في 2014، أنجزت "المفكرة" دراستها الأولى حول عمل مجالس العمل التحكيمية في بيروت وجبل لبنان ولبنان الشمالي، وقد استندنا آنذاك على الأحكام الصادرة في الأشهر الستة الأولى من سنة 2013. وقد بينّا فيها أهم الاشكاليات التي تحول دون تمتّع الأجراء من عدالة فعّالة وسريعة، وأيضا أهم التوجهات للقضاة في مجال العمل. في سنة 2019، عادت "المفكرة" لتزور مجالس العمل في محافظتي بيروت وجبل لبنان، وقد عملت على الأحكام الصادرة في سنة 2018 والتي أمكن الحصول عليها. ورغم الجهود التي بذلها عدد من القضاة وبرزت في اجتهادات نوعية نبينها في الدراسة (وبخاصة فيما يتصل بالصرف لأسباب اقتصادية أو حوادث العمل)، فإن التنظيم القضائي لمجالس العمل التحكيمية وعددها وحصر تواجدها في مراكز المحافظات تبقى عوامل ضاغطة لإطالة آماد الدعاوى لسنوات عديدة، على نحو يجافي طموحات المشرع بإنجازها خلال ثلاثة أشهر ويضع الأجراء تحت ضغط القبول بتسويات غير عادلة. ننشر هذه الدراسة على حلقات عدة. في الحلقة الأولى، ذكرنا بصعوبات البحث في المجال القضائي، بغياب المكننة وعدم تطبيق قانون حق الوصول على المعلومات، وتناولنا العينة التي عملنا عليها. في الحلقة الثانية، ذكرنا كما فعلنا في دراسة 2014 بالإطار القانوني لمجالس العمل التحكيمية. في الحلقة الثالثة، تناولنا ماهية نزاعات العمل التي نظرت فيها مجالس العمل التحكيمية في سنة 2018. في الحلقة الرابعة، تناولنا بشكل خاص انتاجية المجالس وأمد الدعاوى العالقة أمامها. وفي الحلقة الخامسة، حاولنا استكشاف أبرز توجهات المجالس في مقاربة اختصاصها في النظر في قضايا العمل. في هذه الحلقة (السادسة)، نحاول استكشاف كيفية مقاربة المجالس لطلبات الأجراء باستحقاق التعويض عن الصرف التعسفي والمعايير المعتمدة لتحديدها على أن نحاول في الحلقات التالية فهم مقاربة المجالس لأسباب الصرف المدلى بها من أصحاب العمل وبخاصة الأسباب المتصلة بأخطاء الأجراء أو الأسباب الاقتصادية؛ علما أننا نعيد نشر الدراسة بمضمونها الكامل ومع جداولها في منشورة على حدة. ونضع هذه الدراسة بأكملها برسم وزير العمل كميل أبو سليمان، مذكرين إياه أن حماية العمالة اللبنانية لا يتم فقط من خلال مكافحة العمالة غير النظامية، بل أيضا من خلال ضمان الاستقرار الوظيفي الذي يمنع استبدال العمالة الوطنية بعمالة غير نظامية، وإعادة التوازن إلى علاقات العمل وضمان الوصول إلى عدالة سريعة وفعالة (المحرر).
انتهت الأحكام النهائية ببت الدعاوى المقدمة من الأجراء إلى قبول المطالب المدلى بها في أكثر من 82,6% منها. فمن أصل 311 حكماً صدرت خلال سنة 2018، انتهى 54 حكما فقط أي ما يعادل ما نسبته (17,4%) إلى رد الدعوى. علما أن 27,7% (أي 15 حكما) من هذه الأحكام ال54 صدرت في قضايا مقدمة من أجراء القطاع العام. واللافت في أحكام ردّ الدعاوى، أن 15 منها (أي 27,7%) انتهت إلى ردّ الدعوى لأسباب شكلية.
قبلت المجالس 122 طلبا بإلزام أصحاب العمل بتسديد أجور مستحقة بينما ردت هذه الطلبات في 21 منها (مرفوضة ومردودة ضمنا) ولم تبت في 14 منها (في 12 منها بسبب ردّ الدعوى برمّتها شكلاً، وفي واحدة بسبب سقوط الدعوى لمرور الزمن، وفي واحدة من دون تعليل). وهذا الرقم إن دلّ على شيء فهو على أن إشكالية تمنع أصحاب العمل عن تسديد الأجور المستحقة، وخصوصا الأجور المستحقة عن الشهر السابق للصرف، باتت إشكالية تطال جزءاً كبيراً من الطبقة العاملة لدى القطاع الخاص في لبنان.
بيّنت عينة الأحكام موضوع الدراسة أن الأجراء العاملين في القطاع الخاص طالبوا في 200 دعوى مرفوعة من قبلهم من أصل 268 أي ما نسبته %74,6 منها بإدخال الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في الدعوى.
وقد تثبت المجلس في 16 حكماً أن صاحب العمل تخلّف عن التصريح عن الأجير (أي ما نسبته 6% من مجموع الأحكام النهائية[1])، وفي 30 حكماً أنه صرّح عنه متأخراً (أي ما نسبته 11.2% من مجموع الأحكام النهائية)، وفي 30حكماً أنه صرّح عن راتب أقل (أي ما نسبته 11.2% من مجموع الأحكام النهائية). وهذا يعني أن إخلال أصحاب العمل بحقوق الأجراء في الضمان الاجتماعي لجهة التصريح عنهم أو صحة هذا التصريح قد ثبت في 76 حكما أي ما نسبته 28.4% من مجموع الأحكام الداخلة ضمن عينة الأحكام موضوع هذه الدراسة. إلى ذلك قبلت المجالس طلب إدخال الضمان في 44 دعوى أخرى. كما ظهر الأمر نفسه في الدعاوى المقدمة من الصندوق بوجه تفليسة شركات أو أفراد أو الإعتراضات المقدمة من أصحاب العمل على المعاملات التنفيذية الصادرة عن الصندوق والتي تطالبهم بالاشتراكات والتأخيرات. وبالرغم من ثبوت تحايل أصحاب العمل على الخزينة وعلى الأجراء، قلما يؤخذ بحقهم أي تدابير رادعة أو مكلفة لوضع حدّ لهذه الظاهرة[2].
بالمقابل، تم رفض إدخال الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، في 53 قضية، على النحو الآتي:
-
تم رفض 25 منها لسبب شكلي بسبب عدم تضمين الإستحضار الأي مطلب متعلّق بإدخال الصندوق،
-
وتم رفض 11 منها تبعا لردّ مطلب الأجير أساساً (5 منها بسبب رد مطلب تعويض نهاية الخدمة، و4 منها بسبب ردّ طلب تصحيح راتب الأجير المصرح به إلى الصندوق، وواحدة منها بسبب ردّ طلب تصحيح مدة عمل الأجير، وأخيرة بسبب رفض المجلس طلب التصريح عنه للصندوق).
-
وتم رفض 17 منها ضمنياً.
من اللافت جداً الحكم الصادر عن الغرفة الخامسة في مجلس العمل التحكيمي في بيروت برئاسة القاضية هيام خليل[3] في قضية انتهت فيها علاقة العمل دون استفادة الأجير من مدة الإجازة المستحقّة له، وحيث طالب الحصول على تعويض مقابل هذه الإجازة. واستندت هذه الغرفة إلى اتفاقية العمل العربية رقم 1 لعام 1966 المصادق عليها من قبل الحكومة اللبنانية بموجب القانون رقم 183 تاريخ 24/5/2000 (المادتان المادة 50 و51) التي توجب منح الأجير إجازة سنوية مدفوعة لا تقل عن أربعة عشر يوماً عن كل سنة كاملة، وعدم جواز التنازل عن هذه الإجازة.
وقد اعتبر المجلس أن "الأحكام التي نصت عليها هذه الإتفاقية تعتبر من النظام العام ولا يجوز بالتالي الإتفاق على ما يخالفها إلا إذا كان أكثر فائدة للأجراء"، وأنه بالرغم من كون المادة 39/عمل لم تنظم الحالة التي يفسخ فيها عقد عمل أجير في وقت لا يكون مستفيداً من إجازته السنوية المستحقة له عيناً، فـ "إن الإتفاقية الدولية التي يلتزم بها لبنان تتقدم في مجال التطبيق أمام المحاكم اللبنانية حتى على أحكام القانون اللبناني العادي في حال تعارض كل منهما، وذلك وفقاً لمبدأ تسلسل القواعد القانونية في المادة 2 أ.م.م. فإن أحكام إتفاقية العمل العربية المنوه عنها آنفاً لجهة نصها على أنه للأجير في حالة إنتهاء علاقة عمله الحصول على الأجر المقابل لمدة الإجازة المستحقة لهتكون هي الواجبة التطبيق على هذه الدعوى، سيما وأن احكامها تتعلق بالنظام العام وهي أكثر فائدة للمدعي".
كرست الفقرة (أ) من المادة 50 من قانون العمل حق فسخ عقد العمل غير المحدد المهلة، على ألا يتم الإساءة أو التجاوز في استخدام هذا الحق. وفي حال فسخ العقد تعسّفاً منحت المادة نفسها للعامل حق طلب تعويض عن الصرف التعسفي على أن "يقدر التعويض على أساس نوع عمل العامل، وسنه، ومدة خدمته، ووضعه العائلي والصحي، ومقدار الضرر، ومدى الاساءة في استعمال الحق، على أن لا ينقص التعويض الذي يحكم به عن بدل أجرة شهرين وأن لا يزيد عن بدل أجرة اثني عشر شهرا (...)". أي أن المادة 50 تركت للمحكمة تقدير مقدار التعويض محددة فقط حديه الأدنى والأقصى.
من هنا، وبعد عرض عيّنة الأحكام التي تناولت مسألة صرف الأجير تعسفياً، يبدو مهماً التوقّف عند مقاربة مجالس العمل التحكيمية لما إذا كان الصرف اتسم بالطابع التعسفي من جهة (أ-)، وللتعويض المتوجّب في هذه الحالة من جهة أخرى (ب-).
يتّضح بالنظر إلى عيّنة الدراسة، أنّ غرف مجالس العمل التحكيمية أقرّت بحق الأجراء في الحصول على تعويض عن الصرف التعسّفي في 66.5% من الحالات أي في 145 من الدعاوى الـ221 التي قدّمها الأجراء وتضمّنت هذا المطلب. وردّت هذا المطلب في 33.5% من الحالات أيّ في 74 منها، علماً أنّ سبب الردّ في 32 منها (أي ما يقارب 14.5% من مجموع دعاوى الصرف التعسّفي) تمثّل في انقضاء المهلة القانونية لتقديمها. يتّضح إذاً أن نسبة ردّ مطالب التعويض عن الصرف التعسّفي بسبب انقضاء هذه المهلة (وهي شهر من تاريخ إبلاغ الصرف وفق المادة 50 من قانون العمل) تبقى مرتفعة جداً. ولا نبالغ إذا قلنا أن هذه النسبة المرتفعة تطرح فرضية مفادها أن قصر المدة المذكورة يؤدي عملياً إلى حرمان عدد كبير من الأجراء من إمكانية المطالبة بتعويض عن الصرف التعسّفي. وهذا ما يوجب العمل على تعديل هذه المادة من قانون العمل.
الإشكالية التي تطرح هنا هي معرفة كيفية مقاربة مجالس العمل التحكيمية لطلب الأجراء بالتعويض من جراء فسخ العمل تعسفا. فما هي الشروط التي يفترضها الصرف التعسفي؟
وللسؤال أهميته. فبالإضافة إلى وضع المادة 50 فقرة (أ) مبدأ عدم التعسف في استعمال الحق كشرط ملازم لاستخدام حق الصرف في العقود غير محدّدة المدة، فنّدت الفقرة (د) من المادة عينها الحالات التي يعتبر فيها الصرف تعسفياً. كما منعت المادة 52 من صرف المرأة الحامل. من جهتها نظّمت الفقرة (و) من المادة الحالة التي يحق فيها لصاحب العمل إنهاء بعض أو كل عقود العمل إذا اقتضت ظروف اقتصادية (أو قوة قاهرة أو فنية) ذلك. كما فنّدت المادة 74 الحالات التي لرب العمل أن يفسخ العقد فيها دون ما تعويض أو إنذار للأجير.
من هنا تبرز التساؤلات الإضافية الآتية: كيف تراقب المجالس الحالات التي يعتبر فيها قانون العمل أن الصرف تعسفي أو غير جائز؟ وكيف تراقب المجالس الأسباب التي يتذرع بها صاحب العمل لتبربر الصرف؟
أ-1) أي تعريف للصرف التعسفي بحكم القضاء؟
من اللافت جداً في هذا الصدد ما جاء في حكم[4] صادر عن الغرفة الخامسة في مجلس العمل التحكيمي في بيروت برئاسة القاضية هيام خليل، التي فسّرت نيّة المشرّع الكامنة وراء وضع المادة 50/عمل التي تنظّم كيفية اللجوء إلى صرف الأجير بأن "لا شك في أن صرف الأجير من عمله يعتبر بالنسبة له القضاء على نشاطه وعلى مورد رزقه، خصوصاً عندما يكون الإقتصاد في البلاد يمرّ بأزمة عسيرة، ويكون الإلتحاق بعمل جديد صعباً إن لم يكن مستحيلاً أحياناً، لذلك عمد المشترع في الفقرة د بند 1 من المادة 50 من قانون العمل إلى الحدّ من حرية صاحب العمل في فسخ عقود عمل أجرائه غير المحددة المدّة وقيّد حريته في هذا المجال بضرورة أن يتم الصرف لسبب مقبول مشروع وجدي مرتبط بأهلية الأجير أو تصرفه داخل المؤسسة أو بحسن إدارة المؤسسة والعمل فيها، تحت طائلة إعتبار هذا الصرف من قبيل الإساءة أو التجاوز في إستعمال حق الفسخ".
وأبدت مجالس العمل في هذا الإطار حرصاً في مراقبة الإساءة في استعمال الحق بفسخ عقود العمل، خصوصاً من قبل أصحاب العمل، ورسم أطر محدّدة جداً لهذا الحق.
وقد استندت الغرفة الخامسة في مجلس العمل التحكيمي في بيروت برئاسة القاضية هيام خليل في حكم لها[5]في قضية تذرّع فيها صاحب العمل في كتاب الصرف "بسوء تصرف" الأجيرة، إلى "نموذج تقييم المراقبين لدى المدعى عليها (أي صاحب العمل) لعمل المدعية خلال الفترة الممتدة من شهر (...) لغاية شهر (...) أن درجة تقييمها حددت بنسبة 4%، مما يعني أن أداءها في العمل كان قوياً Strong Performance، الأمر الذي يستخلص منه المجلس قرينة على عدم صحة ما نسبته إليها المدعى عليها من مخالفات ارتكبتها في عملها".
من حيثيات الأحكام الصادرة عن الغرفة الأولى في مجلس العمل التحكيمي في بيروت، برئاسة القاضي أنطوان أبي نادر، نسجل أنها اعتبرت[6] أن عدم تبلّغ (الأجير) أي إنذار أو تنبيه طوال مدة عمله يؤسس لعدم ثبوت أية أخطاء يجعل الصرف "حاصلاً لسبب غير مقبول ومتسماً بالطابع التعسفي سنداً للفقرة (د)/ من المادة 50 عمل". وفي الإتجاه نفسه ذهبت الغرفة الرابعة في مجلس العمل التحكيمي في بيروت برئاسة القاضية جمال محمود في أحد أحكامها[7].
أما الغرفة الثانية في مجلس العمل التحكيمي في بيروت برئاسة القاضية وفاء مطر فبررت الحكم بالصرف التعسفي[8] ب "إن تغيب (الأجيرة) لتجديد إقامتها في دولة الإمارات العربية حيث مركز عمل زوجها ومحل إقامته بعد أن شارفت إقامتها على الإنتهاء، لا يشكل مبرراً لإنهاء عقد عملها سيما وأنها طلبت من الشركة الإذن بالسفر بموجب طلبين شرحت فيهما سبب اضطرارها للسفر مدة ستة أيام وقد رفضت الشركة طلبها دون مبرر".
وفي منحى لتعزيز الاستقرار الوظيفي، ذكّرت الغرفة الرابعة في مجلس العمل التحكيمي في بيروت برئاسة القاضية جمال محمود[9] بأنه "وعملاً بالإجتهاد المستقر لمجالس العمل التحكيمية، فإنه لا يجوز لرب العمل التذرع أثناء السير بالمحاكمة بأسباب غير تلك الواردة في كتاب الصرف، الأمر الذي يحصر النقاش في مدى قانونية السبب المدلى به لصرف المدعية".
كما اعتبرت الغرفة الخامسة في مجلس العمل التحكيمي في بيروت برئاسة القاضية هيام خليل[10] أن الإمكانية المنصوص عنها في عقد العمل لصاحب العمل "بفسخه لأي سبب كان بموجب إشعار خطي مرسل قبل ثلاثين يوماً، يبقى محكوماً بالضوابط التي وضعها المشترع في إطار المادة 50 من قانون العمل التي اشترطت أن يحصل الفسخ دون إساءة أو تجاوز في إستعمال حق الفسخ". بمعنى آخر، أوضحت الغرفة أن منح الحق بفسخ أو إنهاء حق العمل لأي من طرفي العقد، لا يمنع دور مجلس العمل التحكيمي الرقابي على كيفية استخدام هذا الحق، وهذا هو معنى المادة 50 من قانون العمل.
من جهة أخرى، يسجل حرص المجالس على اعتبار تغيير شروط جوهرية من عقد العمل من طرف واحد، بمثابة صرف تعسفي. فقد ذكّرت الغرفة الرابعة في مجلس العمل التحكيمي في بيروت برئاسة القاضية جمال محمود[11]باجتهاد المجلس المستمرّ الذي يعتبر رب العمل "(مسؤولاً) عن فسخ عقد عمل (الأجير) كونه لا يحق لرب العمل الإنفراد في تعديل شروط العقد دون موافقة الأجير الصريحة بذلك، هذا الفسخ المتّسم بالتعسف لتوافر أحكام المادة 50 /د/ عمل والمستوجب للتعويض".
الحرية النقابية
تنصّ المادة 50/عمل أن الصرف يعتبر من قبيل الإساءة أو التجاوز في استعمال الحق إذا تم "لانتساب العامل أو عدم انتسابه لنقابة مهنية معينة أو لقيامه بنشاط نقابي مشروع (...)" (فقرة د-2) أو "لممارسته حرياته الشخصية أو العامة ضمن نطاق القوانين المرعية الإجراء" (فقرة د-5).
وفي قضية أدلى فيها الأجير (وهو جابي كهرباء بمعاش شهري) أن صاحب العمل (وهو شركة جباية خاصة) صرفه من العمل تعسفيا دون إنذار ودون تسديد حقوقه لأنه رفض "التوقيع على تعهّد وضعه صاحب العمل يقضي بعدم الإشتراك في الإضرابات والإعتصامات التي يقوم بها المياومون بغية تثبيتهم في مؤسسة (كهرباء لبنان)" لأنها غير "مسؤولة عن مشاكل موظفي شركة كهرباء لبنان وإضراباتهم واعتصاماتهم لا يجب أن تؤثر على عملها". ورأت الغرفة الثانية في مجلس العمل التحكيمي في جبل لبنان برئاسة القاضية يولا سليلاتي [12] بعد البحث في بنود العقد الذي يربط صاحب العمل بالأجير أن صاحب العمل "ربط نفسه بمشاكل الموظفين مع مؤسسة شركة كهرباء لبنان" وبالتالي ردّ المجلس إدلاءاته في هذا الخصوص. وانتهى المجلس إلى اعتبار الصرف متسماً بالطابع التعسفي وفقاً لنص المادة 50 فقرة (د) بند 2 و5، وبالتالي وجوب التعويض عن هذا الصرف التعسفي بما يعادل 5 أشهر (...)".
صرف المرأة في فترة حملها
تنص المادة 52/عمل في فقرتيها 1 و2 على ما يلي: "لا يوجه الإنذار: (1) إلى المرأة الحامل. (2) إلى المرأة المجازة بداعي الولادة". وصدر قرار واحد عن مجلس العمل التحكيمي في بيروت بدعوى صرف أجيرة أثناء فترة حملها. تفصيلياً، طلبت أجيرة تمّ صرفها بعد سنتين ونصف تقريبا من بدء عقد العمل، إلزام صاحبة العمل بأن تدفع لها تعويض صرف تعسفي بحده الأقصى سنداً لأحكام المادة 50/عمل بعد اعتبار العقد مفسوخاً على مسؤوليتها، وببدل شهر إنذار وإلزامها بدفع أجورها المستحقة عن فترة حملها المتبقية. أجابت صاحبة العمل بوجوب رد الدعوى متذرعة ب"عدم حاجتها إلى أكثر من محاسب رئيسي، إضافة إلى أن الصرف أتى مبرراً لتوافر أحكام المادة 74 فقرة 4 عمل".
وقد انتهى مجلس العمل التحكيمي في بيروت (الغرفة الرابعة برئاسة القاضية جمال محمود) إلى اعتبار أن الصرف اتّسم بالطابع التعسّفي، وفيما منح المجلس العاملة الحدّ الأدنى من التعويض، أي ما يعادل راتب شهرين فقط عن الصرف التعسفي، عوّض في المقابل عن ذلك من خلال إلزام المدعى عليها بدفع أجورها المستحقة عن فترة حملها المتبقية (أي 6 أشهر) لأن صرفها أتى مخالفاً للأحكام المنصوص عنها في المادة 52 فقرة (1)/عمل التي حظّرت توجيه إنذار الصرف إلى المرأة الحامل مشددة على أن المدعى عليها كانت على علم بوضع المدعية عند توجيه كتاب الصرف لها.
ب-1) مقدار التعويضات
أما بخصوص مقدار التعويضات التي تم إقرارها، فإنه تبين لنا بعد مراجعة الأحكام ال145 التي أقرّت بالحق بالتعويض للأجير من جراء الصرف التعسفي أن متوسط هذه التعويضات التي أقرتها المجالس يبلغ بدل أجرة 6 أشهر. علماً أنه بلغ هذا المتوسط في بيروت بدل أجرة 6.2 شهراً فيما وصل إلى 5.4 شهراً في جبل لبنان[13].
العوامل المؤثرة على مقدار التعويض بحسب قاعدة البيانات
يخلص التدقيق في العيّنة إلى الأمور الآتية:
-
غلبة معيار الأقدمية في تحديد التعويضات، من دون أن يكون المعيار الوحيد المؤثر في هذا الخصوص. فإذا حسمنا الحالات التي لم نحصل فيها على معلومات وافية عن سنوات الأقدمية أو عدد الأشهر الذي احتسب التعويض على أساسها، يتحصّل أن 100 من أصل 131 أجيراً أي ما نسبته 76% من مجموع الحالات، حصلوا على تعويض يعادل أجر عدد أشهر يعادل عدد السنوات التي عملوا فيها أو ينقص أو يزيد عنه بسنة.
-
كما تفيدنا المقارنة بين جنس الأجير/ة ومقدار التعويض إنخفاض عدد الأشهر المقرّة للإناث مقابل الذكور، حيث بلغ متوسط التعويض الممنوح للإناث بدل 5.2 شهر عمل فيما بلغ متوسط التعويض الممنوح للذكور بدل 6.1 شهر عمل.
ب-2) معايير تحديد مقدار التعويض في تعليل المحكمة
أما بالنسبة للمعايير التي استندت إليها مجالس العمل التحكيمية في تعليل قيمة التعويض عن الصرف التعسّفي التي قضت به (وهي بحسب المادة 50/عمل نوع عمل العامل، وسنه، ومدة خدمته، ووضعه العائلي والصحي، ومقدار الضرر، ومدى الاساءة في استعمال الحق)، نتبيّن أن معيار "الأقدمية" هو الأكثر تكراراً في تعليل مجالس العمل لتحديد مقدار التعويض (71%).
كما نلحظ إستناد المحاكم على "مقدار الضرر" في 31 حكماً من أصل 145 (أي 21,4%). أما "مدى الإساءة في استعمال الحق" فقد ذكر في 62 حكماً من أصل 145 (42,7%) مما يدل على إهتمام المحاكم بهذا المعيار في دعاوى الصرف التعسفي، وإن لم تحدد الأحكام المذكورة صراحة ماهية الإساءة.
كما نلاحظ خلو 7 أحكام من أصل 145 (أي 4,8 %) من ذكر معيار تحديد مقدار التعويض، حيث عمدت المجالس إلى ذكر المادة 50/عمل دون أي تفصيل آخر.
ويقتضي التوضيح أن مجموع عدد الأحكام التي استندت فيها مجالس العمل إلى معيار من معايير تحديد مقدار التعويض أكبر من 145 إذ أن المحكمة قد تستند إلى عدّة معايير في حكم واحد.
يضع اجتهاد مجالس العمل التحكيمية عبء إثبات عدم أحقيّة طلبات الأجير على عاتق صاحب العمل الذي "بحوزته المستندات".
وتؤدي هذه القاعدة إلى نتائج حاسمة على الدعوى، إذ أنه وفي حالة اقتصار الأجير على طلب دفع مبلغ له كبدل الإجازة السنوية – دون تقديم ما يثبت عدم استفادته منها –، اعتبرت الغرفة الرابعة في مجلس العمل التحكيمي في بيروت برئاسة القاضية جمال محمود[14] أن عبء إثبات تسديد بدل هذه الإجازات يقع على عاتق صاحب العمل. وفي الاتجاه نفسه، ذهبت الغرفة الأولى في مجلس العمل التحكيمي في جبل لبنان برئاسة القاضية يولا سليلاتي[15].
إلا أن التعليل الأوفى في هذا المجال صدر عن الغرفة الخامسة في مجلس العمل التحكيمي في بيروت برئاسة القاضية هيام خليل التي اعتبرت في حكم لها[16]، "أن الواقعة السلبية قد تنطوي أحياناً على واقعة إيجابية أو تدلّ على واقعة إيجابية معاكسة، أو أنها تكون في أحيان أخرى مطلقة غير محدودة (...)، ففي الحالين الأولين يكون الدليل عليها ممكناً وسهلاً، أما في الحال الأخير فيكون صعباً إن لم يكن متعذراً بحيث ينقلب عبء الإثبات في هذه الحال على الطرف الآخر الذي يتعين عليه إثبات الواقعة الإجابية المعاكسة؛ يراجع بهذا الخصوص: RTD Civ. 1953, p.1 et s., La prevue d’un fait négatif, J, Larguier"، و"أنه لا يطلب من المدعي الذي يدلي بعدم استفادته من إجازته السنوية المستحقة عن السنتين الأخيرتين من عمله كاملة والذي يتناوله ادلاؤه واقعة سلبية أن يقوم بإثبات هذه الواقعة لعدم جواز إثباتها بحسب أحكام الفقرة 2 من المادة 132 أ.م.م."، لتنتهي إلى وضع عبء إثبات إستفادة الأجير من كامل إجازته السنوية المستحقة على عاتق صاحب العمل.
كذلك رأى المجلس في عدم جواب صاحب العمل ومن عدم حضوره جلسات المحاكمة رغم إبلاغه أصولاً قرينة على صحة مطالب الأجير (الغرفة الخامسة في مجلس العمل التحكيمي في بيروت برئاسة القاضية هيام خليل[17])، أو في قيامه بعرض تعويض على الأجير عن الصرف إعترافاً منه بحق الأخير بتعويض الصرف التعسفي (الغرفة الأولى في مجلس العمل التحكيمي في جبل لبنان برئاسة القاضية يولا سليلاتي[18])، أو في التناقض في أقواله دليلاً على أن الصرف أتى غير مبرّر وغير قانوني (الغرفة الأولى في مجلس العمل التحكيمي في جبل لبنان برئاسة القاضية يولا سليلاتي[19]).
ليس بالوطنية وحدها تحمى العمالة
[2] وتجدر الإشارة إلى أحكام صدرت في 2015 و2016 عن مجلس العمل التحكيمي في الشمال، تم الإشارة إليها في دراسة المفكرة القانونية سنة 2015 المذكورة أعلاه. وقد جاء في عدد من هذه الأحكام أن ثمة رابطا وثيقا بين حق الأجراء بالاستفادة من الضمان وكرامة الفرد مؤكدا أنه "حق انساني دستوري". فنقرأ "وحيث لا مجال للشك في أن عدم تسجيل الأجير أو التوقف عن نفعه من تقديمات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي سواء لناحية فرع المرض والأمومة او تعويض نهاية الخدمة يحول دون تمكينه من صون صحته وصحة من هم بعهدته عبر حجب أو الحد من إمكانية تأمين الطبابة والإستشفاء له أو توفير الحد الأدنى من معيشته في شيخوخته فيعرضه للمس بسلامته وفي كرامته الإنسانية. ويكون حقّهم (أي حق الأجراء) هذا غير قابل للتفاوض عليه من قبل العمال أو التنازل عنه أو الدخول في تسويات بديلة". كما ذكر مجلس العمل التحكيمي بالبديهيات التي تكاد تكون منسية ومفادها أن على الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي موجب البحث عن العمال غير المسجلين والعمل على تسجيلهم، وإفادتهم من فروعه. كما اعتبر أن "على الشركة (بصفتها صاحبة العمل) مسؤولية تسجيلهم أيضاً وتسديد بدلات اشتراكهم. وفي حال تمنعها يعود للضمان أن يسلك كل الطرق الإدارية التي يمكنه من خلالها إلزام الشركة بالتسديد، من دون أن يتمكن من الإمتناع عن تغطية ضمانات العمال. أنظر: إلهام برجس، عمال قاديشا يكسبون حقهم في الضمان الاجتماعي، مذكور أعلاه.
[5] قرار رقم 475/2018. ملاحظة: لقد صدّقت محكمة التمييز هذا القرار.
[6] قرار رقم 249/2018.(7)قرة (ر قد خالف منطوق الفقرة (ي سنداً للمادةاب حماية للأجير.موجبات والعقود.ء هو قضاية المعروضة عليهم.لى الأجراء في حال انطباق
[10] قرار رقم 475/2018. ملاحظة: لقد صدّقت محكمة التمييز هذا القرار.
[13] ولم نستطع الحصول على معلومات واضحة من الأحكام موضوع الدراسة بشأن سنوات الأقدمية أو عدد الأشهر التي احتسب التعويض على أساسها في 14 حكماً.
[14] قرار رقم 219/2018 و قرار رقم 344/2018 وقرار رقم 563/2018.