بينما كان المشهد الداخلي غارقا في الانتخابات: موعدا وقانونا وهيئة اشراف وترشيحات، أطل الأميركيون على لبنان، أمس، من بوابة البترول اللبناني الموعود برا وبحرا، وذلك على مسافة ثلاثة اسابيع من الزيارة الخاطفة لوزير خارجية بريطانيا وليام هيغ لبيروت تحت العنوان ذاته.
وقد أعطت الزيارة الأميركية، برغم طابعها الاقتصادي ـ الاستثماري، اشارات واضحة الى حرص الأميركيين المتجدد على الاستقرار ومن خلاله على الحكومة، برغم كل محاولات الابتزاز السابقة، من أجل فرض وقائع لبنانية، خاصة بالدعوة الى اجراء الانتخابات وفق «قانون الستين».
وتجلت الإطلالة الأميركية من خلال زيارة نائب وزير الخارجية لشؤون الشرق الادنى لورانس سيلفرمن ونائب مساعد وزير الشؤون الديبلوماسية للطاقة آموس اوشسيتي اللذين أجريا محادثات مع رؤساء الجمهورية ميشال سليمان ومجلس النواب نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي ووزير الطاقة جبران باسيل.
وعلمت «السفير» ان الجانب اللبناني اعاد تأكيد حق لبنان في كامل حدوده الاقتصادية، والتشديد على حقه في المنطقة المتنازع عليها مع اسرائيل. كما استعرض ما بلغته المراحل الاعدادية والتحضيرات للبدء بعمليات التنقيب، وقدم للجانب الاميركي شرحا تقنيا كاملا حول هذا الموضوع.
واكد باسيل لـ«السفير» ان لبنان تلقى دعما أميركيا متجددا وتشجيعا على السير قدما في ملف التنقيب عن النفط والقيام بكل الخطوات المقررة. أضاف: لقد اجتمعت مع الوفد الاميركي ساعتين، والجو كان ايجابيا جدا، وكان هناك تشجيع واضح لنا، واشادة بكل العمل الذي انجزناه بمهنية وشفافية ووفق اعلى المعايير العالمية. واستطيع القول إن الاميركيين مشاركون في اكبر الشركات معنا، وبالتالي التشويش لا يقدم ولا يؤخر، فقد فرضنا في الموضوع النفطي امرا واقعا على الداخل والخارج لن يستطيع احد ايقافه، والكل يتعاطى معنا على اساسه.
لا ترشيحات في اليوم الاول
من جهة ثانية، مضى امس، اليوم الأول من فترة الشهر المحددة حتى 10 نيسان المقبل لتقديم الترشيحات للانتخابات النيابية على اساس « قانون الستين»، من دون ان تتلقى وزارة الداخلية أيّ طلب بهذا الخصوص.
وجدد الرئيس ميقاتي التأكيد على أهمية التوصل الى قانون انتخابي توافقي، وقال لـ«السفير» ان آلية «الستين» هي آلية ادارية لا يمكن القفز فوقها «وأنا من أكثر المتضررين من هذا القانون».
وردا على سؤال، قال ميقاتي انه يرفض «القانون الأرثوذكسي» معتبرا أنه قانون يشرع الفيدرالية والكانتونات وينسف الطائف.
ورد على منتقديه بهذا الخصوص قائلا: «لنقلب المعادلة. المسلمون ينتخبون النواب المسيحيين والمسيحيون ينتخبون النواب المسلمين وفق التوزيع الطائفي المعتمد حاليا».
وجدد ميقاتي القول إن الحكومة باقية وهي حمت لبنان على مدى سنتين هما من أصعب المراحل التاريخية التي مر بها البلد، لا بل أخطر وأعقد المراحل.
يأتي ذلك، بالتوازي مع استمرار الحوار «الاشتراكي» ـ المستقبلي» حول القانون المختلط، وكذلك ارتفاع حرارة النقاش حول هيئة الاشراف على الحملة الانتخابية، التي ترفض الاكثرية تشكيلها، خلافا لرأي رئيس الجمهورية الذي يستعجل ذلك، فيما اكد رئيس الحكومة ان «عدم تعيين الهيئة وخلال فترة لا تتجاوز الشهر، معناه القبول بعدم إجراء الانتخابات».
وقالت مصادر وزارية لـ«السفير» ان الاكثرية ليست معنية بدعوة الناخبين ولا بفترة تقديم الترشيحات على اساس «الستين»، خاصة وان كلا الامرين، لا يرتكزان على سند قانوني .
واستبعدت المصادر تعيين الهيئة في مجلس الوزراء لان معنى ذلك الاقرار بوجود «الستين»، فضلا عن ان تعيينها في غياب قانون ينص عليها ويحدد ماهيتها وصلاحيتها وآلية تعيينها، مخالف للقانون.
وكشف مرجع سياسي بارز في «8 آذار» لـ«السفير» ان الاكثرية أنجزت دراسة قانونية تبيّن ان «الستين» ناجز لمرة واحدة، وبالتالي هو ليس موجودا بعدما جرت الانتخابات على اساسه في العام 2009.
واشار الى ان الدراسة ترتكز على رأي هيئة الاستشارات والتشريع في وزارة العدل الذي اوضحت فيه صراحة ان «قانون الستين» وضع لمرة واحدة. وايد هذا الرأي وزير العدل شكيب قرطباوي الذي قال لـ«السفير»، أمس، ان اهم ما ورد في رأي الهيئة ان «قانون الستين» وضع لعملية انتخابية واحدة.
وفي هذا الاطار، عقدت «الهيئة القضائية العليا» امس، اجتماعا ثانيا برئاسة قرطباوي، بعدما اجتمعت في غيابه اثناء وجوده في زيارة الى المغرب قبل ايام، وحضر الاجتماع مدير عام وزارة العدل عمر الناطور، رئيس مجلس شورى الدولة شكري صادر، رئيس هيئة القضايا مروان كركبي، رئيس معهد القضاة سامي منصور، ورجلا القانون الاستاذ الجامعي الدكتور مارون يزبك والمحامي الدكتور وسيم خوري.
وعلمت «السفير» ان الهيئة بحثت في موضوع المهل الواجب خلالها تشكيل هيئة الاشراف على الحملة الانتخابية، بالاضافة الى الرأي الذي سبق ان ابدته هيئة التشريع والاستشارات.
ولم تخلص الهيئة الى رأي حول هذا الموضوع، على ان تنجزه في اجتماع ثان تعقده الخميس المقبل، ثم ترفع رأيها الى مجلس الوزراء، وبالتالي استبعد وزير العدل ان يطرح رأي هيئة التشريع والاستشارات على جلسة مجلس الوزراء المقررة اليوم في السرايا الحكومية.
وشكل تأليف هيئة الاشراف محور اتصالات رئاسية وسياسية مكثفة في الآونة الاخيرة، وعرض رئيس الجمهورية هذا الموضوع مع وزير العمل سليم جريصاتي، الذي زار ايضا رئيس مجلس النواب نبيه بري للغاية ذاتها. وجزم جريصاتي لـ«السفير» ان لا امكانية لتعيين هيئة الاشراف في مجلس الوزراء.
وادرج جريصاتي دعوة الناخبين، وتحديد مواعيد الترشيحات، ومحاولة تعيين هيئة الاشراف، وبعدها تعيين لجان القيد في سياق ما أسماها «المعارك العبثية الهادفة الى تشتيت التصويت على المشروع الارثوذكسي، وحملنا بطريقة او بأخرى على اعتبار «قانون الستين» امرا واقعا».