بأقوى العبارات تدين دار الخدمات النقابية والعمالية الاعتداءات الإرهابية المتصاعدة التى شهدتها بلادنا خلال الايام الأخيرة بدءاً من اغتيال النائب العام- الذى يأتى كحلقة من حلقات استهداف القضاء- وانتهاءً بالعمليات النوعية فى الشيخ زويد وشمال سيناء .. وتتقدم الدار بخالص العزاء لأسرة المستشار هشام بركات وذويه وأعضاء الهيئات القضائية وعائلات الضحايا من المجندين والضباط والمدنيين الذين اغتالتهم يد الإرهاب الباطشة، وتدعو بالشفاء العاجل للمصابين جميعاً.
إن دار الخدمات النقابية والعمالية إذ تشدد على أن الإرهاب- أياً ما كان مرتكبوه- لا يمكن تبريره بحال.. إنما تؤكـد ما يمثله العمل الإرهابى من اعتداء صارخ على حقوق الإنسان الأساسية وفى مقدمتها الحق فى الحياة والسلامة الجسدية ، وما ينطوى عليه من وحشية استباحة القتل ، وخسة الاستهانة بأرواح البشر سواء هؤلاء الذين يُستهدفون لذواتهم أو وظائفهم أو هؤلاء الذين تطالهم شظايا الإرهاب العمياء بالصدفة أو باعتبارهم كبش فداء لتحقيق الأهداف الإرهابية.
إن الدار إذ تشدد على حق المصريين- جميعاً- فى الحياة الآمنة .. وواجبنا جميعاً فى الدفاع عن هذا الحق وحمايته.. إنما تؤكد واجب الدولة فى مواجهة الإرهاب والتصدى له واتخاذ ما يستلزمه ذلك من الإجراءات الجادة الفاعلة.. وهى فى هذا الصدد ترى لزاماً عليها الدعوة والتأكيد على ما يلى:
إن مواجهة الإرهاب- على الأخص- مع تصاعد موجاته النوعية الأخيرة إنما تستلزم حشد طاقات المجتمع المصرى كله.. واستدعاء كافة قواه الحية إلى التفاعل الإيجابى مع الحرب الدائرة.. غير أن حشـــد الطاقات واستدعاء القوى لا يعنى مجرد دعوتها إلى إعلان تأييدها أو ابتزازها بأنه لا ينبغى أن يعلو صوت فوق صوت المعركة.
إن استدعاء طاقات وقوى المجتمع لا يتحقق بغير فتح المجال العام أمامها وليس إغلاقه.. بغير إتاحة مساحة كافية لمشاركتها فى صنع القرار ، والإسهام الحقيقى الديمقراطى فى محاربة الإرهاب.
إن كافة القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدنى .. كافة الأطراف الاجتماعية تنبغى دعوتها إلى المشاركة فى مواجهة الإرهاب.. غير أن المشاركة لا تكون بفتح التليفونات فى الفضائيات على الأصوات المطالبة بالقصاص والإعدامات.. كما أنها ليست مجرد الإعلان عن أرقام تليفونات تتلقى البلاغات عن متفجرات أو أشخاص مشتبه بهم.
إن أحداً لا يسعه إنكار أهمية البعد الأمنى فى مواجهة الإرهاب.. كما أن أحداً منا – نحن المصريين- لا يمكنه ألا يقف مع الجبش المصرى.. مع الضباط والجنود المصريين فى مواجهة تنظيم إرهابى يسعى للسيطرة على سيناء.. غير أن مواجهة الإرهاب- كما كَلَ الجميع من التكرار- لا تستغرقها الإجراءات الأمنية وحدها، كما أنها لا تجدى فى شأنها إجراءات متفرقة أو ردود أفعال مهما بلغ عنفها وقسوتها.. بل استراتيجية متكاملة الأبعاد، سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وأمنية.. إنها حرب شاملة فى مواجهة التطرف والعنف والإرهاب.. حرب لتجفيف منابع الإرهاب.. لتأمين البيئة المحيطة وحرمان الإرهاب من أى حاضنة شعبية مهما كان شأنها..
إن ردود الأفعال الحكومية على اغتيال النائب العام قد جاءت مثيرة للقلق.. ليس فقط لكونها قد اتجهت إلى الإصدار السريع لقانون الإرهاب والتعديل المتعجل لقانون الإجراءات الجنائية.. وإنما أيضاً لأنها بدت وكأنها تجيب الإجابة الخطأ على السؤال المطروح..
ربما كان قانون التظاهر الذى صدر منذ قرابة العامين- رغم كل تحفظاتنا عليه، و ما انطوى عليه من إهدار للحريات- إجابة ناجعة لسؤال كيف تمنع التظاهر.. بغض النظر عن حقوق ومعايير حقوق الإنسان، وبغض النظر أيضاً عما رتبته على ذلك من خصومة مع أعداد واسعة من الشباب، وما أحدثته من شرخ فى جدار كان حتى ذلك الوقت يبدو متماسكاً ما دام هدفك هو منع التظاهر بأى ثمن..
غير أنك تجيب الإجابة الخطأ إذا تصورت أن الوسيلة الناجعة لوقف العمليات الإرهابية هى التهديد بالإسراع فى إصدار أحكام الإعدام النهائية الباتة وتنفيذها.. هل يخيف الإعدام إنسان يلف حول وسطه حزاماً ناسفاً ويفجر نفسه متصوراً أنه سيبيت ليلته فى الجنة!!..
العدالة الناجزة مطلوبة .. نعم.. ولكن هل ما ينقصنا هو تعديل القوانين.. إن تعديل القوانين أو بالأحرى "ترقيع" القوانين لم يتوقف طيلة العقود الماضية حتى بتنا أمام غابة من التشريعات المتداخلة التى تزايدت خلال العامين الماضيين أيضاً.. إن الإرهاب معرف فى قانون العقوبات المصرى بما لا مزيد عليه.. وعقوبته رادعة بما يكفى..
العدالة الناجزة مطلوبة .. ولكن تعديل القوانين الذى يبدو دائماً الحل السهل الممكن ليس حلاً.. إنها المنظومة المتكاملة من تطوير المنظومة القضائية.. تحديث المحاكم ونظم عملها، التحريات الدقيقة والتحقيقات المنضبطة العادلة وأوراق القضية المكتملة التى تتيح للمحكمة إصدار حكمها العادل .
العدالة الناجزة مطلوبة .. ولكنها العدالة لا يمكن أن تتحقق إذا كان هناك إخلال بحق الدفاع.. أو إهدار لحقوق التقاضى ودرجاته.. لقد نسينا أننا لدى مناقشة الدستور المصرى الجديد ابتغينا زيادة درجات التقاضى فى الجنايات إلى ثلاث درجات- وأقررنا التوجه إلى تحقيق ذلك خلال السنوات القادمة بعد تحديث المنظومة القضائية وزيادة عدد المحاكم.. بل أننا نسينا أن لجنة الإصلاح التشريعى كانت قد تشكلت لتقديم مقترحاتها فى شأن مراجعة غابة القوانين المتداخلة والمتعارضة أحياناً مع الدستور الجديد – فإذا بنا أمام مزيدٍ من التداخل والتعارض.
إن تعديل قانون الإجراءات الجنائية لا يمس فقط جرائم الإرهاب.. إنه يتعلق بكافة المتهمين وبينهم الكثير من الأبرياء.. وتعديله - تحت إلحاح الحاجة والرغبة فى معقابة الإرهابيين- ربما ينطوى على افتئات على حقوق الملايين من المصريين الذين ينظم هذا القانون شأناً هاماً من شئون حياتهم.
إن دولة القانون هى الدولة القادرة على مواجهة الإرهاب.
لسنا فى حاجة إلى إجراءات استثنائية أو إلى تشديد القوانين.. وأخطر ما يمكن أن يحدث هو التجاوز فى التقييد والتشديد .. تجاوز مرتكبى الجرائم الإرهابية إلى قطاعات أوسع من الشعب المصرى.. أخطر ما يمكن أن يحدث هو تحويل قطاعات واسعة من الشعب المصرى إلى طرف محايد .. أو بالأحرى متفرج يشاهد معركة بين طرفين دون انحياز إلى أىٍ منهما، وأقصر طريق إلى مكامن الخطر هذه هى مزيد من العصف بالحقوق والحريات المدنية والسياسية، والتضييق على الحق فى التنظيم وحرية التعبير .. هى تقييد الحريات وتشديد القوانين ومعاقبة الشعب المصرى وليس مرتكبى جرائم الإرهاب فى حقه.
إن أحداً لا يسعه أن ينكر على أحد مشاعر الغضب والاستنكار التى أعقبت جريمة اغتيال النائب العام.. غير أن استراتيجية مواجهة الإرهاب لا يمكن لها أن تبنى على الاستجابة لصيحات الانتقام والمطالبة بالقصاص- مع افتراض حسن النية فى مثل هذه الصيحات والأصوات- كما أنها لا تستقيم مع رفض كل تساؤل عن قصور أو تقصير أو المطالبة بتحديد المسئولية والمحاسبة والتحقيق العادل الشفاف والكشف عن مرتكبى الجريمة الحقيقيين.
وأخيراً.. إننا ندعو مجددا لإجراء حوار مجتمعى جاد وشفاف بشأن تصاعد وتيرة الإرهاب وما يمثله من تهديدات، واستراتيجية مواجهة الإرهاب .. الاستراتيجية الناجعة حقاً التى لا تقصى أحداً من قطاعات الشعب المصرى بل تستدعى المجتمع المصرى بكل طاقاته الزاخرة، وقواه الحية إلى المشاركة الحقيقية الديمقراطية.
دار الخدمات النقابية والعمالية
الأربعاء الموافق 2/7/2015