في ظل حالة فقدان الثقة التي أشاعها العدوان الإسرائيلي بشبكة الاتصالات اللبنانية، تناقل عدد من ناشطي وسائل التواصل الاجتماعي ومستخدمي الموبايل خلال الساعات الأخيرة أسماء شبكة اتصال مرمزة بالأرقام ظهرت إلى جانب اسمي الشركتين المشغلتين "ألفا" و"تاتش" على أنها محاولة خرق جديدة لشبكة الاتصال النقالة.
اسم الشبكة المرمزة كما ظهرت في عملية مسح هو 41505، تبيّن أنها مرتبطة بشبكة بث لاسلكي تستخدمها أوجيرو. ولطمأنة المواطنين، أعادت "أوجيرو" نشر توضيح صادر عن منظمة "سمكس" التي تعنى بالحقوق الرقمية. وقد نقلت المنظمة عن خبير الاتصالات وسيم منصور أن "أوجيرو" تمتلك رموزاً مسجلة لدى الاتحاد الدولي لشبكات الاتصالات ITU، منها شبكة الموبايل المنوي تأسيسها في المستقبل ضمن مشروع ليبان تيليكوم، والشبكة الهوائية لتغطية الشبكات الأرضية للإنترنت الثابت. لتخرج بعد ذلك وزارة الاتصالات ببيان طمأنت من خلاله مستخدمي الاتصالات الخليوية بأن الرموز التي قد تظهر على شاشات هواتفهم الخليوية إلى جانب اسمي شبكتي "تاتش" و"ألفا" لا تدعو للقلق. ذلك أن كل من رمز 41505 ورمز 41508 يعودان إلى شبكات معروفة في لبنان، بينما رمز 28030 الذي قد يظهر على شاشة الهاتف من حين إلى آخر يعود إلى شبكة خاصة قبرصية لا يمكن الولوج إليها.
مناورة تكنولوجية
استوضحت "المدن" من مدير عام هيئة أوجيرو عماد كريدية تفاصيل مسألة الرموز ليتبيّن أن ما حصل كان توفيراً للخدمة بتكنولوجيا مختلفة، ومن واجبات الهيئة أن تستخدم كل ما يتوفر لها من تقنيات، بحسب كريدية.
وأوضح كريدية أن الهيئة لجأت إلى مناورة عبر تكنولوجيا فاعلة منذ سنة 2018، عبر ما يعرف بـ "FIXED WIRELESS ACCESS" الذي يعتمد نظام GSM، وهو نظام عالمي للاتصالات المتنقلة. علماً أن هذه التقنية جرى استخدامها منذ سنة 2017 كبديل عن تقنية قديمة تعرف بـ "WLL WIRELESS LOCAL LOOP" التي اعتمدت في التسعينيات إثر تعذر مد كوابل نحاسية لإيصال خدمة الإنترنت والصوت في مناطق بأعالي كسروان وعكار.
وأوضح كريدية أن عدد المرتبطين بهذه الشبكة لا يتعدى الأربعين ألف مشترك، مؤكداً في المقابل تعذر اعتمادها في بيروت حيث المتطلبات كبيرة، حتى لو كان لدينا موقع اختباري (SITE TEST) في بئر حسن ويبث إشارات. ليجزم "بأننا لسنا في طور استحداث شبكة نقالة حالياً، وحتى لو كنا نتمنى ذلك."
خطة الطوارئ
أتت الخضة الجديدة في قطاع الاتصالات في ظل هواجس متراكمة لدى المواطنين أيضاً من انقطاع "الإنترنت" الذي يشكل عنصر التواصل الأساسي بين الناس في مختلف المناطق، ولذلك سألنا كريدية عن خطة الطوارئ الموضوعة من قبل أوجيرو والتي أعلن وزير الاتصالات أنها باتت جاهزة. فشرح كريدية "أن الخطة تتعاطى مع سيناريو كارثي نأمل ألا نصل إليه". وقال "هذه خطة تعتبر من الأمن القومي، وأولويتها تأمين إمكانية اتصال الأجهزة الرسمية -من الأمن، المستشفيات، الدفاع المدني، والوزارات- ببقية العالم."
ولكن ماذا عن معاناة الناس، وخصوصاً في المناطق المصنّفة خطرة في الجنوب اللبناني، والذين نقلت صرختهم حول ضعف إمكانيات التواصل من خلال زملاء صحافيين شكوا الأمر في الأسبوع الماضي؟ قال كريدية "بالتأكيد سنسمع شكاوى كثيرة لأننا في حالة حرب، واليوم هناك أكثر من 22 "سنترال" في منطقة الجنوب توقفت كلياً عن الخدمة، لأن أوجيرو لا تحصل على موافقة أمنية لتغذية السنترالات بمادة المازوت." علماً أن مجموع السنترالات المتوقفة هي من بين 400 سنترال في منطقة الجنوب، وهي تغطي 2.2 في المئة من المشتركين.
وتوقف كريدية عند صرخة أهالي بلدة رميش تحديداً. فهي تعتمد على سنترال بنت جبيل للحصول على خدمات الاتصالات، إلا أن هذا السنترال متوقف عن العمل بسبب نقص مادة المازوت. وقال: "الأهالي في رميش يناشدون المساعدة، وأنا جاهز لتقديم الدعم، لكن يجب تأمين وصول الفرق الفنية بأمان إلى بنت جبيل. لا توجد حلول أخرى متاحة في الوقت الراهن. لبناء شبكة جديدة، سنحتاج إلى وقت، والناس لا يدركون الظروف الصعبة التي نعمل بها".
وقال كريدية "نحن فنيون وعلى استعداد لمعالجة الأعطال، وصهاريج المازوت جاهزة وتنتظر في صيدا حتى تتوجه إلى سنترالات الجنوب، ولكن من يؤمن التغطية إذا كان الجيش يرفض واليونيفيل لا تعطينا الإذن لدخول المناطق الخطرة، والعدو الإسرائيلي غدار ولا يرحم حتى الصليب الأحمر والدفاع المدني". وأشار كريدية "إلى أنه لا يريد أن يضحي لا بموظفي أوجيرو ولا بعناصر الجيش كي يشغل سنترالات في مناطق لم يعد سكانها بالأساس مقيمين فيها". وإذ لفت إلى أنهم بالأمس أخذوا مخاطرة كبيرة وأرسلوا فريقاً إلى مرجعيون، قال "لا يجوز أن نعرض حياة الناس للخطر." وبالتالي نصح "الصحافيين باللجوء إلى تقنيات مختلفة مثل ثريا وغيرها مما هو متوفر لتأمين الاتصالات عبر الأقمار الصناعية."
عراقيل متواصلة
ووصف كريدية واقع الاتصالات في ظل صعوبة الظرف القائم بأنه 8 من 10. وقال: "إن شاء الله نبقى قادرين على الحفاظ على هذا الأمر". مشيراً إلى أنه في المناطق البعيدة عن العدوان الشبكة فاعلة بشكل جيد، وإذا أفصحنا عن عدد الساعات التي يشاهد فيها الناس "نتفليكس" و"يوتيوب" قد لا نصدق أننا في حالة حرب. إنما المشكلة موجودة بالمناطق التي تعاني من العدوان.
وتحدث عن عراقيل متواصلة، وخصوصاً في منطقة بيروت، شارحاً "أن لدى الهيئة سنترالين في إحدى مناطق الضاحية التي تعرضت لغارة، ولم نتمكن من الوصول إليهما لتفقد الشبكة، علماً أنه حتى لو كان السنترال شغالاً إذا لم تكن هناك شبكة تنقل الخدمة لبيوت الناس، سينقطع تواصلها".
ورأى كريدية أن "مشكلتنا في هذا الظرف أن هناك ناس تعتقد أنها تعيش في موناكو، فيما البلد في حالة حرب ودمار. بينما خطة الطوارئ تعني أن يكون هناك إمكانية التواصل بين نقطة ألف ونقطة باء. وإذا كانت هناك شبكة نحاسية في منطقة الجنوب قد دمرت، فأي خطة طوارئ سنضع". وأضاف "خطة الطوارئ لا تعني تأمين الاتصال لكل الناس كل الوقت، إذ أننا نؤمن حاجاتنا من الخارج بكمية 1200 جيغابايت من الإنترنت، وليس لدينا أي تكنولوجيا بديلة عن الكوابل يمكن أن تنقل هذا الكم من البيانات. بينما إذا ضربت الكوابل لن توفر الأقمار الصناعية أكثر من خمسة جيغابايت من أصل 1200."
وقال كريدية "أنا مستاء من الوضع لكن لا حلول أخرى لدي". داعياً "إلى النظر لما حصل في غزة التي اختفت شبكتها عن وجه الأرض، ويستخدم الصحافيون الشبكة الإسرائيلية التي لا تزال تغذي المنطقة المحاذية لغزة."