بتاريخ 31/4/2010 احال على مجلس الوزراء معالي وزير العمل الشيخ بطرس حرب ، مشروع تعديل قانون العمل اللبناني ، وقد رافق ذلك مجموعة كبيرة من التعليقات ، ونشر قسم منها في الصحافة ، وقبل اعطاء ملاحظاتي على ما ورد في الصحافة ، لا بد من التأكيد أولاً بأن الحركة النقابية قد وضعت برامجها منذ خمسينات القرن الماضي وطالبت بضرورة تعديل قانون العمل الصادر في 23/ايلول 1946 ، وعلى الرغم من انه تم في فترات سابقة تعديل بعض احكام قانون العمل وكان ابرزها عند بدء تطبيق قانون الضمان الاجتماعي ، الا ان كل تلك التعديلات بقيت قاصرة عن معالجة كافة مواد القانون كي تأتي منسجمة مع تطور العصر مع الاتفاقيات الدولية التي وقع عليها لبنان ، وقد جرت محاولات عديدة وشكلت لجان لتعديله ، وكان آخر لجنة شكلت سنة 2001 وتمثل فيها اصحاب العمل والعمال ، ووزارة العمل بالاضافة الى خبراء وقضاة ، وقد انهت اللجنة تلك التعديلات بالاكثرية وليس بالاجماع بتاريخ 24/ نيسان 2002 ، وبقيت هذه التعديلات في الادراج الى ان اعيد البحث فيها مجدداً بعد احالة معالي وزير العمل مشروع القانون الى مجلس الوزراء.
ولا بد لي من لفت النظر للقراء والمهتمين بقانون العمل بأنه كان لي انا شخصياً كوني كنت عضواً في اللجنة ملاحظات عديدة وسجلت اعتراضاتي في المحاضر التي رأيت من وجهة نظري ضرورة التدقيق فيها وعلى ان تكون منسجمة مع الاتفاقيات الدولية وبخاصة الاتفاقية رقم 87 المتعلقة بحرية انشاء النقابات وسأعرض في مقال آخر استكمالاً للنقاش هذه الملاحظات والتعديلات التي اراها ضرورية لادخالها على مشروع القانون (نشرت على الموقع الالكتروني المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين www.lebaneselw.com) ولكن في هذا المقال سأطرح جملة ملاحظات بعد ان استعرض ما ورد من تصاريح تتعلق بموضوع تعديل قانون العمل وأبدأ اولاً بما جاء على لسان وزير العمل وهيئة الاستشارات في وزارة العدل.
في تصريح لمعالي وزير العمل الى جريدة الاخبار بتاريخ 5/5/2010 جاء ما يلي:
"قانون العمل الذي سنطبقه قريباً جاء نتيجة لكل الاتفاقيات الدولية التي وافق عليها لبنان وهي في اطار منظمة العمل الدولية ، والتي تجعل من لبنان بمصاف الدول التي تحترم الاتفاقيات الدولية وتحترم حقوق العامل وصاحب العمل وتؤمن حقوق الطرفين وستجعل من لبنان اكثر الدول التزاماً بالاتفاقيات الدولية وصدور هذا القانون سيكشل حصانة كبيرة للعمال اللبنانيين والاجانب. "
مما لا شك فيه ان ما جاء في تصريح معالي وزير العمل فيه الكثير من الموضوعية وبأن اكثرية التعديلات تنقل قانون العمل الى مرحلة متقدمة جداً بالنسبة لما كان عليه القانون الصادر سنة 1946 ، الا ان ذلك ليس بكافياً لأن بعض النواقص الواردة في صلب المشروع يجب معالجتها في هذه المرحلة ، وسنتكلم عنها لاحقاً ، الا ان بعض التعديلات الجوهرية قد جرت لا نعرف من قبل من؟!
على ما سبق واقرته اللجنة في مشروعها سنة 2002 وبخاصة في المواد 130-131-135 ، وان الموقف الذي طرحه معالي وزير العمل في جريدة الاخبار بتاريخ 17 حزيران ايضاً يتبين بأن معاليه يتبنى هذه التعديلات فلذلك لا بد من مناقشة هذا الموضوع وبروح ايجابية ، وقد جاء بتصريح معالي الوزير ما يلي:
"بأن هناك العديد من النواقص ، مثل حق الموظفين في القطاع العام في انشاء النقابات" – ان النسخة الاولى للمشروع كانت تتضمن هذا الحق لآنني أؤمن به الى اقصى درجة لكنني ارتأيت ان أؤجله لآن الوقت لم يحن بعد في لبنان لانشاء نقابة للموظفين في الادارات ، اذ ستكون على شاكلة الواقع النقابي الحالي في ظل وجود فريق لبناني يمتلك السلام خارج الشرعية وفي ظل حركة نقابية مفتته"
كما جاء في التصريح ايضاً عدد من الاشارات الهامة والايجابية بالنسبة لمجالس العمل التحكيمية وضمان الشيخوخة وغيرها ... الخ
اولاً : لا بد من لفت نظر معاليه بأن من اوصل الحركة النقابية الى هذا الوضع هم وزراء العمل الذين تناوبوا على الوزارة منذ اتفاق الطائف و مجئ الوزير عبدالله الامين الى وزارة العمل الذي قال في حينه بعد ان عرض مشروع الهيكلية النقابية الذي تقدم به ويتضمن 96 مادة من اصل 36 مادة تسمح لوزارة العمل التدخل في الشؤون الداخلية للحركة النقابية ، وطبعاً الاتحاد العام والحركة النقابية رفضت مشروعه وتقدمت بمشروع آخر للهيكلية النقابية قائماً على 18 اتحاد نقابي قطاعي.
وقد قال الوزير الامين في محاضرة بدعوة من اتحاد موظفي المصارف في مركز ادارة الجامعة اللبنانية "بأنكم (اي النقابات) اذا لم تقبلوا بما اقترحه عليكم من هيكلية نقابية سوف ارخص لنقابات واتحادات لكافة الاحزاب" وهذا ما جرى على يده وعلى يد غيره من الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة العمل حيث كان عدد الاتحادات 22 اتحاد والنقابات 225 نقابة بينما اصبح الان 52 اتحاد و 660 نقابة.
ثانياً: لا بد من تسليط الضوء على بعض التعديلات الجوهرية التي ادخلت او حزفت من المواد 130-131-135 واتت مخالفة لما اقرته اللجنة سنة 2002 حيث حذف من المادة "131" الفقرة الثالثة التي تلحظ حق موظفي الدولة من انشاء نقابات لهم. اما في المادة "130" قد حذف منها التصنيف السابع وجاءت على الشكل التالي:
تصنف النقابات الى ست فئات كبيرة:
- النقابات الصناعية
- النقابات التجارية
- النقابات الزراعية
- النقابات الحرفية والمهنية
- نقابات القطاعات الخدماتية
- النقابات العمالية في المؤسسات العامة الاقتصادية والاستثمارية وفي البلديات .
وحذف من هذه المادة الفئة السابعة كما اقرتها اللجنة الثلاثية سنة 2002 والتي كانت تصنف النقابات بسبع فئات كبيرة والنص الذي حذف :
- نقابات الموظفين في الادارات العامة باستثناء القوات العسكرية والامنية والقضاة.
علماً بأن النص في الاسباب الموجبه الذي احيل الى مجلس الوزراء في الصفحة التاسعة كان كما يلي:
- الحق لموظفي الادارات العامة باستثناء القوى العسكرية والقضاة بتأسيس نقابات واتحادات.
لماذا هذا التناقض بين الاسباب الموجبة ونص التعديل الذي احيل الى مجلس الوزراء.
ولمصلحة من اجري هذا التعديل: وهل يجب ان يحرم موظفو الدولة من حقهم في التنظيم النقابي بحيث تكون النقابات مرجعيتهم بالدفاع عن حقوقهم ومطالبهم ، وهل المقصود ابقاء الموظفين رهينة القوى السياسية والطائفية للدفاع عنهم وتكون مرجعيتهم ، وهل التنظيم النقابي لموظفي الدولة اخطر من ادخال الميليشيات الى المؤسسة العسكرية والكثير الكثير من موظفي الدولة هم اعضاء في الاحزاب .... الخ
كما ان هذا التعديل بتعارض كلياً مع الاتفاقيات الدولية.
ام ما جاء من اضافة على المادة 135 ما يلي :
ترخص النقابة بقرار يصدر عن وزير العمل بعد استطلاع رأي وزارة الداخلية والبلديات بشأنها ويتخذ بعد ذلك قراره بالرفض او القبول بناءً على اقتراح المدير العام.
ان اضافة "بعد استطلاع رأي وزارة الداخلية والبلديات بشأنها" لم تكن واردة في اقتراح لجنة تعديل قانون العمل ، وان اضافة ذلك على المادة 135 يعيدنا الى سنة 1946 عند صدور قانون العمل ، فما الداعي لهذه الاضافة ؟؟!! علماً بأن الحركة النقابية متمسكة بتطبيق الاتفاقية 87 الدولية والمتعلقة بحرية انشاء النقابات دون تدخل من السلطات السياسية.
ومن خلال متابعتي لموضوع التعديلات المتعلق منها بموظفي الدولة تبين ان هذا التعديل استند الى رأي هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل فما هو رأي هذه الهيئة؟!
فقد جاء في كتاب هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل تحت رقم الاساس 22إ / 2005 رقم الاستشارة 54/2005 وفي الصفحة الثانية ما يلي:
ثانياً : في ما يتعلق بمشروع القانون الذي اعدته وزارة العمل .
" حيث ان الهيئة وبعد اطلاعها على مشروع القانون الذي اعدته وزارة العمل وعلى اسبابه الموجبة وعلى جدول المقارنه المرفق به ، المتضمن النص الحالي والنص المقترح تعديله، مع ما يقابل كل نص من احكام اتفاقيات العمل الدولية والعربية التي صدق عليها لبنان او انضم اليها ، ناهيك عن السبب الموجب لكل تعديل على حدة.
واذ تسارع الى الثناء – صراحة – على حسن وجودة وجدية مشروع القانون المعروض على استشارتها ، في زمن ندر فيه ان يصدر عن الهيئة فعلاً هذاالثناء.
واذ تسارع الى القول بصلاح مشروع القانون للسير به امام السلطات الدستورية المختصة.
نرى ابداء الملاحظات التالية :
يتيح المادة 130 من المشروع ، تأسيس نقابات للموظفين في الادارات العامة ، باستثناء القوات العسكرية والامنية والقضاء والمادة 131 للموظفين العموميين تأسيس النقابات والانتساب اليها ، في ما تقول المادة 132 ان غاية النقابة هي العمل على حماية المهنة.
ترى الهيئة :
من نحو أول :
ان اباحة تأسيس نقابات ينتسب اليها الموظفون العموميون ، مكانه قانون الوظيفة العامة.
من نحو ثاني:
ان الوقت لم ينضج بعد – بنظر هذه الهيئة – لاطلاق الحرية النقابية في الوظيفة العامة.
من نحو ثالث:
انه ولما كانت النقابة هي العمل على حماية المهنة ولما كان لا يتصور ان تكون الوظيفة العامة مهنة (1) يصبح مشروعاً التساؤل عن مدى ملائمة – فعلاً – اباحة تأسيس نقابات عمالية في الوظيفة العامة.
(1) يراجع المعجم القانون الفرنسي – العربي للبروفسور ابراهيم نجار ورفاقه ، حيث ورد في (ص 140) التعريف والتعريف التالي لعبارة “Fonction publique” "وظيفة عامة" مجموعة من الاختصاصات يتولاها الموظف لصالح المرفق العام ويعهد بها اليه.......
انه لمن المستغرب ان تكون هيئة التشريع والاستشارات قد قرأت كلمتين فقط من نص المادة 132 وهي "غاية النقابة هي العمل على حماية المهنة " واسقطت باقي ما جاء في المادة و التي تنص على ما يلي:
"المادة 132 – غاية النقابة هي العمل على حماية المهنة وتوحيد جهود العاملين فيها ورعاية مصالحهم والدفاع عن حقوقهم ورفع مستوى وعيهم المهني والنقابي وتطوير قدراتهم الانتاجية وتحسين اوضاعهم من النواحي الاقتصادية والاجتماعية ، وتقديم المقترحات للسلطات العامة في رسم السياسة الاقتصادية والاجتماعية وارساء قواعد العدالة الاجتماعية.
ليس للنقابة اية صفة سياسية ويحظر عليها القيام بأي نشاط يمس بالوحدة الوطنية" .
فمن هنا نؤكد لمعالي وزير العمل الذي اقدم على سحب مشروع تعديل قانون العمل "جريدة الاخبار 14/7/2010" لانه " يحتوى على ثغر"
"وان لجنة فنية تجرى حالياً تعديلات اضافية " فمن الضروري اشراك الحركة النقابية في هذه اللجنة الفنية والاخذ بالاقتراحات والتعديلات التي طرحت ومنها ما طرح من قبل منظمة العمل الدولية.