ما حصل ويحصل على شاطئ أقضية جبيل وكسروان والمتن يمكن وصفه بـ«الكارثة»؛ فمحتلو الأملاك العامّة البحرية لم يتركوا أي «ثغرة» للبنانيين واللبنانيات لكي ينفذوا منها إلى بحرهم، إلا إذا سددوا مبالغ مالية تشبه «الخوّات»... لا تكفي هذه العجالة للكشف عن كل التفاصيل الواقعة على هذا القسم المهم من الشاطئ اللبناني، لكن ما سيرد أدناه يعطي صورة مختصرة ستُعزَّز لاحقاً بمزيد من التحقيقات
تشير دراسة أجرتها شركتا «IAURIF» و«ECODIT» في التسعينيات إلى أن أكثر من 81% من الساحل بين خليج جونية ومطار بيروت، الممتد على مساحة 51 كيلومتراً، بات في قبضة أصحاب رؤوس الأموال والنفوذ السياسي. في الواقع، يمكن أياً كان أن يقوم بجولة عبر «GOOGLE MAPS» ليكتشف «الفظاعة» الحاصلة على أملاك اللبنانيين المشتركة بين جبيل والمتن، مروراً بكسروان؛ فالشاطئ هناك يقع تحت الاحتلال فعلياً.
اختفى خليج جونية كلياً، وشاطئ المعاملتين والذوق، ولم يبق إلا مساحات صخرية صغيرة ونادرة، يمكن عموم الناس الوصول إليها عبر السهول الزراعية بين نهر إبراهيم ونهر الكلب... باختصار، يمكن وصف التعدّيات على الشاطئ والبحر في أقضية جبل لبنان شماليّ بيروت بأنها الأضخم، مقارنةً بالأقضية الأخرى، بل لا مغالاة في القول إن الإقطاع القديم والإقطاع الجديد، مروراً بفترة الحرب عندما سيطرت ميليشيات القوات اللبنانية وحزب الكتائب جعلا من هذا القسم من الساحل مرتعاً للساعين إلى الإثراء غير المشروع.
أكثر من مليون و350 ألف متر مربع من هذا القسم الساحلي تحوّل إلى منتجعات سياحية مغلقة لفئة من اللبنانيين، فضلاً عن منشآت صناعية وتجارية ومستودعات للوقود. تقدّر القيمة السوقية لهذه المساحات اليوم بأكثر من 15 مليار دولار، وهي تدرّ أرباحاً ريعية الطابع بعشرات ملايين الدولارات سنوياً لنحو 250 معتدياً على الملك العام في هذه الأقضية. وهؤلاء، من دون أدنى شك، تمتّعوا بحصانات وحمايات سياسية لكي يقوموا بما قاموا به من قرصنة واحتلال وتدمير للشاطئ والكثير من المواقع الطبيعية والتاريخية المهمّة، فضلاً عن أن هذه المنطقة من جبل لبنان تعاني التعدّي المزدوج على الأملاك البحرية والنهرية، كما هي حال منتجع «هوليداي بيتش» على مصب نهر الكلب.
وبالاستناد إلى تقرير وزارة الأشغال العامّة والنقل عن التعدّيات، تظهر بوضوح فداحة العدوان الذي تعرّضت له أملاك الدولة في جبيل وكسروان والمتن؛ إذ يحظى شاغلو الشاطئ والبحر بـ23 مرسوماً من أصل 33 مرسوماً على كل الشاطئ اللبناني، وقد أجازت هذه المراسيم بردم البحر واستثمار المسطح المائي وأقسام من الشاطئ تمتد على مساحة 746 ألفاً و950 متراً مربعاً، أي ما يصل إلى ثلثي المساحات المرخّص بإشغالها على كل الشاطئ اللبناني... واللافت في التقرير الرسمي أن أكثرية التراخيص هي من العيار الثقيل، وتصل المساحات المرخّصة في حالة ATCL إلى 99 ألف متر مربع، وفي حالة شركة شل في برج حمود إلى 72 ألف متر مربع، وكذلك شركات مدكو وتوتال وموبيل ويونيترمنلز النفطية في البوشرية (52600 متر مربع للأولى و33970 متراً مربعاً للثانية و43 ألف متر مربع للثالثة و28600 متر مربع للرابعة)، وأيضاً شركات غاز الشرق وروجيه وعصام الجميل ويونيغاز النفطية في وطى عمارة شلهوب وهاغوب وسركيس وافيديس ديمرجيان في برج حمود (بين 21 ألف متر مربع و39 ألف متر مربع)، وحصلت الشركة العقارية للإنماء على 60 ألف متر مربع في حالات (راجعوا الجداول أدناه).
التراخيص من العيار الثقيل لم تطفئ الجشع المسيطر؛ فقد عمدت 11 جهة إلى تجاوز المساحات المرخّص لها بها، واحتلت نحو 110 آلاف و882 متراً مربعاً إضافياً، ما جعل الجهات الحائزة التراخيص تستأثر بأكثر من 857 ألفاً و832 متراً مربعاً من البحر والشاطئ. ويكشف تقرير الوزارة الرسمي حالات فاقعة في هذا المجال، أبرزها سيطرة القيّمين على ATCL في جونية (على رأسهم فؤاد الخازن، رئيس نقابة المقاولين) على 14111 متراً مربعاً إضافياً، لتصبح المساحة المسيطر عليها 113 ألفاً و971 متراً مربعاً من الملك العام، وكذلك سيطرت شركة مركز نهر الكلب السياحي «هوليداي بيتش» (بإدارة الراحل جميل إسكندر) على 19191 متراً مربعاً فوق المساحة المرخص لها بها، لتحتل 49 ألفاً و796 متراً مربعاً. ومن الأمثلة أيضاً، شركة الموتيلات السياحية «طبرجا بيتش» التي ردمت 12984 متراً مربعاً إضافياً في البحر، وأقامت إنشاءات عليها بمساحة 19844 متراً مربعاً، واحتلت بذلك مساحة 31 ألفاً و483 متراً مربعاً من دون الإنشاءات غير الشرعية. وهكذا فعلت 6 شركات نفطية محميّة من السياسيين ومنشآت تجارة الحديد في المتن التي يملك حصصاً فيها الوزير السابق هاغوب ديمرجيان (راجعوا الجدول أدناه).
ويشير تقرير الوزارة إلى أن 175 جهة وشخصاً يحتلون نحو 470 ألفاً و654 متراً مربعاً من الأملاك العامّة البحرية، من دون أن يكون لديهم أي ترخيص قانوني بإشغالها. ويشير كذلك إلى وجود 59 معتدياً على مساحة 9340 متراً مربعاً لا يملكون أي عقار متاخم لتعدّياتهم. فعلى سبيل المثال لا الحصر، بُني مجمّع السوليمار (سليمان تنوري وشركاه) على 25 ألفاً و980 متراً مربعاً من أملاك اللبنانيين، وردم كمال وطنوس (ابنا عم الوزير السابق جان لوي قرداحي) 4808 أمتار مربعة في البحر في جبيل، وكذلك زوجة الوزير السابق ميشال إدّة رولا إلياس ضومط (1260 متراً مربعاً)، وقام مسبح «فورسيزن» على ردم 10820 متراً مربعاً في البحر في مستيتا، و«صفرا مارينا» (7935 متراً مربعاً من ردم البحر في الصفرا)، وشركة أوتيل الرابية في الصفرا أيضاً (ردم 14227 متراً مربعاً)، ورشيد صالح الخازن (عم النائب السابق فريد هيكل الخازن) الذي ردم 9748 متراً مربعاً في البحر. ويبرز كثيرون من المعتدين على الأملاك العامّة (راجعوا الجدول أدناه)، منهم أصحاب منتجع البورتميليو (32699 متراً مربعاً) وميشال نقولا زريق (11840 متراً مربعاً) ومنتجع السمايا (37455 متراً مربعاً) ومنتجع الرمال (43289 متراً مربعاً)، ويوجد بحسب التقرير الرسمي ردم بمساحة 54 ألفاً و295 متراً مربعاً قبالة العقار 154 في ضبية غير مذكور اسم المعتدي عليه!
الاسم: فؤاد الخازن
الموقع: ATCL
كان النادي اللبناني للسيارات والسياحة (ATCL) من أولى المنشآت التي غزت الشاطئ في منطقة جونية، وقصّته غريبة بعض الشيء؛ إذ جرى في الستينيات تلزيم بناء الحوض الثالث لمرفأ بيروت بمبلغ 45 مليون ليرة، وبقي من الاعتماد المخصص لهذا المشروع 15 مليون ليرة، فقررت الحكومة منح هذا النادي المبلغ وإقامة مرفأ سياحي على مساحة 99860 متراً مربعاً، إلا أن المرفأ تحوّل إلى منتجع ذات طابع ربحي، واعتُدي على 14111 متراً مربعاً إضافياً من الأملاك العامّة، من دون أي ترخيص لتوسيع هذا المنتجع، وحظي المنتفعون منه بحماية سياسية واضحة؛ إذ تكفي الإشارة إلى أن رئيس مجلس الإدارة اليوم هو فؤاد الخازن.