عود على بدء مع اطلالة الاستحقاق الانتخابي تنطلق حملات القوى السياسية في لبنان نحو القوانين الانتخابية ولكل منها قول موحد "نريد قانونا عصريا يؤمن التمثيل الصحيح ويحفظ الوحدة الوطنية" لكن سرعان ما يتلاشى هذا الشعار عند اول نقاش او حوار جدي يقارب القانون الانتخابي،
من هنا يأتي سياق آخر في توصيف هذا الامر وكل فريق يبدأ باتهام الفريق الآخر بالاقصاء والتهميش والطائفية والغلبة، ولكل منها حجته ورؤيته صدقت ام لم تصدق وعليه يبدأ العصب المذهبي بالتصاعد عند كل مذهب تحت عنوان مصلحة الطائفة ومكاسبها.
بغض النظر عن صيغ القوانين المطروحة اليوم ومنها "اللقاء الارثوذكسي" ومعه المختلط والاكثري على انواعه هناك مشكلة جوهرية ، بدأت تتوسع يوما بعد يوم ليس بالضروري ان يكون الاستحقاق الانتخابي سببا رئيسيا في وجودها ، انما يظهرها بشكل كبير ، وتكمن هذه المشكلة بأن لبنان بلد يفتقد الى النظام وادارة الحكم وان الديمقراطية التي يعيشها انما تخفي في داخلها هذه الفوضى في النظام والادارة، اضافة الا ان الانقسام الطائفي يسهم في تعميق الازمة اكثر فأكثر ويأخذ من الديمقراطية غطاء لتعميق الانقسام من دون ايجاد مرجعية او نظام يضع حدا لهذا الامعان في الطائفية، منطلقا من اي نظام تحكمه الديمقراطية العاقلة التي ترتكز على النظام والعدالة والمساواة.
قد تكون الانتخابات التشريعية في اي بلد ديمقراطي لديه نظام في الحكم والادارة ، استحقاقا هاما جدا يسهم في التغيير والاصلاح والنهضة على كل الصعد ، اما في لبنان وعلى الرغم من ان كل فريق يحاول الايحاء بأن نجاحه في الانتخابات سيكون منطلقا للتغيير واصلاح الاقتصاد وتحقيق الامن السياسي والاجتماعي ، الا ان ذلك امر بعيد كل البعد عن الحقيقة ، والكل يعلم ان ما من احد قادر على حكم البلاد وتنفيذ مشروعه السياسي عبر فوزه بأكثرية مفترضة في مجلس النواب ، لان قواعد الحكم والفوضى في لبنان تنطلق من الجوار الى الاقليم وصولا الى الامم وهذا يعني ان الانتخابات في لبنان ومع احترامي الشديد لحق المواطن اللبناني في الاقتراع ، تجري ضمن معادلة اقليمية ودولية تضع القانون والاكثرية والمعارضة وفق شروط كل مرحلة وظروفها، وهذا ما حصل في انتخابات 2005 و2009 وسيحدث في 2013 ، ولا يعني هذا الكلام بالتأكيد اتهام كل القوى السياسية بالارتهان للخارج لكن الواقع الحقيقي ان لبنان منقسم بين مشروعين وهذا امر لا يخفى على احد ، لذلك لا يخاف احد في لبنان مهما كان مذهبه على وجوده ومصيره من قانون انتخابي عابر ، لان هذه الاستحقاق تفصيل يبدأ وينتهي في يومه ، والدائم الصامد في بلدنا هو "التسوية" التي ستجد طريقها في اي وقت و اي ظرف قبل الانتخابات او بعدها ، فالجميع سيكون منتصرا من سيحقق الاكثرية ومن يكون في موقع الاقلية ،فهل يمكن لاي قانون انتخابي ان يعطي فريقا سياسيا اكثر من ستة وثمانين نائبا اي ثلثي المجلس الذي يؤمن تعديل الدستور والحكم المطلق بالتأكيد لا والف لا ، اولا لان التوازنات السياسية والطائفية لا تسمح بذلك وثانيا لان العزيزة "التسوية " حاضرة ايضا ولها شروطها المقدسة التي تقضي باكثرية ضئيلة واقلية كبيرة في ارقى شكل ديمقراطي في العالم.
عزيزي المواطن ان المشكلة في وطنك اليوم ليست الانتخابات ولا قانونها المشكلة هي اننا نعيش في دولة تفتقد الى النظام والادارة في الحكم ، واننا بحاجة ماسة الى نظام وحكم يؤمن للدولة سلطتها وادارة ترعى حقوق المواطن ومؤسسات الدولة في العمل فوق اي اعتبار، قد تكون الاعتبارات الطائفية والمذهبية تسيطر على هذا الاستحقاق وتفرض شروطها وتسويتها ، لكن الا يمكن للمواطن اللبناني ان يأخذ حقوقه في الاقتصاد والامن ، واذا كان لا بد من جعل الانتخابات مفصلا سياسيا صرفا في الانقسام لكل الافرقاء ، فلماذا لا يتفق الافرقاء في تسوية اخرى تناقش الدين العام وانهيار الاقتصاد ووقف الهدر وتحصين موارد الدولة وزيادة الاستثمار وتأمين الحد الادنى من مقومات الحياة للمواطن اللبناني ، فلا اعتقد اننا يمكن ان نجد شعارا موحدا لدى الجميع سوى الانهيار الاقتصادي العابر للطوائف ، ولا احد ينكر ان الانقسام في لبنان بين مؤيد ومعارض يشمل "العلاقة مع سورية وايران واميركا والغرب ودول الخليج و السلاح والمحكمة الدولية والمشاريع السياسية لكل فريق وكيفية مقاربة العداء لاسرائيل واللائحة تطول ، لكن هناك امرا وحيدا يوحد كل اللبنانيين حوله ولاي مشروع سياسي انتموا هو الانهيار الاقتصادي والاجتماعي وكيفية معالجته ؟؟؟