مجلس العمل التحكيمي في لبنان يكرّس حقَّ نقابيٍّ فُصل تعسفاً ... خلال أقل من شهرين - المفكرة القانونية - سارة ونسا

 - May 12, 2015



 لا يخفى على أحد تراكم الملفات أمام مجالس العمل التحكيمية في لبنان لفترات طويلة. غير أن القضية التي سنعرض تفاصيلها في مقالتنا هذه، من القضايا النادرة التي نظر وبتّ بها مجلس العمل التحكيمي في بيروت في صورة العجلة خلال مهلة لم تتخطّ الشهرين. أما ميزتها الثانية فهي تتمثل في طبيعة النزاع عينه، عامل نقابي صُرف من العمل بسبب نشاطه المطلبي بوجه تمنّع الشركة التي يعمل لمصلحتها عن دفع رواتب مستحقة عن خمسة أشهر عمل.

 

 
تفاصيل القضية 
المدعي رجل يناهز الستين من العمر، عمل في مجال النجارةلدى شركة كونداس انترناسيونال[1]منذ العام 1997. مع نهاية العام 2013 وبداية العام الحالي شارك المدعي، وهو عضو مجلس تنفيذي في نقابة النجارين في بيروت وجبل لبنان، في عدد من الاجتماعات والتحركات الاحتجاجية بوجه تمنع الشركة عن دفع رواتب العمال المستحقة. استمر السجال لغاية يوم فصله عن العمل من قبل الشركة بتاريخ 30 نيسان 2014. لجأ العامل بتاريخ 3/5/2014الى مجلس العمل التحكيمي مدعياً ضد الشركة على خلفية أنها "أخذت منذ مدة تضيّق على العاملين لديها – وهو من بينهم - وذلك عن طريق افتعال المشاكل والعراقيل الوهمية بغية التنصل من أداء أبسط حقوقهم القانونية لجهة دفع الرواتب". وأنه "تفاجأ بإقدامها على صرفه من العمل من دون ارتكابه أي خطأ" وأن "جل ما في الأمر أنه كان يطالبها بأداء حقوقه المنصوص عليها قانوناً، لا سيما منها الأجور المستحقة له منذ خمسة أشهر". طالب المدعي المجلس بإلزام الشركة بالتعويض عن صرفه تعسفياً عن فترة 36 شهراً "باعتباره عضو مجلس تنفيذي في نقابة العمال النجارين" سنداً للفقرة "ه" من المادة 50 من قانون العمل التي تفرض قواعد خاصة في حال صرف أعضاء مجالس النقابات المنتخبة، أبرزها وجوب الحصول على موافقة مسبقة من مجلس العمل التحكيمي وإمكانية الحكم بإعادة الأجير الى العمل تحت طائلة تسديد تعويض قيمته مجموع رواتب 36 شهراً كحداً أقصى. كما طالبها بتسديد تعويض الإنذار المترتب له بالإضافة الى أجوره المتأخرة عن خمسة أشهر عمل.
 
الشركة: العامل "فصل نفسه"
للشركة طبعاً رواية أخرى. تستهلها بتبرير تمنعها عن دفع أجور عمالها المستحقة، الذي يعود "للوضع الاقتصادي المتردي في البلد" بالإضافة الى تخلف "السلطات المحلية في المملكة العربية السعودية من دفع كامل مستحقاتها بسبب الإجراءات الروتينية". غير أن تمنع الشركة عن دفع رواتب عمالها لم يدفعهم الى التوقف عن العمل أو عرقلة عملها طيلة ثلاثة أشهر: "العمال ومن بينهم المدعي استمروا في العمل على الرغم من التأخير في تسديد رواتبهم (...) ولم يستعمل هؤلاء العمال أي أسلوب من أساليب الشدة (...) بيد أنه في خلال شهري آذار ونيسان من العام الحالي حصلت اعتصامات سلمية في مركز الشركة قوامها بعض العمال الذين طالبوا بدفع كامل مستحقاتهم فوراً، وكان المدعي على رأس هذه الاعتصامات".
تنطلق بعدئذ الشركة في تبرير قرارها بصرف المدعي الذي "لم تكن ترغب في الأصل (بالقيام به) ولم تكن تفكر في هذا الأمر" وهو قرار يحتوي على بعض التناقض. فبعدما أقرت الشركة المدعى عليها بأن "الاعتصامات والتظاهرات حق مشروع لكل عامل"، عادت وبررت فصله عن العمل برفضه العودة الى العمل بعد اتفاقها مع العمال ومع مفتش وزارة العمل على طرق دفع الأجور، واعتبرت أن "تمسكه بالاعتصام والتمرد ومحاولة إثارة البلبلة من أجل إعادة إحياء التمرد وتغيبه عن العمل دون عذر وتسببه بإرسال الإنذارات اليه كان السبب في صرفه عن العمل". علماً أنها كانت قد أدلت أنه لم يكن لديها أي مانع في تغيّب المدعي عن العمل من أجل حضور اجتماعات في وزارة العمل.
لا بل ذهبت أبعد من ذلك في محاولتها إثبات سوء نية المدعي وأن كل ما فعله كان جزءاً من مخطط معد له مسبقاً من أجل تأمين تقاعده وأن قرارها بالتالي مبرر وفق المادة 74 من قانون العمل التي تعدد الأفعال التي يجوز لصاحب العمل أن يفسخ عقد العمل على أساسها من دون تعويض أو إنذار مسبق. فنقرأ في متن الحكم "أن المدعي اتخذ قراره بترك العمل على أثر انتخابه في مجلس نقابة عمال النجارين فلم يبلغها بهذا الانتخاب ممهداً لنفسه ترك العمل عن طريق إقامة دعوى الصرف أمام القضاء للاستحصال على تعويض كبير لأنه كان على شفير التقاعد". واعتبرت أنه عندما أعلمها بموجب كتاب أرسله لها، قبل اللجوء الى مجلس العمل، أنه عضو نقابي "يكون فعلياً، قد فصل نفسه عن العمل". وكان المدعي قد أرسل كتابه هذا الى الشركة بعد استلامه إنذارين منها (تحفظ عليهما ووصف الأول بالكيدي والثاني هدف الى منعه من الاجتماع مع مفتش وزارة العمل)، أبلغها أن قرارها بصرفه وزملاء له تعسفي وأن عليها الاستحصال على قرار من مجلس العمل التحكيمي لتتمكن من فصله كونه ذا صفة تمثيلية. وعليه، طالبت الشركة المدعى عليها برد الدعوى الراهنة.
 
المحكمة: ما فعله العامل أتى "كرد على المخالفة المرتكبة من الشركة"
أولى النقاط التي تطرقت اليها المحكمة تمثلت في تحديد "كيفية انتهاء العلاقة التعاقدية بين الطرفين" لتحديد ما يترتب من نتائج خاصة على ضوء مطالبة المدعي بتعويضاته بصفته عضو مجلس نقابة. واعتبر المجلس أن الشركة كانت على بيّنة من صفة المدعي التمثيلية قبل إقدامها على صرفه من العمل. أما عن استيفاء شروط المادة 74 من قانون العمل (سوء نية المدعي)، فقد اعتبر مجلس العمل التحكيمي أن محاضر تحقيق وزارة العمل (الذي كان قد طالب به المدعي بعد تلقيه الإنذارين) تبيّن عدم توفرها حيث إن "الشركة المدعى عليها دعيت أمام المفتش مرات عدة للوفاء بالتزاماتها لجهة دفع الأجور، وقد نظم مفتش الضمان بحقها محضر ضبط لمخالفتها القانون خلال شهر نيسان 2014 ووجه اليها إنذاراً (من وزارة العمل) في هذا الصدد." واعتبر المجلس "أن الشركة لم تقم بتحقيق موضوعي في صحة نسبة المخالفات موضوع الإنذارين الأول والثاني اليه. علماً أن غياب المدعي عن العمل بتاريخ 23/4/2014 مبرر بوجوب حضوره الى وزارة العمل للاجتماع بالمفتش بناءً لطلب هذا الأخير، وبفرض قيامه بأعمال، تهدف الى حث الشركة على دفع أجوره التي تقاعست عن أدائها أشهراً عدة، فإن تصرفه هذا أتى رداً على المخالفة المرتكبة من الشركة صاحبة العمل وليس بنية الإضرار بها".
 
ولا بد لنا في هذا السياق أن نتوقف قليلاً عند استفاضة المحكمة في تفاصيل ما جرى بين المدعي والشركة المدعى عليها من أجل توصيف الصرف. فكان بإمكان المحكمة أن تتوقف عند واقعة إقدام الشركة على صرف عامل عضو مجلس نقابي، ذي صفة تمثيلية، واقعة بحد ذاتها تجعل من صرف العامل صرفاً تعسفياً. ولعل استطراد المحكمة في هذه المسألة أتى على سبيل تأكيد تعسف الصرف ولعله ساهم أيضا في تحديد قيمة التعويض المتوجب للعامل. خاصة أننا نقرأ في متن الحكم، بعد انتهاء تعليل المجلس وقبل احتسابه قيمة التعويضات المتوجبة للمدعي"وحيث ما دامت الشركة المدعى عليها صرفت المدعي من العمل وهو أجير عضو في مجلس نقابة قبل مراجعة هذا المجلس لنيل موافقته على الصرف، فيكون تصرفها هذا من قبيل التجاوز في استعمال الحق. ما يحمّلها المسؤولية الكاملة عن هذا التصرف".
وعليه، ونظراً لاستحالة المصالحة بين الفريقين، والتي حاولت المحكمة بالإضافة الى مفتش وزارة العمل إجراءها بين الأطراف، والتي تمحورت حول طلبهما من الشركةبإعادة المدعي الى العمل، إلا أن الشركة رفضت هذا الأمر. 
أصدر مجلس العمل التحكيمي حكمه في 22/7/2014 (أي بعد 51 يوم عمل) وألزم عبره الشركة بالتعويض عن الصرف التعسفي، وقد احتسبت المحكمة قيمة التعويض "بعد إقامة التوازن بين أوضاع الشركة المدعى عليها والصعوبات الاقتصادية التي تواجهها من جهة، والنتائج المترتبة عن الصرف التعسفي بالنسبة للمدعي من جهة أخرى"، وخلص المجلس الى إلزام الشركة المدعى عليها بالتعويض عن 20 شهر عمل وبدل إنذار عن أربعة أشهر.
 
أما بالنسبة لطلبات المدعي الأخرى، ومنها نشر الحكم في جريدتين محليتين "تعويضاً عن الأضرار المعنوية والتشهير الذي لحق به من جراء الطرد التعسفي"، فردّتها المحكمة دون التطرق اليها ومن دون تعليل قرارها.
ومن خلال هذه القضية، يثبت مجلس العمل التحكيمي أنه قادر على تكريس حقوق العمال على وجه السرعة، ولا شك في أن المرسوم الصادر في تشرين الثاني 2014 بزيادة عدد غرف المجلس سوف يؤثر إيجابياً في تقصير مدة الدعاوى. لكن لا بد لنا أن نتساءل عما دفع المجلس الى استثناء هذه القضية عن غيرها من القضايا والبتّ بها على وجه السرعة، علماً أن الحكم الابتدائي صدر من دون أن يستعين النقابي بمحام.
 
٭باحثة في القانون، من فريق عمل المفكرة القانونية
 
نشر في العدد الرابع و العشرين من مجلة المفكرة القانونية
أضف تعليقك





الرئيسية
من نحن
استشارات
مواقع صديقة
فئات خاصة
أراء ,مقالات و تحقيقات
دراسات ومؤتمرات
القطاع التعليمي، التربوي، الصحة و الدواء
النظام الداخلي للمركز



يوجد حاليا

زائر حالياً  
© جميع الحقوق محفوظة جمعية المركز اللبناني للتدريب النقابي

إن الآراء الواردة في الموقع تمثل أصحابها وليس بالضرورة رأي الجمعية
تصميم و برمجة