نحن العمال والنقابيون المصريون المجتمعون اليوم إحياءً لعيدنا، واحتفاءً بكل ما يمثله ويرمز إليه من قيم العمل والعدل والكرامة الإنسانية..
نحن العمال المصريون الذين كتبوا بأحرف من نور ودم صفحات خالدة فى تاريخنا الحديث.. الذين ثاروا مع غيرهم من فئات الشعب المصرى دفاعاً عن حقهم فى الحياة التى يستحقونها على أرضهم.. حقهم فى الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية.. فى فرصة العمل اللائقة، والأجر العادل.. فى مجتمع ديمقراطى يتسع لأفراده جميعاً، ويتيح لكل منهم نصيبه فى ثرواته، ودخله القومى.. مجتمع يستطيع أفراده التنفس بحرية.. التحدث والتفاعل والتعبير عن أنفسهم بحرية، يمكن لفئاته وطبقاته المختلفة الدفاع عن مصالحها والتفاوض بشأنها.. مجتمع لا يقمع أفراده، ولا يكبح طموحهم، ونزوعهم الإنسانى إلى تطوير قدراتهم وتحسين شروط حياتهم.
نحن العمال المصريون نعلن اليوم وثيقة مايو 2015 ..إلى الدولة المصرية بكافة مؤسساتها..وإلى المجتمع المصرى بكافة فئاته وقطاعاته.. لمثقفيه وقواه الديمقراطية وشبابه.. أحزابه ومنظماته وإعلامه.. لكل الساعين من أجل العدالة والحرية، وكل المظلومين الباحثين عن حقهم.. نوجه رسالتنا التالية بنودها:
إن مجتمع الأمن والاستقرار والديمقراطية الذى يطمح إليه المصريون هو بالضرورة المجتمع الذى يجد فيه الإنسان عملاً لائقاً.. عملاً مقابل أجر عادل، فى ظل علاقات عمل عادلة، وشروط صحية آمنة.. يحفظ كرامته، ويشعره بالأمان، ويطلق إمكانياته وطاقاته.. مجتمع يظلل أفراده بالحماية، ويكفل لهم الحق فى الغذاء، والعلاج، والمسكن المناسب، والبيئة النظيفة الآمنة..
مجتمع يكفل تكافؤ الفرص بين المصريين جميعاً فى التعليم والتوظف والترقى.. حق المصريين جميعاً فى ثرواتهم ومواردهم الطبيعية- بكل ما يتضمنه هذا الحق من ممارسة الرقابة عليها، والاستفادة منها والتمتع بها.. فى تحقيق بعض التوازن الاجتماعى .. بعض من عدالة فى توزيع الناتج القومى وتحمل الأعباء والمسئولية الاجتماعية.. فى حماية الفئات الأضعف اجتماعياً وتوفير الفرص اللازمة لتمكينها.
إن الانتقال إلى مصر الآمنة الديمقراطية لا يمكن أن يتحقق بغير استعادة قدر من التوازن الاجتماعى.. بغير استعادة المهمشين خارج المجتمع- اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً- إلى داخله لكى يصبحوا أصحاب مصلحة حقيقة فى استقراره وانتظامه وأمنه.. بغير تحقيق قدر من العدالة الاجتماعية يضمن لغالبية الشعب المصرى حياة كريمة، وفرصة عمل لائقة.. ويفتح أمام الجميع أبواب الأمل الذى كان قد بدا لهم مستحيلاً..
ولكى يمكن الخطو نحو العدالة الاجتماعية.. نحو قدر من توازن الحقوق والمصالح وفرص الحياة والكسب ينبغى أن نفسح مجالاً لآليات الحوار الاجتماعى ..والمفاوضة الاجتماعية.. أن تتاح إمكانيات التعبير والدفاع عن المصالح، والمفاوضة بشأنها لتحقيق قدر عقلانى رشيد من التوازن بين المصالح المتعارضة.
إن الحرية التى سالت فى سبيلها الدماء لم تكن أبداً مجرد أغنية جديدة تتواتر فى قنوات التليفزيون، أو استبدال للأغلبية التى تحتل مقاعد البرلمان.. الديمقراطية الحقيقية التى ثار الشعب المصرى مطالباً بها ليست مجرد انتخابات أو مؤسسات تمثيلية.... إنها نقابات مستقلة.. منظمات مجتمع مدنى.. منظمات ينتظم فيها العاملون والفئات والقطاعات الاجتماعية يعبرون عن مصالحهم مباشرة، ويمارسون الضغط من أجل تحقيق مطالبهم.. إنها آليات فاعلة وديمقراطية للمفاوضة الاجتماعية، والمشاركة فى صنع القرار.. آليات فاعلة للرقابة المجتمعية على موارد المجتمع التى تبددت فى سنوات تعسة غابت فيها كل رقابة، وغاب ضمير المجتمع وعقله مع غياب الديمقراطية.
إن العمال المصريين الذين حرموا عشرات السنين من حقهم فى تكوين نقاباتهم، والذين استلبت منهم منظماتهم وحركتهم النقابية المستقلة.. العمال المصريون الذين عانوا مظالم لا سبيل إلى تعدادها.. بطالة وأجور متدنية، انعدام الأمان الوظيفى وعقود عمل مؤقتة مجحفة باتت هى الصيغة السائدة فى جميع القطاعات.. منازعات عمل لا تعرف طريقها إلى التسوية..ومطالب سُدت السبل أمامها فلم تجد تعبيراً عنها سوى الإضراب أو التظاهر والحركة الاحتجاجية.. الوسيلة الوحيدة التى يمكن أن يلجأ إليها العمال والموظفين وجميع العاملين بأجر لاستدعاء المفاوضة-الوسيلة الوحيدة التى يمكن أن تفضى إليها فى غيبة آلياتها المفترضة.. فى هذا الفراغ الذى لا يمكن أن تملأه سوى النقابات الفاعلة الديمقراطية الممثلة.
إن العمال المصريين- الذين رفضوا دائماً تمثيلهم من خلال ذلك التنظيم الحكومى "الاتحاد العام لنقابات عمال مصر" الذى لم يكن يوماً سوى واحداً من مؤسسات الدولة، وجزءاً من منظومة الاستبداد والهيمنة... لم يعد ممكناً لهم اليوم- على الأخص- أن يقبلوا مثل هذا التمثيل بعد أن فقد هذا التنظيم كل ما تبقى له من "شرعية" شكلية.. حيث يعترى البطلان كافة تشكيلاته القائمة منذ بداية دورتها النقابية بموجب حكمى المحكمة الإدارية العليا رقم 661، 708 لسنة 48 ق، وأحكام المحكمة الإدارية أرقام 1827، 3469، 4328 لسنة 61 ق، وهى الأحكام التى صدر نزولاً عليها قرار مجلس الوزراء - بهيئة سابقة - فى جلسته رقم 20 المنعقدة بتاريخ 4/8/2011 حل مجلس إدارة الاتحاد العام لنقابات عمال مصر.. ثم أعقب ذلك صدور حكم المحكمة الدستورية العليا رقم 220 لسنة 19 قضائية بعدم دستورية نص المادة 11 من قرار وزير القوى العاملة والتدريب رقم 146 لسنة 1996... بما يترتب عليه من بطلان تشكيلات المجالس المفترض انتخابها وفقاً لهذه الإجراءات.
وفضلاً عن ذلك.. إن هذه التشكيلات الباطلة منذ بداية الدورة لم يعد لها وجود.. فقد ترتب على حل مجلس إدارة الاتحاد، ومجالس إدارات النقابات العامة إعادة تشكيلها فى جمعيات عمومية وهمية ليستبدل معظم أعضائها بآخرين لم ينتخبهم أحد ، تُمدد لهم الدورة النقابية عاماً بعد عام حتى أنها باتت فى عامها التاسع بينما العمال، والعاملين فى معظم الإدارات الحكومية ووحدات قطاع الأعمال العام ما برحوا أعضاءً فى هذه المؤسسة "شبه الرسمية" تُقتطع اشتراكاتهم فيها أوتوماتيكياً من رواتبهم، دون أن يكون لهم حق الانتخاب أو الترشيح لتشكيلاتها المعلقة .. وبينما يحتكر هذا التنظيم فاقد الشرعية أموال وممتلكات العمال المصريين التى آلت إليه عبر عقود من الاستبداد واستلاب إرادة العمال وحقهم فى إدارة أموالهم.
رغم أن العمال المصريين- الذين حرموا طويلاً من حقوقهم النقابية الديمقراطية الأصيلة- قد استطاعوا- فى أعقاب الثورة- انتزاع بعض من حرياتهم النقابية التى صدر بها الإعلان الوزارى فى الثانى عشر من مارس 2011 .. إلا أن ممارسة الحريات النقابية ظلت - تواجه - على الأرض- صعوبات بالغة، وتتعرض لانتهاكات فظة..عمال يفصلون على الهوية النقابية المستقلة، ومجالس نقابية يتم فصل أعضائها بالكامل.. الإدارات الحكومية تتدخل مباشرة ضد النقابات المستقلة وتمارس ضغوطها على العمال للانسحاب منها والانضمام "إلى الاتحاد العام لنقابات عمال مصر"-
العشرات يفقدون عملهم ومورد رزقهم الوحيد لممارستهم حقوقهم الديمقراطية المشروعة، بينما تُحجب الحماية القانونية عنهم على سند من القول بعدم صدور قانون المنظمات النقابية الجديد المنتظر.. وتتعثر إمكانيات المفاوضة الجماعية بين أطراف العمل فى ظل الأوضاع النقابية المقلوبة واستمرار القانون رقم 35 لسنة 1976 سيء السمعة الذى كان يفترض إلغاؤه صبيحة الثورة على منظومة الحكم السابقة.. وتتكشف للعيان بعض محاولات التنصل من كفالة الحريات النقابية على وقع تصريحات عن إدخال بعض التعديلات على مشروع القانون الماثل أمام مجلس الوزراء ولجنة الإصلاح التشريعى.
إننا إذ نعلن هذه الوثيقة نؤكد أن الحركة العمالية المصرية كانت ولم تزل حركة اجتماعية بالغة الأصالة تضرب بجذورها فى التاريخ المصرى الحديث متشابكة ومتقاطعة فى الكثير من النقاط واللحظات مع الحركات السياسية الوطنية والديمقراطية.. إنها الحركة التى قاومت وقائع الخصخصة المختلطة بالفساد، والتى لم تكف عن المطالبة بالعدل
الاجتماعى.. فضلاً عن نضالها الديمقراطى دفاعاً عن حقها فى منظماتها النقابية المستقلة.. داعين المجتمع المصرى بقطاعاته جميعها وقواه الحية والديمقراطية بأطيافها المتنوعة إلى مساندتهم والنضال معهم من أجل إسقاط كافة القيود القانونية التى تعوق تحرير نقاباتهم وتطوير منظماتهم الديمقراطية المستقلة إنما يؤكدون أن النقابات المستقلة الحقـــــة ليست شأن العمال وحدهم..
إنها حاجة المجتمع المصرى كله الملحة إلى الانتظام والتنظيم، وواحدة من أهم أدواته الفاعلة التى يمكن له من خلالها تجاوز نقطة اللاتوزن التى كان قد آل إليها تحت وطأة النظام الاستبدادى.
لهذا.. يؤكد العمال والنقابيون الموقعون على هذه الوثيقة على مطالبهم العادلة التالية:
إلغاء كافة القيود القانونية على حق العمال فى تكوين نقاباتهم المستقلة.
إصدار قانون المنظمات النقابية وفقاً للنسخة الأخيرة المقدمة من وزارة القوى العاملة والهجرة.
كفالة حق النقابات فى الوحدة والانفصال.. وحق العمال فى وحدات قطاع الأعمال العام وكافة الوحدات فى الاستقلال بنقاباتهم وإجراء انتخاباتها مع الاحتفاظ بكافة حقوقهم.
حق العمال جميعاً فى أموال وأصول ومؤسسات الاتحاد العام لنقابات عمال مصر.
حق العمال المفصولين من عملهم بسبب نشاطهم النقابى أو تمثيلهم العمال فى العودة إلى أعمالهم واقتضاء حقوقهم.
تفعيل آليات المفاوضة الجماعية على كافة المستويات وعلى أسس ديمقراطية.
حق العمال فى مناقشة القوانين التى يخاطبون بأحكامها وإبداء الرأى بشأنها من خلال آليات ديمقراطية وعلى الأخص مشروعى قانون العمل ، وقانون التأمينات الاجتماعية.. واللائحة التنفيذية لقانـــــــون الخدمة المدنية (مع إتاحة الفرصة لإدخال بعض التعديلات عليه حال مناقشته لإقراره من قبل البرلمان)
مشاركة العمال فى مناقشة ملف إصلاح وتطوير شركات قطاع الأعمال العام، وتسوية أوضاع الشركات المعلقة المتوقفة أو التى صدرت بشأنها أحكام قضائية.
كفالة حقوق العمالة غير المنتظمة والعمالة فى القطاعات غير الرسمية من خلال آليات عادلة ومنضبطة لإدماجهم وحماية حقوقهم.
إصدار قانون موحد بشأن الحد الأدنى للأجور، والعلاوة الدورية السنوية.
إعمال قاعدة الأجر المتساوى للعمل متساوى القيمة والتوجه المنتظم نحو المساواة بين العاملين فى القطاعات المختلفة وعلى الأخص بين الخاضعين للإدارات المحلية والتابعين للوزارات المختلفة، وتنفيذ الأحكام القضائية مع تعميم الأحكام الصادرة لصالح بعض الأفراد على كافة المماثلين لهم دون انتظار حصول كل منهم على حكم، ورد المبالغ المقتطعة من العاملين دون وجه حق بأثر رجعى.
توفير مظلة علاج ورعاية صحية ملائمة وحقيقية لكافة العاملين بأجر فى سائر القطاعات تشمل العلاج من كافة الأمراض ودون حد أقصى وبغض النظر عن طبيعة الوظيفة والأجر ومدة العمل.
الإعلان عن خطة قومية للتشغيل ومواجهة البطالة، وتعويض المتعطلين ببدل بطالة مناسب.
كفالة حد أدنى كريم لأصحاب المعاشات.
إن العمال المصريين يدركون أن تحقيق بعض هذه المطالب قد يتطلب بعض الوقت.. ولكنهم يطالبون بمفاوضة مجتمعية ديمقراطية بشأنها تنتهى إلى اتفاقيات واضحة تقر بالحقوق وتعلن بشفافية وتتضمن جدولاً زمنياً لتنفيذها.