نظرة ثانية في سياسة الرعاية الاجتماعية على ضوء الازمات السياسية والاقتصادية - المجلة الدبلوماسية - بقلم د. هيام جورج ملاط

 - Jan 31, 2019



 يتعايش لبنان اليوم واللبنانيين على مختلف انتمائهم مع التحدي السياسي والأمني الذي يشكل مرحلة مفصلية لمستقبل السياسة في منطقة الشرق الأوسط. ولكن لا بدّ من الإقرار أيضا إن ضراوة هذه المرحلة لا يمكن ان تشجب جدّية التحديات الاقتصادية والاجتماعية المطروحة حالياً والتي يقتضي إلقاء نظرة ثانية عليها نظراً لما يمكن ان تفرضه المرحلة القادمة من معالجات وتبدلات في الرؤية والممارسة المؤسساتية الاقتصادية والاجتماعية علماً إن سياسة الرعاية الاجتماعية القائمة على أنظمة محددة كالضمان الاجتماعي قد أثبتت فعاليتها وقدرتها على استيعاب الضربة الاقتصادية والمالية عند تلكؤ أو إنهيار المؤسسات والشركات بتأمين خط ائتماني ثابت للعمال والمواطنين لمرحلة محدودة ولغاية تجاوز شدّة الأزمة الاقتصادية. لذلك لا بدّ من إجراء مراجعة منهجية للواقع واستشراف للمستقبل للتلازم القائم بين الواقع الاقتصادي والمالي والسياسة الاجتماعية المعتمدة ومستلزمات التطور والتعديل

 

التحولات الاقتصادية العالمية

عرف الجيل الذي نهض بعد الحرب العالمية الثانية تطورات اقتصادية واجتماعية وسياسية تلاحقت وتزامنت وتفاعلت وتضاربت في بعض الأحيان وفقاً للظروف لأسباب عائدة للتطورات التقنية التي أجازت نقل المعلومات بصورة فورية من منطقة الحدث إلى سائر مناطق العالم وانتقال الأشخاص وتكثيف التفاعل الثقافي والحضاري. ولكن استقر هذا العالم لغاية العقد الأخير من القرن العشرين بصورة عامة على أسس أنماط الاقتصاد السياسي القائم على استقرار العملات والاهتمام بمعايير الإنتاج وتأمين النسبة الأعلى للعمالة. فالاقتصاد السياسي المستقر والانفتاح المتزايد للدول على بعضها أفسحا في المجال لسياسات عامة أو جزئية تجسدت في قطاعات متعددة من الحياة الاقتصادية والاجتماعية مع إقرار لحقوق اجتماعية ومالية للمواطنين أصبحت مكتسبة بعد حين والتزام الدول بمهمة الرعاية الاجتماعية.

 أما ثورة الثمانينات التي ترسخت في فترة التسعينات مع انتهاء الحرب الباردة ونشأة أحلام النظام العالمي الجديد، فما لبثت ان عرفت تحولات جذرية لجهة فلسفة أنظمة الرعاية الاجتماعية القائمة وتقنياتها، وفقاً للمسالك الاستخلاصية التالية:

1-    الانتقال من الاقتصاد السياسي إلى الاقتصاد المالي العالمي الذي لا يزال قائماً على أسس تفاعلات سلبية أو إيجابية مستمرة وفقاً للظروف بين مختلف المراكز المالية العالمية.

2-    تمركز رؤوس الأموال في مناطق جذب محددة هي البورصات العالمية (نيويورك، طوكيو، هونغ كونغ، باريس، لندن،...) مما أدى إلى نقل كتلات مالية طائلة من دول ناهضة إلى الدول هذه التي تتمتع بأنظمة سياسية وقانونية ثابتة.

3-    انفجار أزمات مالية واجتماعية واقتصادية حادة ابتداء من عام 1994 تمثلت بانهيار بورصات عالمية وأنظمة مالية لمجموعة دول كما حصل في دول شرقي آسيا عام 1998 وصراعات عنيفة مع تجاذبات سياسية متقدمة بين مناصري ومناهضي العولمة - والإشكاليات المالية والاقتصادية الحاصلة منذ عام 2008 وما تزال.

4-    فتح أوتسترادات الإعلام والاستعلام وجميع وسائل نقل المعلومات بصورة سريعة وفورية وخزن المعلومات إلى اللانهاية وتأمين مجال التواصل المستمر بين الدول والمواطنين.

 

فالاقتصاد المالي مع مختلف مظاهر التقنيات الحديثة جعل من العالم وحدة في تقبل الانعكاسات الإيجابية والسلبية لأية تطورات بارزة وخاصة في مجال السياسة الاقتصادية والاجتماعية وقطاعي العمل والتأمينات الاجتماعية. فبقدر ما تكون المجتمعات الاقتصادية في مرحلة من النمو، فبالقدر نفسه تعزز العمالة على المستويين العالمي والوطني. وبالتالي تزداد معها الاشتراكات المحصلة لصالح أنظمة التأمينات الاجتماعية والضمان الاجتماعي في الدول التي تعتمد نظام المشاركة المالية بين أصحاب العمل والعمال أو الضرائب في حال العكس. ولكن وبالقدر نفسه ما للأزمات من تأثير سلبي على العمالة، تنخفض الاشتراكات والتحصيلات وبالتالي تدخل أنظمة الرعاية الاجتماعية ومنها التأمينات الاجتماعية والضمان الاجتماعي في وضع مربك نظراً لاستمرار ضغط الطلب عليها في وقت تتضاءل فيها مواردها.

 

والسؤال الواجب طرحه هنا يعود أيضاً إلى تعريف التحولات الاقتصادية العالمية والأزمة الاقتصادية العالمية وتحديد مفهومها الحقيقي - حيث من الممكن ان تتمثل هذه الأزمة في بعض البلدان بإفلاس الشركات الكبرى أو تعطيل النمو الاقتصادي أو انخفاض قيمة العملة الوطنية أو هبوط حاد في البورصات العالمية أو الصرف الجماعي للعمال الخ. واننا نشهد حالياً هذه المظاهر مجتمعة أم لا مع كل ما يستتبعها من انعكاسات على حياة الطبقات العاملة وعلى المستثمرين أيضاً لان المجتمع الحديث هو مجتمع استهلاكي بقدر ما هو إنتاجي. وما يمكن ان نقوله لتحديد المفهوم الحقيقي للازمة الاقتصادية العالمية هو انه، بالإضافة إلى المعطيات الوضعية التي أشرنا إليها والتي تترجم حجم الأزمة وخطورتها، يبقى ان الأزمة هذه تنبع أيضاً في ذاتية المواطن عندما يصبح خائفاً على مصيره وقلقاً على المستقبل مما يعني انحساراً في الاستثمار وانخفاضاً في الاستهلاك.

 

وتجدر الإشارة هنا إلى ان الأزمة الاقتصادية لا تعني بصورة عامة - إلا في حالات جد استثنائية - انهيار مالي تام في المجتمع يترجم ضغطاً فورياً مباشراً على صناديق الضمان والتأمينات الاجتماعية بل ارتفاع مضطرد في اللجوء إلى هذه الصناديق بوتيرة متصاعدة من شأنها في حال الاستمرار إرباك هذه الصناديق. لذلك، تتحمل هذه الصناديق والمؤسسات الضامنة مسؤولية اجتماعية وتاريخية كبيرة في مساعدة المجتمع على تخطي وطأة أي أزمة اقتصادية وبالتالي على القيمين عليها البقاء في وضع المتيقظ المستمر لاستنباط إشكاليات أي أزمة اقتصادية ومالية قائمة التي من الممكن ان تطرح وتنعكس على مختلف معطيات ومستويات سياسة الرعاية الاجتماعية والضمان الاجتماعي والتأمينات الاجتماعية وفقاً للمحاور التالية: (أولاً) على مستوى فلسفة سياسة الرعاية الاجتماعية ونظام الضمان الاجتماعي، (ثانياً) على مستوى سياسة الرعاية الاجتماعية والضمان الاجتماعي والتأمينات، (ثالثاً) على مستوى تقديمات أنظمة الرعاية الاجتماعية وعلاقات العمل، (رابعاً) على المستوى التنافسي للاقتصاد الوطني وضرورة اعتماد ترتيبات هيكلية جذرية.

 

فللأزمات الاقتصادية ان في منطلقها أو تطورها لا تنحصر انعكاساتها على مستوى مالي مباشر بل على كامل الهيكلية النظرية والعملية المرتبطة بأنظمة الرعاية الاجتماعية - وبالتالي ان حكمة التبصر في وقائع التطورات هي من ميزات تصرف المسؤولين السياسيين و القيمين على هذه المؤسسات للرد على الاشكاليات المطروحة على المستويات التالية:

 

1- على مستوى فلسفة سياسة الرعاية الاجتماعية وأنظمة الضمان الاجتماعي والتأمينات الاجتماعية: الإقرار بحق الفرد والمواطن بالحقوق الاجتماعية

تشكل سياسة الرعاية الاجتماعية المتمثلة بإنشاء أنظمة الضمان الاجتماعي والتأمينات الاجتماعية نقلة نوعية بارزة في المجتمعات الحديثة ومنها المجتمع اللبناني والعربي نظراً لتطور فكرة التضامن الاجتماعي المتكامل والفعّال بين مختلف شرائح المجتمع من اجل الانتقال من الحماية العائلية أو الحماية الاجتماعية التي لم تختف كلياً والمبنية على الرحمة والتعاضد العائلي إلى اعتماد نظام للتقديمات الاجتماعية منظم قانوناً ومعترف بها كحق للفرد والمواطن. فالرؤية الفلسفية المتمثلة بالنزعة التضامنية بين مختلف فرقاء الإنتاج تجسدت بارتقاء مفهوم سياسة الرعاية الاجتماعية والضمان الاجتماعي إلى مستوى مسؤولية النظام العام، أي ان مسؤولية الحماية الاجتماعية أصبحت في المبدأ من صلب صلاحيات السلطات العامة بالتعاون والتنسيق مع مختلف الفرقاء.

 

ولكن ان تطور الرؤية الاقتصادية والاجتماعية خلال الحقبة الأخيرة وتأثرها بالعولمة والليبرالية أدت إلى تردد في هذا المنطلق الفلسفي والسوسيولوجي التضامني. فالإشكاليات التي رافقت في معظم البلدان إنفاذ سياسة الرعاية الاجتماعية وأنظمة الضمان الاجتماعي وانخفاض المداخيل المالية والتجاذبات التي حصلت في نظام التقاعد الاجتماعي أو الشيخوخة فتحت المجال لمحاولة فلسفية استخلاصية جديدة تميزت بالإقرار بالخصوصية الوضعية لأنظمة الرعاية الاجتماعية التي يجب عليها اعتماد المبادئ العامة مع مراعاة المقومات السوسيولوجية والنفسية الخاصة بكل بلد. إن مفهوم الضمان الاجتماعي والتأمينات الاجتماعية معقّد لدرجة ان اعتماد الوسيلة نفسها لجميع الدول من شأنه ان يشكل خطأً منهجياً يقتضي تجنبه. لذلك، تفرض الرؤية الفلسفية التضامنية إجراء رصد دقيق لما يمكن ان يتقبله المجتمع من نظام عام شامل أو نظام خاص أو نظام مختلط تجنباً لإرباك أنظمة الضمان الاجتماعي والتأمينات الاجتماعية حيث ان توافق المجتمع يقضي بتجنب الصراعات الحادة والاكتفاء بمواقف منهجية تجيز اتفاق المجتمع على حد أدنى من التقديمات والتقنيات التي من شأنها تأمين الحاجات الاجتماعية خاصة عند حلول أي أزمة اقتصادية كما هي الحال حالياً في بعض دول العالم وخاصة الشرق الأوسط.

 

ان فلسفة سياسة الرعاية الاجتماعية وأنظمة الضمان الاجتماعي تقضي بحضارة الحوار الاجتماعي التوافقي المبني على توافق التناقضات من اجل تثبيت نظام يتناسب مع الواقع السوسيولوجي والمالي لكل بلد.

 

2- على مستوى سياسة الرعاية الاجتماعية والضمان الاجتماعي والتأمينات الاجتماعية

ان الارتباط الوثيق لسياسة الرعاية الاجتماعية بالحاجات الاجتماعية والإمكانيات الاقتصادية والمالية المتوفرة يطرح حكماً تقييم واقع التقديمات والشروط العامة للحماية وطرق التمويل. ولكن ابرز ما يمكن استنتاجه اليوم هو الإقرار بان تحديد التوجهات المستقبلية لا يمكن ان تستوحى فقط من الماضي. فإذا اعتبر الضمان الاجتماعي والتأمينات الاجتماعية مرآة لمتطلبات المجتمع تجاه أفراده أيام العمل والتقاعد، فهو يختص دائماً بنظرة متيقظة لهذا المجتمع. ومن الإشكاليات الممكن استخلاصها حالياً هي التالية:

 

‌أ-     استقرار الرأي على ضرورة الإصلاحات الجذرية حيث يبدو حالياً انه لا يمكن حلّ الإشكاليات المطروحة وفقاً للسياسة الاجتماعية التقليدية المتمثلة برفع الاشتراكات أو إعادة النظر في التقديمات من قبل أنظمة الضمان. يتوجه طلب المجتمع السياسي والاقتصادي نحو إصلاحات جذرية بعيدة عن الترتيبات التقنية خاصة في موضوع الرعاية الاجتماعية (الضمان الصحي أو التأمينات الصحية والتقاعد الاجتماعي أو أنظمة نهاية الخدمة).

‌ب-    طرح أسئلة مهمة ومحرجة تتعلق بالمبادئ المتعلقة ان بإدارة مؤسسات الضمان الاجتماعي والتأمينات الاجتماعية وان لجهة التقديمات نظراً لعدة معطيات منها ارتفاع النفقات، الثقل الناجم عن ارتفاع عدد المسنين في المجتمع، مبادئ الإنصاف والشمولية، القيمة الحقيقية للمساعدات الاجتماعية وما تمثله للفرد وخاصة إمكانية استمرارية تأمين الخدمات المطلوبة في فترة الأزمات.

‌ج-      طرح أسئلة فيما يختص بانعكاس الأعباء الاجتماعية على العمالة. فإذا كانت البطالة أو البطالة المقنعة أو العمل الجزئي أو التحايل على قانون العمل من أبرز مظاهر عالمنا الحديث وهي ليست بجديدة، فان الجديد فيها يعود من خلال الوضع الاقتصادي، اعتبار ان نظام الضمان الاجتماعي أو التأمينات الاجتماعية يشكل عائقاً لخلق فرص للعمل أو لتوظيف عمال جدد نظراً للعبء الذي يلحق بالمؤسسة التجارية من خلال الاشتراكات والموجبات المالية المترتبة. وأكثر من ذلك، هنالك توجه لاعتبار الأعباء الاجتماعية الملقاة على المؤسسة بمثابة عقبة أساسية لقدرتها التنافسية على المستويين الإقليمي والعالمي مما يعني انخفاض في الموارد المالية الناجمة عن التصدير وبالتالي ازدياد في البطالة. فالانعكاس العملي لأي أزمة اقتصادية على الرعاية الاجتماعية يجعل من بعض الطروحات غير المتينة بمثابة حقائق علماً ان المجتمع بحاجة إلى مؤسسات الرعاية الاجتماعية عند حصول الأزمات الاقتصادية بالذات وقد أثبتت الدول التي تتمتع بأنظمة ضمان اجتماعي في أوروبا عن قدرتها في استيعابها للأزمة العالمية الناجمة عن البطالة وترشيد حصول أي أزمة اجتماعية على مصراعيها من خلال الإمكانيات المتوافرة لتأمين تعويض البطالة والتقدميات الصحية.

‌د-        طرح قضية التغطية العامة والتغطية الخاصة للمخاطر الاجتماعية.

 

من أبرز آثار أي أزمة اقتصادية أو مالية طرح الحوار بين مختلف الفرقاء الاجتماعيين في موضوع التغطية العامة والتغطية الخاصة للمخاطر الاجتماعية. لا شك بان السنوات الأخيرة قد حملت إلى تبدلات مهمة في تحديد دور القطاع العام لجهة تأمين تغطية الحاجات الاجتماعية. ولقد أدخلت بعض الدول تعديلات مهمة في أنظمتها الخاصة بالتقاعد الاجتماعي والتأمينات الصحية أو الضمان الصحي. ولكن ما يقتضي الإشارة إليه هو عدم إمكانية اعتماد حلّ واحد في القطاع الاجتماعي نظراً لتعدد وتفرع المخاطر الاجتماعية المشمولة بالضمان الاجتماعي والتأمينات الاجتماعية من شيخوخة وعجز ومرض وطوارئ عمل أو أمراض مهنية، وبطالة وأعباء عائلية من مدرسية وإسكانية... حيث على مقارنة الأنظمة الاخذ بالاعتبار قدرات البلد وتاريخه في هذا المجال.

 

فعلى السياسة الوطنية إعادة حساباتها في موضوع الحوار الاجتماعي من خلال عناصر العلاقات الدولية وانعكاسات أي أزمة اقتصادية وطنية أو دولية. هنالك كلفة لأي أزمة يقتضي على المجتمع تسديدها خاصة  ان العولمة أدت إلى انحسار الحوار الاجتماعي وارتفاع نسبة العمالة الهشة واللجوء إلى التلزيمات الثانوية وانتشار الاقتصاد غير المنظم الذي يضر جداً بدور النقابات في هذا النطاق.

 

ومن أبرز آثار العولمة فرض الشركات المتعددة الجنسية في بعض الأحيان، على الدول تنازل العاملين عن حقوقهم المكتسبة وسائر الحقوق الاجتماعية علماً ان ضرورات الحياة تحمل الأجير والموظف على التغاضي عن حقوقه الاجتماعية أمام هجمة تخييره بين العمل باجر أدنى أو بالتنازل عن حقوقه الماضية أو الصرف من الخدمة. فالسياسات الاجتماعية هي على محك كبير لجهة المسؤولية الملقاة على عاتقها لمواكبة هذه التبدلات وعقلنة تصرفها وفقاً للمعطيات الجديدة حفاظاً على الحقوق الاجتماعية التي هي المنطلق الأساسي للمجتمع الاستهلاكي القائم في نظام الاقتصاد المالي.

 

3- على مستوى تقديمات أنظمة الرعاية الاجتماعية وعلاقات العمل

تتمثل مظاهر أي أزمة اقتصادية بتبدلات قسرية في مستوى تقديمات أنظمة الرعاية الاجتماعية وفعاليتها علماً ان الحقوق الممنوحة في بعض الأحيان هي جدّ محدودة.

 

أ- الانخفاض العام للتقديمات:

إن من أبرز انعكاسات أي أزمة اقتصادية بمظاهرها المختلفة هي أزمة السيولة التي من الممكن ان تطرح في الأنظمة القائمة وذلك من جراء البطالة العادية والكساد الاقتصادي والتوجهات الديمغرافية السيئة الناجمة عن انخفاض الخصوبة ورفع نسبة الأمل بالحياة - وأيضاً من التقديمات السخية وغير المضبوطة التي تقدمها بعض أنظمة التأمينات الاجتماعية، نتيجة أيام البحبوحة وارتفاع كلفة إدارة مؤسسات الضمان والتأمينات الاجتماعية. ان هذه المعطيات قد انعكست سلباً بصورة مباشرة على أنظمة الشيخوخة وتقديمات البطالة أو العجز خاصة. وبطبيعة الحال وفي خلال مرحلة من الزمن، قامت السلطات العامة برفع الاشتراكات تأميناً لتغطية التقديمات وقد اعتمدت بعض الدول وضع ضرائب على أصناف خاصة كالدخان أو الكحول لصالح الضمان الصحي الخ.

 

أما التأثيرات المرتقبة في هذا المجال فمن الممكن تلخيصها بالخطوات العملية التالية نظراً لعدم إمكانية رفع الاشتراكات على الفرقاء في فترة الأزمات لعدم إثقال الفاتورة الإنتاجية بالأعباء الاجتماعية ودفع أصحاب العمل إلى صرف العمال أو عدم توظيف عمال جدد.

 

أما أنواع الانعكاسات المرتقبة فهي التالية:

-       في مجال تعويض الشيخوخة: (1) رفع سن التقاعد أو زيادة عدد سنوات الاشتراك لفتح الحق بالمعاش التقاعدي، (2) تعديل طريقة حسبان التقديمات بهدف تخفيض مبلغ التعويض النهائي مع ما يتلازم هذا الأمر من إشكاليات نقابية وقانونية، (3) تمديد مهلة الانتساب لفتح الباب للمعاش التقاعدي، (4) تعديل طريقة إعادة احتساب معاش التقاعد على ضوء غلاء المعيشة.

-       في مجال العجز: (1) تعزيز شروط منح تعويضات العجز، (2) تحديد مهلة الاستفادة من تعويض العجز، (3) اعتماد سياسات جديدة لمراقبة أوضاع المستفيدين الحاليين أو إعادة تحريك أو تعزيز السياسات القائمة.

-       في أنظمة البطالة: (1) تحديد مدة الاستفادة من التقديمات، (2) ترشيد قيمة التقديمات،(3) رفع الاشتراكات اللازمة لفتح الحق للاستفادة من التقديمات.

-       في مجال المرض والأمومة: (1) تعديل طرق التمويل مع ضرورة المحافظة على التغطية اللازمة لتعزيز الموارد المالية للصناديق، (2) تشديد الشروط المفروضة للاستفادة من تقديمات المرض والأمومة.

-       في مجال التعويضات العائلية: فرض شروط تتعلق بنسبة الدخل لدفع التقديمات.

 

ب- رفع أداء مؤسسات الرعاية الاجتماعية

تتحمل مؤسسات الرعاية الاجتماعية (الضمان الاجتماعي والتأمينات الاجتماعية أو غيرها) مسؤوليات جمة ودقيقة ومحرجة تجاه المضمونين والمستفيدين من اجل تأدية تقديماتها على أحسن وجه. ولكن لأي أزمة اقتصادية انعكاس مباشر لجهة توجه الأنظار العامة والخاصة عليها في محاولة لتشدد في مطالبتها برفع أدائها قدر الممكن وإعادة النظر بنفقاتها. لذلك، على هذه المؤسسات ان تأخذ دائماً الحيطة للعب الدور الإيجابي المطلوب في الأزمات الاقتصادية الطارئة والمرتقبة من خلال (1) إعادة توزيع وتحديد مستمر للمهام الملقاة على عاتق المؤسسة، (2) البحث عن تحمل مسؤولية اكبر في مجال الكلفة من اجل محاولة ضبطها، (3) إعادة النظر و الهيكلة (re-engineering) لنظام تأمين الخدمات. ومن الأمور الواجب مراعاتها واعتمادها في هذا النطاق رفع نسبة الشفافية في مؤسسات الرعاية الاجتماعي والتأمينات الاجتماعية لان معرفة فرقاء المشاركة باستعمالات أموال الصناديق من شأنها تعزيز دعمهم لهذه المؤسسات إقراراً بشفافيتها وفعاليتها.

 

ج- التبدل في علاقات العمل

ان الخطاب العمالي خلال فترات طويلة من الزمن كان ولا يزال ينحصر في المحافظة على استقرار العمالة تأميناً لحاجات العمال الاجتماعية وللتقاعد الاجتماعي الخاص بهم. ولكن التحولات الاقتصادية وتعزيز دور الاقتصاد المالي في المجتمعات فتحا المجال لجيل جديد من الموظفين والأجراء الذين انخرطوا في العمل آملين بجني الأرباح السريعة في البورصات العالمية أو في أي من مراكز أعمالهم دون التأكد جدياً من مراعاة حقوقهم القانونية. وبالتالي ان حصول أي أزمة اقتصادية تؤدي إلى تعديل المعايير في الشركات والمؤسسات حيث ان ما كان يقوم على العلاقة الطيبة والاندفاع أملاً بالثروة قد يهبط فجأة أمام وطأة الخسارة والكساد. ومن اغرب الأمور ان شاشة الكومبيوتر التي كانت تشكل للعاملين وسيلة جني الثروات تصبح فجأة الوسيلة السريعة للطرد من العمل بمجرد إرسال رسالة إلكترونية كما حصل وما زال مع عشرات آلاف الأشخاص الذين عرفوا بفقدان وظيفتهم عند فتحهم جهازهم الآلي في صباح يوم عمل عادي.

 

ان هذه الأمور من شأنها ان تنعكس على سياسة الرعاية الاجتماعية وانظامة التأمينات الاجتماعية والضمان الاجتماعي على المستوى المعنوي من جراء عدم مراعاة السياسة الاجتماعية حماية الموظف والأجير وعلى المستوى المالي لجهة انخفاض مردود الاشتراكات المالية.

 

د-  إصلاح أنظمة الضمان والتأمين الصحي

ان من آثار أي أزمة اقتصادية خفض الاشتراكات المترتبة لصالح النظام الصحي نظراً للبطالة وانتشار الكساد مع ضرورة تأمين خدمات إضافية للمشتركين مما يفرض على الأنظمة الصحية : (أ) ضرورة التنسيق فيما بينها، (ب) الاستفادة المرضية والعادلة للمواطنين من حدّ أدنى من الخدمات، (ج) فعالية اقتصادية واجتماعية نظراً لضرورة مراعاة الكلفة الصحية لنسبة معقولة من موارد البلاد المالية، (د) فعالية العلاج بأقل كلفة مالية ممكنة. ان فترة الأزمات تشد عزيمة المجتمع في إنفاذ سياسات إصلاحية واسعة ان لتخفيف الأعباء الملقاة على عاتق الموازنة العامة أو لجهة تأمين المعالجة الاستشفائية والصحية وان في فتح المجال لمشاركة مسؤولة للمواطن في المتوجبات المالية الملقاة عليه تأميناً للسلامة المالية للنظام الصحي وان على مستوى السياسة الصحية الهادفة إلى ترشيد فاتورة الاستشفاء والدواء.

 

والمؤكد هنا ان الضمان الصحي هو الذي يتوجه إليه المواطنون بكثافة في حال حصول أية أزمة اقتصادية لأنه يشكل الشق الداعم لكلّ هموم المواطن وتخفيف الضغط عليه. لذلك، ان عدم قدرة صناديق التأمينات الصحية والضمان الصحي من تلبية الحاجات الفورية يعزز مقومات الأزمة الاجتماعية. ومن المعروف ان الإصلاحات في هذا المجال لم تعد سهلة أو ممكنة عند اندلاع الأزمات ما يعني ان على القيمين على السياسة الصحية والاستشفائية القيام بمراجعات مستمرة للواقع هذا تأميناً لإنفاذ الهيكلية الإدارية والمالية الأنسب والأوفر مالياً وتأميناً لاستمرارية الخدمات أيام الصعوبات والأزمات بالتنسيق مع مختلف المؤسسات الضامنة في القطاع العام أو القطاع الخاص.

 

4- على مستوى القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني

ان هذا السؤال المطروح منذ فترة طويلة من الزمن لم يلق حتى اليوم الجواب الأكيد - بل هنالك تساؤلات مهمة ناجمة عن السياسات الاقتصادية الوطنية والعالمية وعن المطالبات المستمرة لأصحاب العمل التي تؤكد ان الأعباء الاجتماعية - وخاصة منها اشتراكات الضمان الاجتماعي أو التأمينات الاجتماعية - هي عقبة أساسية أمام قدرة الاقتصاد في النمو والمنافسة.

 

تجدر الإشارة هنا قبل كل شيء إلى أن المجتمع الحديث هو في معظم الأحيان مجتمع إنتاجي واستهلاكي بالوقت نفسه، وفي البعض منها ان الطابع الاستهلاكي يطغي على الطابع الإنتاجي. ان الإقرار بهذا الواقع يفرض التوافق على ان نمو الاقتصاد مرهون بقدرة المواطن على الإنفاق - وبالتالي لا شك بان أنظمة الضمان الاجتماعي والتأمينات الاجتماعية تشكل حافزاً مهماً لنمو السوق الاستهلاكي، فالاشتراكات المسددة لأنظمة الرعاية الاجتماعية هي جزء من قدرة المجتمع للإنفاق وللنمو الذي يستفيد منه.

 

فالسؤال المطروح إذاً يعود الى محاولة معرفة هل ان تخفيض الكلفة خارج الرواتب في قطاع العمل من شأنها تخفيض نسبة البطالة؟ ان مختلف الدراسات التي قام بها مكتب العمل الدولي وما صدر في هذا المجال يؤكد ان اشتراكات الضمان الاجتماعي والتأمينات الاجتماعية تشجع المجتمع الاقتصادي في النمو من خلال القدرة الاستهلاكية المؤمنة وانه ليس من المتأكد ان تخفيض الاشتراكات يشجع صاحب العمل على تخفيض أسعاره وإدخال النسب الموفرة في نطاق سياسة توظيفية جديدة. ولا تزال هذه الانعكاسات موضوع جدل ونقاش دون ان تحسم بالجدية الكافية.

 

أ- انعكاس التطورات الاقتصادية والاجتماعية على الواقع الاجتماعي والسوسيولوجي من خلال التبعية

ان بعض التقديمات التي تقدمها أنظمة الضمان الاجتماعي والتأمينات الاجتماعية تهدف إلى مساندة فرقاء المجتمع في أوقات محددة من حياتهم. ولكن الخطر المداهم من جراء أي أزمة اقتصادية هو ضرورة الاعتماد على التبعية على المدى الطويل لتقديمات هي في الأصل محددة لفترات مؤقتة انتقالية كتعويض البطالة والمساعدات الاجتماعية، وذلك لأشخاص هم في سن العمل ويفترض عليهم الإنتاج لدعم طاقات المجتمع.

 

ب- ضرورة اعتماد ترتيبات هيكلية في الاقتصاد الاجتماعي الخاص بمؤسسات  الرعاية الاجتماعية

تمثلت بعض معالم الأزمات الاقتصادية التي ظهرت بصورة كاملة أو جزئية في بعض بلدان العالم بعجز الموازنات وتدهور ميزان المدفوعات وانكماش النمو الاقتصادي وتدهور نسب المعيشة. فالسياسات الخاصة بإعادة هيكلة الاقتصاد والتي تميزت بانفتاح ليبرالي أكبر وعدم الالتزام بالحقوق الاجتماعية بصورةٍ دقيقة مع ما استتبع هذا الأمر من خصخصة لبعض المؤسسات وتنفيذ سياسة تقشفية مع انخفاض المصاريف وتعديلات نقدية مع تخفيض قيمة العملة الوطنية، أدت إلى ارتفاع البطالة وانحسار العمالة في المؤسسات. فالنتيجة المحتملة لهذه السياسات الخاصة بإعادة هيكلة الاقتصاد دون التيقظ الكافي إلى سياسة الرعاية الاجتماعية أدت إلى انخفاض الاشتراكات مع استمرار التقديمات على الوتيرة نفسها أو أكثر وتفتت قيمة موجودات صناديق الضمان الاجتماعي والتأمينات الاجتماعية مع انخفاض قوتها الشرائية بالرغم من ازديادها كمياً. وهذا الأمر بالذات يشكل أحد ابرز التحديات التي تواجهها أنظمة الضمان والتأمينات الاجتماعية لجهة معرفة هل ان التقديمات والمبالغ المؤمنة للمشتركين في أنظمة الضمان أو التأمينات الاجتماعية تتناسب مع حاجاتهم الاجتماعية ومستوى المعيشة أم انها فقط اسمية. لذلك، يقتضي في هذا الإطار (أ) تنبه المسؤولين على الإشكاليات الاجتماعية وانعكاساتها على مؤسسات الضمان الاجتماعي والتأمينات الاجتماعية وما تقدمه من طاقات خاصة في حال احتفاظهم برساميلهم وتوظيفها وإدارتها على مسؤوليتهم، (ب) ضرورة ترك مؤسسات الضمان الاجتماعي والتأمينات الاجتماعية في وضع يجيز لهما إدارة مواردهما المالية تأميناً لمستلزمات برامج الدفع الخاصة بالمؤسسات.

 

ج-التزام مؤسسات الضمان الاجتماعي والتأمينات الاجتماعية بمحاربة الفقر والمساهمة في تأمين العمل اللائق

يشكل الفقر إحدى ابرز الإشكاليات الاجتماعية الحديثة وخاصة في المجتمعات التي تواجه حاليا صرف العمال وتزايد البطالة. وإذا كانت سياسة الرعاية الاجتماعية تهدف في البدء إلى دعم الطاقات الحية والمنتجة في المجتمع دراءً لمخاطر الفقر، فان رصد الفقر كواقع منتشر في المجتمعات الحديثة يفرض على هذه السياسة الالتزام بجدية في محاربته من خلال سياسات وتصرفات ومداخلات ليست مبنية دائماً على الأسس المعترف بها في هذا المجال - أي مراعاة الاشتراكات والحقوق المترتبة. فسياسة الرعاية الاجتماعية والضمان الاجتماعي والتأمينات التي هي ردة فعل على الفقر يجب ان تهدف إلى ترسيخ دعائم السياسة الاجتماعية في كل بلد لتأمين الخدمات الاجتماعية للمواطنين بصورة شاملة ووفقاً لسلامة مالية متفق عليها صراحة بين مختلف فرقاء الإنتاج.

 

الخاتمة:

ان أنظمة الرعاية الاجتماعية المتمثلة بالتأمينات الاجتماعية والضمان الاجتماعي قد أثبتت ضروراتها في المجتمع الحديث بعد الحرب العالمية الثانية وذلك بالرغم من المصاعب والتحديات. فإذا كانت أنظمتها بدت مستقرة ونهائية خلال مرحلة معينة، أخذت هذه الأمور تتطور بسرعة ابتداء من العقد الأخير من القرن الماضي تحت ضغط الحاجات والتبدلات الاجتماعية الناجمة عن نمو السكان والتركيبة الديمغرافية والأزمات الاقتصادية الحادة التي هزت العالم ولا تزال حتى الآن في بعض البلدان.

 

تشكل الأزمات الاقتصادية عادة الحافز الرئيسي لتطوير الأمم عندما تكون موضع مراجعة جدية مع اعتماد خطوات عملية تتجاوب وحاجات المجتمع. فسياسة الرعاية الاجتماعية والضمان الاجتماعي هي موضع تساؤلات كبيرة منذ فترات طويلة من الزمن كما يتبين من كمية المؤلفات والتقارير والدراسات الموضوعة من قبل مكتب العمل الدولي ومكتب العمل العربي. وإذا كان بالإمكان استخلاص العبر في مجال انعكاس الأزمات الاقتصادية على واقع سياسة الرعاية الاجتماعية فهذا الأمر ينحصر على مستوى رؤية عامة شاملة يلتزم بها المجتمع لجهة تلبية حاجاته الاجتماعية ضماناً لنموه الاقتصادي والمالي وعلى مستوى محدد خاص بالتدابير الآيلة إلى سلامة التصرف منعاً للانعكاسات السلبية الكبيرة للبطالة وإقفال المؤسسات وانهيار الشركات.

 

فعلى النطاق العام، يقتضي حالياً إعادة تحديد أهداف سياسة الرعاية الاجتماعية من جهة وتأقلم الأنظمة مع التطورات العالمية المتسارعة من جهة أخرى. وبطبيعة الحال ان هذه المراجعة تعني في بعض الأحيان طرح أسئلة أكثر من تأكيد حقائق نهائية.

 

فعلى مستوى تحديد الأهداف، على سياسة الرعاية الاجتماعية بعد ان أثبتت دورها في المجتمع ان تستوحي من الواقع المتسارع التساؤلات اللازمة والإجابة عليها - ومن ابرز التساؤلات المطروحة: (أ) معرفة الأثر الإيجابي لأنظمة الرعاية الاجتماعية في تخفيف المخاطر الاجتماعية على العاملين والإجراء من جراء إقفال المؤسسات حيث تبين ان الدول التي تنعم بنظام الرعاية الاجتماعية تمكنت من تحمل أثار الأزمات الاقتصادية والمالية بطريقة أفضل من تلك البلدان التي تفتقر إلى هكذا أنظمة أو تعتمدها بصورة خجولة أو محصورة. (ب) ما هي الطروحات الممكن اعتمادها على ضوء واقع الأزمات الاقتصادية والمالية وانعكاساتها على مداخيل صناديق الضمان الاجتماعي والتأمينات الاجتماعية لجهة تأجيل سن التقاعد وتخفيض الاشتراكات وتضمينها في الدخل الخاضع للضريبة وزيادة ترشيد الخدمات لصالح الشرائح ذات الدخل المنخفض، وفرض إلزامية نظام خاص للتقاعد، (ج) ما هو تأثير الرعاية الاجتماعية على الرأسمال البشري وإنتاجياته وما هي قدرة هذه الأنظمة بحمايته وقت الأزمات؟

 

أما لجهة تأقلم أنظمة الضمان الاجتماعي والتأمينات الاجتماعية، فهذا شرط أساسي لاستمراريتها وهذا التأقلم يهدف إلى (1) رصد التطورات الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي من شأنها ان تؤثر سلباً على دولة الرعاية التي عليها تأمين الضمانات الاجتماعية للجميع بحدها الأدنى، خاصة في مرحلة الأزمات؛ (2) بإيجاد حلول لتطوير سوق العمل حالياً وتطوير مفهوم العمالة ولقدرة تكييف أنظمة الضمان الاجتماعي والتأمينات الاجتماعية مع العمل الجزئي وإجارة الخدمة... في حين ان الأنظمة هذه نشأت في مجتمع طالما طالب باستقرار العمل وديمومته؛ (3) تحديد دور أنظمة الرعاية الاجتماعية في مساعدة المعوقين ومحاربة الفقر وكلفة هذه السياسات في المجتمع الاقتصادي؟

 

إن التساؤلات هذه هي برأينا إشكاليات كبيرة وتحديات بارزة لسياسة الرعاية الاجتماعية ولأنظمة التأمينات الاجتماعية والضمان الاجتماعي التي عليها إثبات فعاليتها ومساهمتها في تثبيت الوضع الاجتماعي في مرحلة الأزمات الاقتصادية من خلال جدية الخدمة الاجتماعية التي تؤمنها للمواطنين. ان الخيط الرفيع الفاصل بين مناصري فكرة الرعاية الاجتماعية كعامل استراتيجي في تقدم المجتمع الاقتصادي ومناهضي هذه الفكرة على أساس ان العولمة الاقتصادية مع مظاهرها المالية والايدولوجية هي تنافسية وإيجابية للمجتمع بقدر ما تنحسر فيه الحقوق الاجتماعية تفرض السير قدماً في دفاع شرس عن المكتسبات الاجتماعية لان الحق الاجتماعي ليس بمنّة اجتماعية وان حقوق المواطنين الثابتة هي خير مدماك لمجتمع يهدف إلى تعزيز دور الإنسان من خلال تعزيز دور الاقتصاد. أن شجاعة الدفاع عن المكتسبات الاجتماعية وتطوير الأنظمة القائمة يفرض إعادة تقييمها بصورة مستمرة وذكية والالتزام بالتعديلات الملائمة ضمن منهجية علمية حكيمة غير متدهورة ولكن ثابتة في عقيدتها وفي مراعاتها للسلامة المالية التي هي خير حماية للمواطن وللسلطات العامة أيام الأزمات والمصاعب كما حاولنا أثباتها في هذه النظرة الثانية لانعكاس الأزمات الاقتصادية والمالية على مجمل نظام الرعاية الاجتماعية.

 

 

أضف تعليقك





الرئيسية
من نحن
استشارات
مواقع صديقة
فئات خاصة
أراء ,مقالات و تحقيقات
دراسات ومؤتمرات
القطاع التعليمي، التربوي، الصحة و الدواء
النظام الداخلي للمركز



يوجد حاليا

زائر حالياً  
© جميع الحقوق محفوظة جمعية المركز اللبناني للتدريب النقابي

إن الآراء الواردة في الموقع تمثل أصحابها وليس بالضرورة رأي الجمعية
تصميم و برمجة