يقترب موعد تأجيل الانتخابات النيابية بمقدار اقتراب الاستحقاق نفسه، من دون آمال في التوافق على قانون جديد. بل بدت البلاد بلا قانون للانتخاب رغم قانون 2008، ولا تريد أن تذهب إلى الانتخابات بآخر يعصى على الأفرقاء التفاهم عليه. لا يقتربون إلا من التأجيل
في ظلّ استمرار تعذّر التوافق على اقتراح اللقاء الأرثوذكسي، وعلى أي اقتراح سواه، تقترب انتخابات 2013 من أن تكون في حكم المؤجلة. تُبرز هذا المنحى بضعة معطيات منها:
1 ـــ من المبكّر التكهّن بتمديد ولاية مجلس النواب. إلا أن المرجّح الآن تأجيل إداري للانتخابات بضعة أشهر أقصاها تشرين الأول. ويلاحظ القائلون بهذه الحجّة أن جهود التوصّل إلى قانون جديد للانتخاب تأخرت أكثر ممّا يقتضي، والبحث عن بديل يحتاج إلى وقت أطول ممّا يتبقى. إلا أن التأجيل ليس تمديداً بالضرورة.
2 ـــ لن يصار إلى تأجيل انتخابات 2013 قبل دخول البلاد في المهلة الدستورية لإجرائها، وهي شهران، مع الأخذ في الحسبان أن ولاية مجلس النواب تنتهي في 20 حزيران. إلا أن إطلاق الإشارة الجدّية للتأجيل لن ينتظر حتماً 20 نيسان، موعد بدء المهلة الدستورية لإجرائها، بل ستدوي صفارتها منتصف آذار المقبل، بعد أقل من ثلاثة أسابيع.
3 ـــ لن يُفصَح عن إشارة التأجيل الإداري إلا بعد تيقن رئيس المجلس نبيه برّي من أنه استنفد كل جهوده لتحقيق توافق داخلي على قانون جديد للانتخاب، سواء كان اقتراح اللقاء الأرثوذكسي، وهو خيار يكاد يكون مستحيلاً لتيّار المستقبل والحزب التقدّمي الاشتراكي، أو أي اقتراح آخر كالصيغة المختلطة التي تزاوج التصويتين النسبي والأكثري التي يعمل عليها، وهو بدوره خيار متعذّر حتى الآن على الأقل.
إلا أن رئيس المجلس، بآمال قليلة، سيواصل جهوده ويطرح ـــ من دون التنصّل من اقتراح اللقاء الأرثوذكسي وقد صوّت عليه نواب كتلته في جلسة اللجان النيابية المشتركة ـــ صيغة بديلة محتملة برسم التوافق ليس إلا. ورغم المواقف المعلنة والإيجابية في الظاهر من الصيغة المختلطة، تكمن العقبات في الخلاف الناشب بين الأفرقاء المعنيين على نسب التصويتين الأكثري والنسبي وتقسيم الدوائر والمحافظات وتوزيع المقاعد عليهما.
4 ـــ لن تكون الذريعة الحقيقية لتأجيل الانتخابات تعذّر وجود قانون انتخاب، بل احتمال مقاطعة أفرقاء أساسيين ـــ بل طوائف ـــ إياها على نحو يُخلّ بتوازن القوى السياسي والمذهبي القائم حالياً. يصحّ ذلك على القانون النافذ، قانون 2008، الذي يرفض الأفرقاء المسيحيون وتؤيدهم الثنائية الشيعية خوض انتخابات 2013 على أساسه، مثلما يصحّ على قانون اللقاء الأرثوذكسي إذا أقرّه مجلس النواب وأضحى نافذاً، فيقاطعه الأفرقاء السنّة والدروز. بذلك يصبح القانون النافذ، أياً يكن، الحجّة التي تقود إلى تأجيل الانتخابات من جراء المواقف السلبية للأطراف المعنيين به.
5 ـــ عندما تصطدم جهوده باستحالة التوافق من خلال تمسّك كل طرف بشروطه لقانون الانتخاب، لن يتردّد برّي في دعوة الهيئة العامة للمجلس إلى التصويت على اقتراح اللقاء الأرثوذكسي. لن يكون هذا التصويت مؤشراً إلى إجراء الانتخابات، بل بالتأكيد إلى ترسيخ الاعتقاد بأنها لن تجرى أبداً، ما يضع الأفرقاء جميعاً في صدارة التسليم بتأجيل إداري لها أشهراً قليلة.
6 ـــ لا تتوهّم قوى 8 آذار بعدم تمكنها من توفير النصاب القانوني لالتئام جلسة التصويت على اقتراح اللقاء الأرثوذكسي في مجلس النواب، وكذلك نصاب إقراره. يحتاج نصاب الانعقاد إلى 65 نائباً لافتتاح الجلسة، وإلى الأكثرية النسبية في أسوأ الأحوال من ضمن الأكثرية المطلقة التي يوفرها النواب الـ65 للتصويت عليه والمصادقة عليه. كلاهما متوافر. إلا أن التصويت سيكون حتماً مربكاً ومكلفاً عندئذ بدفع الوضع الداخلي إلى مزيد من التشنّج والانقسام، وإن لم يقد أحداً إلى صناديق الاقتراع: يغيب عن التصويت النواب الدروز ما خلا اثنين، والنواب السنّة جميعاً بعد إعلان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي رفضه الاقتراح. يحضره في المقابل نواب حزبي الكتائب والقوات اللبنانية. بل يقتضي عدم استبعاد تغيّب نواب في الحزبين عن الجلسة بسبب رفضهم، رغم قرار قيادتي الحزبين، اقتراح اللقاء الأرثوذكسي.
لا تفضي مجازفة كهذه سوى إلى نتيجتين فوريتين: أولاهما أنه تصويت بالقوة لفرض غلبة فريق على آخر، وثانيتهما أن انتخابات 2013 باتت حكماً في طور التأجيل.
7 ـــ رغم انفتاحهما على أي اقتراح آخر يتجاوز اقتراح اللقاء الأرثوذكسي إذا آل إلى الأهداف التي يتوخاها، من دون تخليهما عن حليفيهما تيّار المستقبل، لم يوحِ حزبا الكتائب والقوات اللبنانية حتى الآن بأي موقف يُستشم منه استعداداهما للتراجع عن اقتراح اللقاء الأرثوذكسي. بل لا يزالان يؤكدان إصرارهما على المضي فيه كي يدحضا ظنون الحلفاء بأنهما كانا يناوران، ويتمسكان في الوقت نفسه به كي يصلا إلى النتيجة المرتجاة منه، ومن أي قانون مشابه، وهو حصول المسيحيين على نوابهم جميعاً، وردّ الاعتبار إلى حجمي الحزبين من داخل تحالف قوى 14 آذار وتأكيد موقع الشراكة الفعلية فيه.
قد لا تكون هذه وجهة نظر الرئيس ميشال عون وحلفائه في « تكتل التغيير والإصلاح»، إذ يجد في اقتراح اللقاء الأرثوذكسي الوسيلة والهدف في آن واحد لخوض معركة سياسية ضارية مع تيّار المستقبل تتجاوز قانون الانتخاب إلى موازين القوى السياسية الداخلية.