كانت الحكومات الماضية خلال عمليّة التشكيل تشهد تهافتاً من المستوزرين والأفرقاء السياسيين على وزارة الطاقة كونها "منجم ذهب"، نظراً لتشعب مهامها من الكهرباء إلى المياه والنفط بعد أنْ كان هناك تعويل على التنقيب. أمّا اليوم وفي ما يتعلّق بحقيبة "الطاقة"، فإنّ الموضوع انعكس تماماً خلال عمليّة تشكيل الحكومة حيثُ تهرّب كل فريق من تسلّمها تجنّباً للتراكمات من الديون والفساد داخلها، ولكن إلى أيّ مدى ستُشكّل هذه الوزارة رافعة أو خافضة للفريق الذي تسلّمها؟
الخبيرة القانونيّة في شؤون الطاقة المحامية كريستينا أبي حيدر تشير لـ"نداء الوطن"، إلى أنّه في حقبة تشكيل الحكومة، لوحظ "أنّ القوى السياسيّة تقاذفت مهمّة استلام وزارة الطاقة، حيث اعتبر الجميع أنّ عمر هذه الوزارة سيكون قصيراً ولن يسمح لهم بالتالي بالقيام بإنجازات، إلّا أنّ هذا الأمر غير صحيح لأن موضوع الكهرباء أساسي وحيوي، فلا يُمكننا التحدّث عن عهد جديد ونهوض اقتصادي إذا لم نحلّ مسألة الكهرباء لأنها مؤشر أساسي إلى تطوّر البلد ونموّ اقتصاده وازدهاره، لما لها من تأثير مباشر على القطاعات الأخرى كالصناعة والسياحة وغيرها. وينتظر اللبنانيون من العهد الجديد إنجازاً في موضوع الكهرباء لأن المسألة لا تعود إلى سنة أو سنتيْن وإنما مشكلة سنوات وتراكم من الهدر والفساد وإغراق الدولة بعجز. وبالتالي العهد أمام تحدٍ جديد، لأن النجاح في تأمين الكهرباء يعتبر نجاحاً للعهد".
الخطوات المطلوبة
تُوضح أبي حيدر أنّ "الخطوات المطلوبة من الوزير الجديد، حتى لو كانت فترة حكمه قصيرة، ليس وضع خُطط واستراتيجيّات لأنها لا تُفيد، ولا تنفيذ مشاريع بناء معامل جديدة لأننا لسنا بحاجة إليها اليوم، بل المطلوب منه تطبيق ما لم يتمّ تطبيقه في كل هذه السنوات السابقة، وأن يضع هذا القطاع على مسار إصلاحي حقيقي، وأن تكون لديه منذ البداية النيّة السياسيّة بأن يتوافق مع الجميع حول هذا الأمر وإلّا فلن نتمكّن من إنجاز أيّ خطوة نحو الأمام في مجال الكهرباء، لأننا دوماً نقول إن مشكلة الكهرباء ليست تقنية بحتة وإنما سياسيّة، غياب الإرادة السياسيّة له انعكاس على عدم وجود الكهرباء. لذلك على الوزير المقبل عدم وضع خطط، فليس المطلوب كلّما وصل وزير جديد أن يضع خُططاً جديدة ويُعدّل الخطط السابقة، كل هذا لا يُفيد، بل المطلوب تطبيق القانون 462 المنظم لقطاع الكهرباء والذي يعود للعام 2002، وتعيين هيئة ناظمة لقطاع الكهرباء وفق الاختصاص والكفاءة وليس وفق محاصصة طائفية أو سياسية. وعندما يُعيّن أعضاء الهيئة الناظمة يطبّق هذا القانون الموضوع في الأدراج منذ أن صوّت عليه النواب عام 2002، ولم يُطبَّق حتى تاريخه".
أهميّة تطبيق القانون
وفق أبي حيدر، تكمن "أهميّة هذا القانون في أمريْن: الأول في حال تمّ تعيين أعضاء كفوئين، نُبعِد السياسة عن قطاع الكهرباء وتدخّل سلطات الوصاية ومجلس الوزراء فيها، والثاني نكسر احتكار مؤسسة كهرباء لبنان، وهذا جدّ مطلوب اليوم لأننا أمام مؤسسة عاجزة ماليّاً وإداريّاً وتطويرياً، ولا تملك الكفاءات البشرية من الناحية التقنية وتفتقد للتطور التكنولوجي وللإمكانات الماليّة، لهذا من الضروري كسر احتكار مؤسسة كهرباء لبنان في الإنتاج والتوزيع وإشراك القطاع الخاص فيهما وترك النقل مع شركة عامّة، لأننا نحتاج إلى ديناميكيّة القطاع الخاص. وبذلك نكون قد بدأنا نضع الملف على السكة الصحيحة".
و"عند تعيين هيئة ناظمة نُطبّق فوراً قانون الطاقة المتجددة الموزّعة الذي أُقِرّ عام 2023، الذي يحفِّز قطاع الطاقة المتجدّدة، ويشرك القطاع الخاص ويسمح للأفراد بإنتاج وبيع الطاقة المتجددة، وللبلديات واتحادات وتجمّع البلديات بإنشاء حقول شمسية، فلا يلجأ كل مواطن إلى تركيب نظام طاقة شمسيّة خاصّ به. ونحفز بذلك قطاع الطاقة المتجددة بطريقة مقوننة وليس فردية وعشوائية وغير منتظمة ومشوّهة للبيئة والنظر. لكن منذ العام 2002 لم يتمّ تعيين الهيئة الناظمة لأنّ لا نيّة سياسية"، وفق ما تلفت أبي حيدر.
"حقيقة رفع ساعات التغذية"
وعن ساعات التغذية المرتفعة مؤخراً تُجيب: "وزير الطاقة السابق وليد فياض يحاول تأمين ساعات تغذية طويلة كي يقول المواطنون بعد خروجه من الوزارة إنه قام بإنجاز وحسّن التغذية الكهربائية. ما يحصل أنّ لبنان ما زال يعتمد على مصدر واحد من الفيول وهو الفيول العراقي، ويستنفد كل هذه الكميات، لكن لا ننسى أننا في الوقت عينه لا ندفع المتوجّبات المالية التي تتراكم بذمتنا، وبالتالي المطلوب من الوزير المقبل أنْ يجدول هذه المدفوعات، لأن أي تأخير لأي شحنة عراقية نعود إلى العتمة لأن لبنان ليس لديه أي مصدر آخر".
وتُشير أبي حيدر إلى أنّه "في تموز عندما كانت العتمة ستعمّ مطار بيروت، لم يستخدموا الفيول لتشغيل المعامل، بينما قبيل تشكيل الحكومة، يشغّلون المعامل، لهذا زاد الإنتاج. لكنها مسألة وقت أي أسابيع أو أشهر سيُستَنزَف هذا المخزون، إلى أين نتجّه؟ لهذا المطلوب من الوزير الجديد أنْ يبحث عند استلامه الوزارة عن مصادر متعدّدة للطاقة، أي أن يجري محادثات مع العراق من أجل بحث قوننة المدفوعات لأنّها تحتاج إلى إطار قانوني، لأن مصرف لبنان رفض الدفع وطالب بقانون. من المهم الإطلاع على المدفوعات وجدولتها كي لا تتوقف الشحنات العراقية. نسمع عن تجديد العقد مراراً وتكراراً، لكن هل أخذ طريقه القانوني؟ العقد الأول فقط أخذ إطاراً قانونياً في مجلس النواب، أمّا العقود الباقية فلا، وبالتالي المطلوب من الوزير الجديد إجراء مباحثات جدية مع العراق، وأن يبحث في الوقت نفسه عن مصادر أخرى للطاقة مع دول كالجزائر ويطلب مباحثات الكهرباء مع الأردن واستجرار الغاز من مصر، لأنه كلما تعدّدت مصادر الطاقة يصبح أمننا الطاقوي أضمن، ولا نقلق في حال تأخرت شحنة معينة، لأن لدينا بديلاً ومصدراً آخر من الفيول أو الغاز".
وتضيف: "كما المطلوب تخفيف الهدر التقني والفني وغير الفني، وتأمين استثمارات لصيانة الشبكة، وتخفيف التعرفة. كما من غير المقبول أن يدفع مواطنون فواتير فيما آخرون لا يدفعون. لهذا يجب إعادة النظر بتعرفة "كهرباء لبنان" التي تعتبر مرتفعة جداً وتركيب عدّادات ذكية على كافة الأراضي اللبنانية، ومن لا يدفع تقطع الكهرباء عنه، وإيجاد حلّ للمخيمات الفلسطينية والسورية، فمن غير الجائز أنْ يستمرّ لبنان في دفع فاتورة عمّن لا يدفع، وإيجاد حلّ أيضاً للوزارات والمؤسسات التي لا تدفع".
"استئناف عمل توتال"
وتشير أبي حيدر إلى أنّه "منذ استلام رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون الرئاسة، حصل أمران جيدان: أولاً عندما طلب من رئيس الجمهورية الفرنسي إيمانويل ماكرون عندما زار لبنان أن تستأنف شركة "توتال" نشاطها الاستكشافي في البلوك رقم 9، وهذا أمر مهم جداً. ومؤخرّاً رأينا مع وزير خارجية قطر طلب الرئيس عون - وقطر شريك في هذا الإئتلاف الذي تترّأسه توتال - تحدّث عن موضوع النفط والغاز والكهرباء. وهذا يذكرنا بالعرض القطري ولم نرَ بعدها أي أمر جدّي في المسألة. اليوم يظهر أنّ هناك أمراً جديّاً في هذا الموضوع، وبالتالي على الحكومة الجديدة أنْ تتلقف الأمر. لهذا نقول أنّ كلما تعدّدت مصادر الطاقة أكان مع قطر أو دول الخليج أو مصر أو الأردن... كلما حقّقنا استدامة في أمن الطاقة".
"موضوع النفط والغاز"
في موضوع النفط والغاز، تلفت أبي حيدر إلى أنّه "صحيح أنّ لبنان متأخرّ في هذا المجال لكن أيّ استكشاف تجاري يُمكنه أنْ ينتشل لبنان من التصنيف، حتى لو لم يجنِ أموالاً بطريقة سريعة، ويحسّن تصنيفه وسمعته المالية والاقتصادية، ولذلك المطلوب من الوزير الجديد والحكومة فور استلام السلطة، التفاوض مجدّداً مع "توتال" التي لم تسلّم حتى اليوم تقريرها بالنسبة للبلوكين 4 و9، وحثّها على إنشاء بئر أخرى في البلوك رقم 9 لأنها تحت سيطرتها. كما المطلوب تمديد مدة التراخيص، لأنّ دورة التراخيص الثالثة تنتهي في آذار المقبل. إذا بقينا من دون حكومة لن تتقدم أي شركة، لهذا المطلوب تمديد المهلة إفساحاً في المجال أمام الشركات المحترمة للتقديم على البلوكات التسعة المتبقية. كل البلوكات مفتوحة ما عدا البلوك رقم 9".
ضرورة تعيين هيئة إدارة البترول
وتختم أبي حيدر: "كما يجب تعيين هيئة إدارة البترول المُنتهيّة الصلاحيّة منذ أكثر من سنتيْن، وتعيين أعضاء جُدد كفوئين، بالإضافة إلى إصدار القانون البري وإعادة المناقشة حول التنقيب في البرّ، حيث نجد أنّ سوريا تقوم بالتنقيب في البرّ وليس في البحر، وتقوم باستكشافات نفطيّة برية، ولبنان على الخطّ الجغرافي نفسه يعني أنّه لدينا احتمالات مشابهة. فلماذا لا نقوم بالأمر نفسه، لكننا نحتاج إلى الإطار القانوني غير المتوفر حاليّاً، وبالتالي المطلوب إقرار القانون البري. كذلك المطلوب إعادة النظر في قانون الصندوق السيادي الذي أقِرّ لكنه غير مكتمل، وذلك من أجل وضع هذا القطاع أيضاً على السكة الصحيحة لأنه مهمّ جدّاً".