شهية السياسيين والمتمولين مفتوحة على سرقة الأملاك العامّة البحرية على طول الشاطئ الشمالي، وبحسب تقرير وزارة الأشغال العامّة والنقل، الذي تعرضه «الأخبار» على حلقات، بات هؤلاء يحتلون أكثر من مليون و923 ألفاً و417 متراً مربعاً من أملاك اللبنانيين المشتركة... اللافت في التقرير المذكور أن الاحتلالات اتسعت في عامي 2011 و2012 من دون أن تستطيع الوزارة تحديد طبيعتها ومساحاتها!
يكشف تقرير وزارة الأشغال العامّة والنقل المرفوع الى مجلس الوزراء عن وجود 281 تعدّياً على الأملاك العامّة البحرية في محافظة الشمال، يضاف الى نحو 26 تعدّياً «مرخّصاً» بموجب مراسيم (غير قانونية) صادرة عن مجلس الوزراء، أي أن هناك 307 جهات وأشخاص يستأثرون بأملاك اللبنانيين وينتفعون من ريوعها الخيالية لمراكمة ثروات شخصية طائلة على مرأى أجهزة الدولة ومؤسساتها، بل في ظل حماية يوفّرها الكثير من زعامات هذه المنطقة الذين يتصرفون فيها كإقطاعيين، وفي ظل تواطؤ من قادة في الأجهزة الأمنية (راجعوا الكادر المرفق تحت عنوان «حاميها أشرف ريفي)...
اللافت أيضاً أن التعدّيات لا تشمل فقط أملاك الدولة، بل تتجاوزها الى الأملاك الخاصة (راجعوا نموذجاً عن ذلك في التحقيق المنشور على الصفحات التالية في هذا العدد)، واللافت أيضاً وأيضاً أن النافذين الشماليين باتوا مهووسين بتجارب السطو الواسعة في منطقتي وسط بيروت وضبية، إذ يعمد النائب روبير فاضل مع تشكيلة من أصحاب الرساميل المحسوبين على معظم زعامات طرابلس الى الترويج لمشروع خطير يرمي الى ردم البحر على كورنيش طرابلس _ المينا للاستئثار بنحو مليون متر مربع من العقارات المستحدثة والحصول على ريوع كبيرة من المضاربات عليها (راجعوا التحقيق الذي أعدّه عبد الكافي الصمد عن هذا المشروع).
يورد تقرير الوزارة معلومات مذهلة عن حجم التعدّيات الموثّقة على بحر الشمال، فقد حصلت 26 جهة وشخصاً على تراخيص لردم نحو 572 ألفاً و550 متراً مربعاً في البحر واستثمارها في مشاريع صناعية وسياحية، فضلاً عن أكثر من 367 ألفاً و342 متراً مربعاً من المسطّح المائي، وإقامة إنشاءات على أملاك الدولة بمساحات تبلغ 36 ألفاً و426 متراً مربعاً. والجدير بالإشارة أن شركة واحدة، هي شركة الزيوت ومشتقاتها، حصلت على ترخيص بردم نحو 106 آلاف و500 متر مربع في البحر واستثمار 100 ألف و500 متر مربع من المسطح المائي وإقامة منشآت بمساحة تبلغ 7 آلاف و985 متراً مربعاً. وهذه الشركة لم تكتف بذلك، بل عمدت الى تجاوز المساحات المرخّصة بنحو 40 ألفاً و800 متر مربع من ردم البحر، لتستأثر وحدها بنحو 247 ألفاً و800 متر مربع من البحر، وهي تُعتبر مصدراً أساسياً للتلويث الصناعي للبحر.
تجاوز المساحات المرخّصة لا ينحصر بهذه الشركة، إذ يفيد تقرير الوزارة بأن 5 جهات وأشخاص من المرخّص لهم بإشغال الأملاك العامّة البحرية مؤقتاً عمدوا الى احتلال مساحات إضافية يقدّرها التقرير المذكور بنحو 89 ألفاً و705 أمتار مربعة ونحو 6 آلاف و510 أمتار مربعة من المسطح المائي وأكثر من 4 آلاف متر مربع من الإنشاءات... ما يعني أن المحظيين الذين شرّع مجلس الوزراء احتلالهم للأملاك العامة خالفوا المراسيم الصادرة على قياسهم وأصبحوا يحتلون أكثر من مليون و36 ألفاً و107 أمتار مربعة من البحر، فضلاً عن 40 ألفاً و426 متراً مربعاً من الإنشاءات التي لا تنطبق عليها صفة «المؤقّت»، بحسب أحكام القانون! وتضم لائحة هؤلاء المخالفين لمراسيم الترخيص: منتجع لاس سالينس، منتجع بالما، شركة كيماويات لبنان، عبد الرزاق عبد الله الحجّة، بالإضافة الى شركة الزيوت ومشتقاتها.
وبالاستناد الى التقرير الرسمي نفسه، رصدت وزارة الأشغال العامّة والنقل 11 تعدّياً على الأملاك العامّة من قبل أشخاص وجهات يملكون عقارات متاخمة لمواقع التعدّي، واعتبرت الوزارة أن هؤلاء تنطبق عليهم شروط المرسوم التنظيمي رقم 4810 الذي يستند إليه مجلس الوزراء في تشريع الاحتلالات على البحر، وهذا النوع من التعدّي، الذي تقترح الوزارة تشريعه لاحقاً، يطال أكثر من 50 ألفاً و80 متراً مربعاً من ردم البحر وأكثر من 7 آلاف و560 متراً مربعاً من المسطّح المائي وأكثر من 1758 متراً مربعاً من الإنشاءات، أي ما مجموعه 57 ألفاً و640 متراً مربعاً من دون الإنشاءات. ويبرز من هؤلاء المحتلين مارينا دل سول في الحريشة التي تستأثر بنحو 23 ألفاً و100 متر مربع من ردم البحر والمسطح المائي، ومحمد وعبد الغني قبيطر اللذان يستأثران بنحو 14 ألف متر مربع من ردم البحر. واللافت أن التقرير يسمّي رهبنة القلبين يسوع ومريم الأقدسين معتدية على البحر في منطقة البترون عبر ردم نحو 3250 متراً مربعاً!
الأفدح في التقرير الرسمي أن هناك 116 جهة وشخصاً عمدوا الى احتلال نحو 613 ألفاً و732 متراً مربعاً من الأملاك العامّة البحرية وأقاموا إنشاءات بمساحة 23 ألفاً و469 متراً مربعاً، وهؤلاء يملكون عقارات متاخمة لمواقع التعدّي، إلا أنهم لا يستوفون شروط المرسوم 4810... وتبلغ مساحة الردم التي قام بها هؤلاء نحو 422 ألفاً و627 متراً مربعاً. وتشمل لائحة المعتدين من هذا النوع: الجماعة الإسلامية (نحو 3235 متراً مربعاً) في القلمون، حيث يقوم جامع ومركز ديني على ردم البحر، والنائب السابق مصباح الأحدب وشقيقه عبد الكريم (نحو 59700 متر مربع) في القلمون، منها نحو 43 ألفاً و700 متر مربع من ردم البحر... كما يبرز من المعتدين كل من: كميل نديم نادر (16400 متر مربع) في القلمون أيضاً، وشركة نبتون السياحية (27 ألف متر مربع)، ومنتجع ميرا مار (96 ألف متر مربع)، ومنتجع الناعورة (46700 متر مربع)، ونادي نورث هافن (29 ألف متر مربع)، ومنى أحمد عزت معصراني في رأس مسقا (19260 متراً مربعاً)، وغسان وسعيد وزياد ومحيي الدين ورضوان غندور في رأس مسقا (21100 متر مربع)، ومنير توفيق مفرج وشوكت سعد الله الحداد (15450 متراً مربعاً)، وطه وفوزي وغادة ورمال ومحاسن وهدى عطفت ناجي (57500 متر مربع)، ونورث مارينا (123 ألف متر مربع)، والشركة العامّة للمحروقات (14240 متراً مربعاً)، وأكوا لاند (10349 متراً مربعاً)، والصواري (13271 متراً مربعاً).
ويفنّد تقرير الوزارة التعدّيات على البحر التي يقوم بها أشخاص وجهات لا يمتلكون أي عقار خاص متاخم للمواقع المحتلة، ويبلغ عدد هذا النوع من التعدّيات نحو 145 تعدّياً في الشمال، وتطال أكثر من 215 ألفاً و938 متراً مربعاً، بينها 204 آلاف و138 متراً مربعاً من ردم البحر، ويبرز من المعتدين: في المنية: آل طبو (10800 متر مربع)، أحمد أسعد الخير (18700 متر مربع)، وخالد محمد الخير (10050 متراً مربعاً)، وفي طرابلس: عبد الله غندور (12812 متراً مربعاً)، وأحمد طليس (38975 متراً مربعاً)، وفي القلمون: سمير حكيم (14300 متر مربع)، وفي الهري: عنتر صليبا وفيليب يمين (10850 متراً مربعاً)، وفي حامات: روميو فرنجية (10800 متر مربع).
الفضيحة الأكبر التي يكشف عنها تقرير وزارة الأشغال العامّة والنقل تكمن في اعتراف الوزارة بأن التعدّيات متواصلة، وقد رصدت في عامي 2011 و2012 أربع حالات فاقعة، حيث يجري ردم البحر وإنشاء أبنية، ولم يُسمح لموظّفي الإدارة بالدخول الى مواقع هذه التعدّيات، كما لم تستجب المديرية العامّة لقوى الأمن الداخلي لطلبات الوزارة بالكشف عن هذه التعدّيات وتنظيم محاضر ضبط بحق القائمين بها لإحالتهم الى القضاء المختص!
هذه صورة موجزة عما يحصل على بحر اللبنانيين في الشمال، وعلى الرغم من أن هذه الصورة لا تزال منقوصة، إلا أنها ترسم ملامح كافية عن تفكك الدولة والعمل الممنهج لإنهاء وجودها، إذ لا يُعقل أن يحصل كل ذلك على المفضوح من دون أي مساءلة أو حساب إلا في ظل حماية يوفّرها المستولون على السلطة تحت حجج المحاصصة الطائفية والمناطقية التي باتت تمثّل كلفة لا تعوّض ستترتب على أجيال قادمة، لا على الأجيال الحاضرة فقط.
موسم السطو على بحر الشمال مزدهر، والخشية أن يعمد مجلسا الوزراء والنواب الى تشريع كل ذلك وقوننته بحجّة توفير مصادر التمويل لتغطية العجز المالي المتمادي.
حاميها اشرف ريفي
تكشف الوثائق التي رفعها وزير الاشغال العامّة والنقل غازي العريضي الى مجلس الوزراء عن عدم استجابة المديرية العامّة لقوى الامن الداخلي لطلباتها المتكررة من اجل الكشف على 4 تعدّيات كبيرة في القلمون والكورة ووقفها وازالتها وتنظيم المحاضر بحق مرتكبيها. واللافت ان احد أهم التعدّيات المذكورة يقوم به محمد أديب، قريب اللواء أشرف ريفي، الذي تسلّم منذ فترة ادارة منتجع ميرامار السياحي في منطقة القلمون في قضاء طرابلس.
وبحسب هذه الوثائق، ارسلت الوزارة كتباً عدّة الى ريفي، الاول بتاريخ 28 آذار الماضي يتعلّق بتعدّ تقوم به شركة بالما السياحية التي يملكها طارق فخر الدين في منطقة راس مسقا العقارية، والثاني بتاريخ 9 حزيران الماضي بتعلّق بتمادي هذه الشركة بتعدّياتها، والثالث بتاريخ 9 حزيران ايضا يتعلّق بتعدّيات يقوم بها مالكو شركة نورث مارينا «المنارة» (احد مالكيها محمد العبد الله) في راس مسقا، والرابع بالتاريخ نفسه يتعلّق بتعدّيات يقوم بها مالكو بلاج الحكيم في المنطقة نفسها، والكتاب الخامس بالتاريخ نفسه ويتعلّق بتعدّيات شركة نصر السياحية «ميرامار» في القلمون.
وتفيد الوثائق بأن الوزارة اضطرت بتاريخ 4 تشرين الاول الماضي الى احالة هذا الامر على التفتيش المركزي والنيابة العامّة لدى ديوان المحاسبة، وقد جاء في نص الاحالة «أن أصحاب المشاريع السياحية المذكورة منعوا الموظف المسؤول من الدخول اليها (...) وقد طلبت الوزارة من المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي تزويدها بكافة تفاصيل هذه التعديات ووقفها فورا وازالتها وتنظيم محاضر الضبط لكي يصار الى ملاحقتهم ادارياً وجزائياً وبالغرامات وبكل مسؤولية وعطل وضرر. الا انه لغاية تاريخه لم يتم تنفيذ ما طلبناه (...) كما ان الاشغال المخالفة كافة ما زالت جارية».