ظروف الاحتلال الاسرائيلي، والتهديد المتواصل بعد التحرير في عام 2000، ابعدا المستثمرين النافذين قليلا عن الشاطئ في الجنوب على الرغم من تميّزه بمواصفات مغرية جدا... الا ان قلة المشاريع السياحية والصناعية الكبيرة في هذا الجزء من الشاطئ اللبناني، كالتي انتشرت بين الرميلة والقلمون، جعلت نوعية التعدّيات على الاملاك العامّة البحرية في الجنوب تأخذ شكلا خاصا، اذ يغلب عليها طابع الاستئثار لاغراض شخصية واسلوب «المقاطعجية»
لسبب ما، لا يعكس تقرير وزارة الاشغال العامّة والنقل عن التعدّيات على الاملاك العامّة البحرية كل الوقائع القائمة على الجزء الجنوبي من الشاطئ اللبناني، اذ ان الكثير من المعطيات المتاحة (راجع تحقيق الزميلة امال خليل) لا تجد لها ذكراً في التقرير المذكور. لا ينحصر الامر بالعديد من الردميات الجارية في صيدا بحجج مختلفة، وانما هناك ايضا قيام اشخاص عديدين بتشييد منازل صيفية وشاليهات على الشاطئ في ظل موجة التعدّيات على الاملاك العامّة ومخالفات البناء التي اندلعت في العام الماضي...
يقول مطّلعون (على سبيل المثال لا الحصر) ان طبيبا مقرّبا من العائلة النافذة يدعى محمد شاهين حصل على تغطية لتشييد منزل له على الشاطئ في راس الشق في الصرفند، وقام بتلزيم الاشغال الى مسؤول الخدمات الاجتماعية في البلدة في حركة امل احمد الحاج، فرأى الاخير انه يستطيع ان يستفيد من هذه التغطية ايضا، فقام بتشييد منزلين له وللطبيب، واستأثرا بالشاطئ هناك وووسّعا تعدّيهما بردم البحر وانشاء سنوسولين لحصر الانتفاع بالمسطح المائي بهما وبما يسمح لهما بتشطيط قوارب صغيرة! هكذا تحصل الامور في الجنوب.
لم لا واسم رفيق بهاء الدين الحريري يرد في التقرير كمعتد بمساحة 7680 متراً مربعاً من ردم البحر في اليهودية، فضلا عن اسم الرئيس نبيه بري نفسه الذي استأثر بمساحة تبلغ 20100 متر مربع، اذ اقام في اليهودية سنسولا هائلا لحصر الانتفاع بالبحر. يقول مقرّبون من الرئيس بري ان هذه المعلومات الواردة في التقرير صحيحة ما عدا امرين: الاول ان مساحة التعدّي هي اكبر من المساحة المذكورة، والثاني ان ما يوصف بالتعدّي هو في الواقع مشروع زراعي يعود ريعه لجمعية تهتم بذوي الحاجات الخاصّة!
ما يلفت في تقرير الوزارة ان معظم التعدّيات التي يرصدها في الجنوب تعود الى اشخاص استغلوا الوضع هناك من اجل تشييد مساكن او مطاعم صغيرة على مساحات صغيرة تقلّ عن 500 متر مربع، هذا لا يعني ان ليس هناك تعدّيات واسعة وكبيرة، بل ان عددها قليل او غير مدوّن في التقرير المذكور، كحالة استراحة صور (رست هاوس) التي توسعت بشكل مخيف وصارت منشأتها تمتد عميقا في البحر وتشوّه واحدا من افضل الشواطئ الرملية في لبنان واغناها!
يشير التقرير الرسمي الى ان عدد التعدّيات المرصودة في الجنوب يبلغ 367 تعدّيا ويطال مساحة تقدّر بنحو 468 الفا و973 مترا مربعا، منها 468 الفا و933 مترا مربعا من ردم البحر، و40 مترا فقط من المسطح المائي (وهذا التقدير الاخير غير صحيح اطلاقا اذ ان جولة سريعة على الشاطئ الجنوبي عبر «غوغل» تُثبت ان المساحات اكبر من ذلك بكثير وان كانت تتوزع على استحواذات صغيرة نسبيا بالمقارنة مع المناطق الاخرى. وما يميّز الجنوب في تقرير الوزارة انه يعاني من اكبر مساحة انشاءات على الاملاك العامة البحرية بالمقارنة مع المناطق الاخرى، اذ تبلغ نحو 126 الفا و158 مترا مربعا، وهي لا تُحتسب في التقرير في الارقام الاجمالية للتعدّيات التي تنحصر بمساحات الردم والمسطّح المائي. وبالاستناد الى التقرير الرسمي الذي سيناقشه مجلس الوزراء قريبا، فإن الجنوب يحظى باقل عدد من المراسيم التي تجيز لاشخاص او جهات اشغال املاك عامّة بحرية، اذ يبلغ عددها 5 فقط، وهي تقع كلّها في قضاء صيدا، وتشغل نحو 146 الفا و088 مترا مربعا من ردم البحر، فضلا عن 10 آلاف و584 مترا مربعا من الانشاءات، واذا اضيفت هذه المساحات إلى ما تعتبره الوزارة تعدّيات فإن حجم الاحتلالات للشاطئ والبحر بين صيدا والناقورة يرتفع الى 615 الفا و61 مترا مربعا، كلّها تقريبا نتجت من ردم البحر. واللافت ان جميع المرخص لهم هم من القطاع العام، ولا سيما بلدية صيدا التي حظيت بمرسومين: الاول لردم البحر بمساحة 68 الفا و111 مترا مربعا في الوسطاني، والثاني لردم البحر ايضا بمساحة 38 الفا و95 مترا مربعا واقامة انشاءات على الاملاك العامّة البحرية بمساحة 10 آلاف و110 امتار مربعة في الدكرمان. كما حظيت بلدية الغازية بمرسوم لردم البحر على مساحة 39 الف متر مربع بحجّة اقامة حديقة عامّة! فضلا عن مرسومين لصالح نقابة صيادي الاسماك (90 مترا مربعا) ولصالح مبنى رئاسة مرفأ صيدا (792 مترا مربعا).
يصنّف التقرير الرسمي 7 من التعدّيات بأنها تعود الى جهات او اشخاص يملكون عقارات متاخمة لتعدّياتهم ويستوفون شروط المرسوم 4810 في حال طلبوا تسويتها، وقد قام هؤلاء بردم 6232 مترا مربعا في البحر واقاموا انشاءات بمساحة 500 متر مربع. وهناك 84 تعدّيا على البحر في الجنوب قام بها اشخاص وجهات يملكون عقارات متاخمة وانما لا يستوفون شروط المرسوم 4810، وقد ردم هؤلاء نحو 212 الفا و762 مترا مربعا في البحر واقاموا انشاءات بمساحة 3535 مترا مربعا. اللافت ان 30 تعدّيا في هذه الفئة هي لبناء مساكن والاستئثار بالشاطىئ، وعلى الرغم من ان معظمها يقوم على مساحات صغيرة، الا ان مصطفى قاسم وديب عبد وشركاهما ردموا البحر بمساحة 1035 مترا مربعا! وكذلك شركة الروابي العقارية التي ردمت 771 مترا مربعا في البحر لتنفيذ مشروع سكني في الوسطاني في صيدا، وايضا شركة الصفا للحمضيات التي ردمت مساحة 1235 مترا مربعا في الغازية. وفي الدكرمان في صيدا يقوم جامع على ردم البحر بمساحة 775 مترا مربعا... وفي هذه الفئة ايضا يوجد مبنى تجاري لورثة حسين خليفة في الغازية على مساحة 1870 متراً مربعاً من ردم البحر، ومرفق سياحي على مساحة 800 متر مربع من ردم البحر ايضا للشركة العالمية للاستثمارات البحرية في الصرفند. وهناك جامعة للمجلس الاسلامي الشيعي الاعلى في صور على مساحة 1350 مترا مربعا من ردم البحر ايضا وايضا... امّا باقي التعدّيات فهي مسجّلة في التقرير لاغراض زراعية، اكبرها بمساحة 68 الفا و400 متر مربع ردمها علي عبد الله الجمّال في اليهودية، و10800 متر مربع ردمها في العباسية يوسف محمد مصطفى ضاهر وعدنان وحسان وعماد ومصطفى درويش مصطفى ضاهر، و8700 متر مربع ردمها باسل احمد جمال الدين واحمد سعد الدين الجمال في اليهودية، و8300 متر مربع ردمها اولاد محمد الزعتري وحسن الزعتري، و81185 مترا مربعا ردمها ابناء مصطفى نحولي في عدلون، و6 الاف متر مربع ردمها اولاد مصطفى البساط في اليهودية ايضا.
وفي فئة المعتدين الذين لا يملكون اي عقار متاخم لتعدّياتهم، فقد قدّرها التقرير الرسمي بـ221 تعدّيا في الجنوب على مساحة 245 الفا و841 مترا مربعا اقيمت عليها انشاءات بمساحة اجمالية تبلغ 111 الفا و78 مترا مربعا، منها 160 تعدّيا لبناء مساكن! ويبرز من هؤلاء المعتدين: مصطفى الحريري (6460 مترا مربعا من الردم و4660 مترا مربعا من الانشاءات) في الدكرمان، وفؤاد خليفة (13220 متراً مربعاً) في الصرفند، والحاج حسين فقيه واولاده (12570 مترا مربعا من الردم و2695 مترا مربعا من الانشاءات) في الصرفند، وحسن عز الدين (58488 متراً مربعاً) في المحيلب في صور، فضلا عن مخيم جل البحر الذي يقوم على ردم 53 الفا و40 مترا مربعا في البحر في العباسية.
ويقدّر التقرير التعدّيات الحاصلة في الجنوب بين عامي 2011 و2012 بـ55 تعدّيا على مساحة 4138 مترا مربعا من ردم البحر وانشاءات بمساحة 11 الفاً و45 مترا مربعا، وجميعها تعدّيات تقل عن 400 متر لكل تعدّ، ما عدا احمد محمود غدّار وجمال عباس شرف الدين اللذين قاما بردم 1146 مترا مربعا في البحر في عدلون.