قليلاً إلى الوراء، ولنتذكر جيداً كيف تم استغلال نكبة بيروت للاستيلاء على قلبها وبيعه قطعاً في سوق المضاربات العقارية. يومها قلّة قليلة قاومت هذا المنحى ولم تستطع كبح جماح التحالف الناشئ بين أمراء الحرب وأمراء المال. هؤلاء بأكثريتهم كانوا يعرضون لبنان كلّه للبيع طلباً لحمايات خارجية. باعوا قرار دولته وسيادتها وشرّعوا أبوابها وتقاسموها إقطاعيات محصّنة بدفق هائل من ادّعاء الخوف «الطائفي»... سيطروا على قلب بيروت وردموا بحرها الجميل بفعل قدرتهم على صناعة «القلق».
بعد الحرب قيل لأهل بيروت إنه لا بديل لإعمار مدينتهم سوى «شركة عقارية»، وأوهموهم بأن ذلك يصب في مصلحتهم العامّة. أقنعوهم بأنه لا ضير في أن يقبل المرء أحياناً بخسارة القلب من أجل أن يربح الجسم! لم يتركوا لهم خياراً سوى «الانتحار»: الدمار أو «سوليدير».
كان اللبنانيون خارجين للتو من حربهم الضروس. حرب دمرت كل شيء، البشر والحجر وحتى المستوى الأدنى من العصبية الوطنية. بدا اللبنانيون أكثر استعداداً للرضوخ لشركة «سوليدير»، لأنهم رأوا فيها الصورة النقيضة للحرب، وشعروا كما لو أنهم خيّروا بينها وبين بقاء وسط بيروت مرتعاً للجرذان والكلاب الشاردة وذاكرة الاقتتال الأهلي المقيت. أرادوا رؤية مدينة عصرية قادرة على منحهم المزيد من الفرص للعمل والاستثمار والسكن، رسموا لهم مدينة «نيوليبرالية» بامتياز مستغرقة في الرفاهية والفخامة والثراء والاستهلاك المترف... بعد 20 سنة من هذا «الأمل» وجدت شريحة واسعة من أبناء بيروت نفسها مطرودة خارجها، تم رمي «أبناء بيروت» في الضواحي القريبة والبعيدة. تحولت بعض الاحياء التي أقام فيها أهلهم منذ عقود طويلة إلى منغلقات «نخبوية» بسبب ارتفاع أسعار الشقق أو بسبب تحول وظيفة هذه الأحياء إلى نشاطات «سياحية» أو «تجارية». حصل ذلك عن سابق تصور وتصميم. ففيما كان أهل بيروت يعتقدون أن لا ضير في أن تتحول وظيفة وسط بيروت من وسط حيوي يؤمن العمل والسكن لأكثر من 130 ألف لبناني إلى قطع عقارية مفرزة للبيع في سوق المضاربات العقارية وبعض المطاعم والمقاهي والحفلات والبنايات الشاغرة، وفيما كان اللبنانيون يقدّمون قلب بيروت للشيطان، كان «الشيطان» يخطط لأخذ بيروت كلّها. هذا حصل فعلياً وتجاوز في الواقع كل التحذيرات السابقة من خطورة المنحى الذي تُدفع البلاد إليه، منحى أعمى لا يرى أناساً في هذه المدينة، بل عقارات يمكن أن تدرّ أرباحاً ريعية طائلة.
ليكفّ أهل بيروت عن السعي إلى مبررات واهية للنتائج التي يعانون منها اليوم على صعيد ضيق فرص السكن أو العمل أو الدخل أو الخدمات... فالحرب بويلاتها لم تنجح في اقتلاعهم من أحيائهم، ولكن الشركات العقارية نجحت في ذلك نجاحاً باهراً. تم تخطيط نمو العاصمة لخدمة الأثرياء وأصحاب المداخيل المرتفعة والسياح الخليجيين، وهذا الهدف كان يستدعي تطهيراً «طبقياً» للمدينة، بدأ من وسط بيروت وتمدد إلى معظم أحياء العاصمة وهو مستمر بتمدده على الرغم من كل الاحداث التي حصلت في السنوات السبع الأخيرة. فالأبراج لا تزال تزحف نحو الأحياء القديمة وترفع أسعار المساكن فيها وتزيد أكلاف المؤسسات بما لا ينسجم مع حاجات السكان السابقين ولا مع قدراتهم ولا مع توقهم إلى الوظائف اللائقة.
لم يكتف «الشيطان» بتهجير أبناء وسط بيروت، بل عمد إلى إقصائهم عن أي انتفاع من ردم البحر على مساحة 870 ألف متر مربع. ازدادت مساحة بيروت ولكنها ضاقت بأهلها، بل لم يُترك لهم متر واحد في الاراضي المستحدثة ليقيموا عليها مساحة عامّة مشتركة يحتاجون إليها لتعويض بعض ما خسروه. لقد جرى عرض هذه الأراضي فوراً في سوق المضاربات العقارية، وتم جعلها المنطقة الأغلى في لبنان ومحيطه لكي يحافظوا عليها حيزاً صافياً طبقياً ومحصّناً من كل الفقراء.
اليوم تواجه طرابلس والميناء منحى مشابهاً للمنحى الذي سلكته بيروت. لا شك في أن ذلك يُسعد المضاربين العقاريين وبعض الملّاك الباحثين عن إثراء سريع، إلا أنه لن يكون في مصلحة أكثرية أبناء المدينة، إذ بحجة إنماء هذه المدينة المنكوبة يجري الترويج لمشروع عقاري يقوم على ردم ما بين 750 ألفاً ومليون متر مربع مربع في البحر عند نقطة رأس الصخور على كورنيش طرابلس _ الميناء الجديد. هذا المشروع لن يحرم أبناء المدينة المتنفّس شبه الوحيد على البحر فحسب، بل سيسلخ الكثير منهم ويضعهم على هامش المدينة.
لقد أخطأ اللبنانيون حتى الآن بالسماح لتحالف السلطة والمال بالقضاء على فرص عيشهم الكريم في هذه البلاد. وجميعاً ندفع الثمن غالياً اليوم. لذلك يبدو منطقياً أن نتفادى الإمعان في الخطأ، ولا بد من وقفة من أجل الأجيال الحاضرة والمقبلة تمنع مجموعة من «الريعيين» في طرابلس من إقامة مشروعهم الخاص لردم البحر وجر كل المدينة إلى مضاربات عقارية هدّامة بحجّة «إنماء طرابلس» وخلق «10 آلاف فرصة عمل على مدى سنوات»... يُفترض بأبناء طرابلس أن يسألوا أبناء بيروت عن فرص العمل التي وفّرها النمط الاقتصادي الريعي. فالوعود بالرفاه تحوّلت إلى كوابيس. بات نصف كل رعيل من الفئات الشابة يهاجر بحثاً عن وظيفة أو أمان، ومن بقي منهم لا يجد إلا وظائف لا تحتاج إلى أي عمالة ماهرة ولا تدرّ أي مداخيل يمكن أن تسهم في مواجهة أعباء العيش... فهل يعتقد أبناء طرابلس أنهم سيكونون أفضل حالاً من واقع البؤس الذي يعيشون فيه اليوم؟ ليتأكّدوا أن النتيجة الوحيدة التي سيحققها المشروع المنوي إقامته على بحر مدينتهم هي مراكمة المزيد من الثروات الشخصية لأصحاب المشروع ومراكمة المزيد من البؤس لأبناء المدينة.
ليتمعّن أبناء طرابلس والمينا والمنية والضنية وعكار بلائحة أسماء أصحاب المشروع. ليتمعّنوا جيداً في أن من يبيعهم «أمل» الإنماء هو نفسه الذي حرمهم منه ولم يفعل شيئاً لإخراج منطقتهم من بؤسها: النائب روبير فاضل (مُقرّب من الرئيس سعد الحريري)، إلياس أيوب، سعيد حلاب، يوسف فتال، سامر حلاب (مقرّب من الرئيس نجيب ميقاتي)، وليد الحجة (شريك للرئيس فؤاد السنيورة)، طلال عكليس، محمد سليمان، أنس الشعار (نجل المفتي مالك الشعار)، سليم زعني، حسام قبيطر (عُيّن حديثاً رئيساً لمجلس إدارة معرض رشيد كرامي الدولي، وهو مقرّب من الرئيس عمر كرامي والوزير محمد الصفدي)، عمر حلاب، توفيق دبوسي (أمين عام غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس) وزياد منلا... يجب إيقاف هؤلاء الأشخاص عند حدودهم وبصوت واحد: شاطئ طرابلس _ المينا ليس للبيع.
الاسم: ميشال المرّ
الموقع: جبيل/ Halat sur mer
استفاد آل المر من نفوذهم السياسي وعمدوا إلى الاستئثار بأكثر من 60 ألف متر مربع من الأملاك العامة البحرية لإنشاء مشروع سياحي في حالات باسم الشركة العقارية للإنماء.
الاسم: فريد مكاري
الموقع: الكورة/ الحريشة
يملك نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري مع أقاربه ملّاحات على عقاراتهم الخاصة، إلا أنه استغلّ نفوذه السياسي ليتعدّى على 1200 م2 على الأقل من الأملاك العامة البحرية.
الاسم: محمد الصفدي
الموقع: البربارة/ جبيل
أقام الوزير محمد الصفدي سنسولاً أمام منزله على البحر، فعل ذلك عندما كان وزيراً مؤتمناً على الأملاك العامّة البحرية في عام 2008. ولم يلحظ تقرير الوزير غازي العريضي هذا التعدّي.
الاسم: نظمي أوجي
الموقع: ضبية/ جبل لبنان
حظي صاحب فندق «لو رويال» برعاية خاصة في عهد الرئيس إميل لحود، وحصل على مرسوم في 2004 يجيز له ردم 58825 م2 في البحر وإقامة «تلفريك» للانتقال من الفندق البعيد إلى البحر.