أن يقوم الفرد بتجاوز القوانين الطائفية في الإنتخابات النيابية كما في قضية الأحوال الشخصية (الزواج المدني مثالاً) خطوة تكفلها قراءات متعمقة للدستور، هذا باختصار ما يمكن استخلاصه بعد متابعة اللقاء التنسيقي لقوى الديموقراطية أمس. فقد شدد اللقاء على ضرورة "اعتماد قانون مركب، بحيث تكون نسبة النواب الذين ينتخبون على قاعدة المواطنة (نسبية على مستوى الوطن خارج القيد الطائفي) مساوية لنسبة الذين يرفضون الطائفية من المواطنين، وتكون نسبة النواب الذين ينتخبون على القاعدة الطائفية مساوية لنسبة الذين يوافقون إفرادياً على هذه القاعدة".
عناوين ثلاثة احتلت اهتمام اللقاء أمس (الجمعة 15 شباط) في قصر اليونيسكو في بيروت، دارت حول "النظام التمثيلي السياسي والإنتخابات اللبنانية" و"الطبيعة المدنية للدولة اللبنانية" و"موجبات أداء السلطة العامة وموضوع سلسلة الرتب والرواتب". اللقاء الذي شارك فيه ممثلون عن "المبادرة الوطنية للدفاع عن السلم الأهلي والتغيير الديموقراطي" و"التحالف الوطني التقدمي" و"الحركة الوطنية للتغيير الديموقراطي"، خرج عنه بيان استند إلى مواد الدستور اللبناني في قراءة قانونية ومطلبية رافضة للمشاريع الطائفية والمذهبية المطروحة في إطار العناوين الثلاثة.
تلا الوزير السابق شربل نحاس البيان الذي توصل إليه ممثلو الهيئات المشاركة في اللقاء التنسيقي، فذكّر أنه "حصل في مجال التمثيل السياسي... قضم تدريجي للمبادئ الأساسية للدولة، بما سُمي أعرافاً وعادات أولاً، ثم بتعديلات نصية، لم يُكلّف واضعوها أنفسهم عناء إعادة تنظيم مجمل الاستنادات الدستورية والقانونية للحفاظ على تناسقها". فالمبادئ الدستورية الأساسية (كما وردت في دستور 1926، وتم تأكيدها في المقدمة المضافة عام 1990) تؤكد على احترام الحريات العامة و"في طليعتها حرية الرأي والمعتقد" (المقدمة- ج) و"الشعب مصدر السلطات"(مادة 7) "وكل عضو في مجلس النواب يمثل الأمة جمعاء" (مادة 27). جاء في البيان أيضاً أنه لم يرد في الدستور، قبل وثيقة الوفاق الوطني وتعديلات 1990، أي ذكر للطائفية في التمثيل السياسي، وأنه تم الإتفاق في مؤتمر الطائف على إقرار مبدأين يجب أن يرتكز عليهما أي قانون إنتخابي، وهما من جهة ضمان "صيغة العيش المشترك" عند رسم الدوائر الإنتخابية، ففي الفقرة "ي" من مقدمة الدستور أن "لا شرعية لأي سلطة تناقض صيغة العيش المشترك"، وتبين "العودة إلى محاضر المناقشات في الطائف، أن أول مجلس للنواب يُنتخب على اساس المساواة بين المسلمين والمسيحيين، أما المجلس الذي يليه فيُنتخب على أساس وطني وليس طائفي". وفيما يتعلق بقضية المناصفة بين "المسلمين والمسيحيين" الواردة في المادة 95 وهي من "الأحكام المؤقتة"، فقد أتى في الموجبات الملقاة على مجلس النواب "اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية". هذه القراءة استند عليها واضعو البيان للتأكيد على أن أي قانون مركب من قبل القوى الطائفية ويصنف اللبنانيين قسرياً ضمن مجموعات الطوائف إنما هو قانون مخالف لجوهر الدستور.
تضمن البيان التغييرات التي شهدها لبنان والتي جعلت المجتمع اللبناني الحقيقي بعيداً عن صورة مجتمع إحصاء 1932، كعمليات النزوح من الريف، التهجير بفعل الحرب الأهلية والفرز الديموغرافي "فلم يعد من الممكن رسم الدوائر الإنتخابية بما يؤمن صيغة العيش المشترك، وهكذا فإن جعل لبنان دائرة إنتخابية واحدة هو الطريقة الوحيدة الملائمة عملياً لضمان هذه الصيغة ولإحترام المبدأ الدستوري والدولة المدنية"، ورأى اللقاء أن استعادة انتظام التمثيل السياسي لا يتم إلا من خلال لبنان دائرة واحدة، واعتماد مبدأ النسبية مع لوائح مغلقة ودون عتبة دنيا للتمثيل، وخارج القيد الطائفي.
حذّر ممثلو الهيئات المجتمعة في اليونيسكو، في بيانهم، من عملية تمديد للطاقم الحالي في المجلس النيابي إذ "لا يجوز للوكيل أن يمدد بحكم وكالة محدودة في الزمن، مدة وكالته".
العنوان الثاني الذي تناوله أمس اللقاء التنسيقي تركز على "الطبيعة المدنية للدولة اللبنانية، وجاء في البيان الذي تلاه نحّاس أن المادة التاسعة تنص على "حرية المعتقد المطلقة" وقد أتى "إحترام الأديان والمذاهب وكفالة إقامة الشعائر الدينية" بوصفه تعهداً من الدولة في سياق حرية المعتقد، وهو تعهّد يبقى مشروطاً "بعدم الإخلال بالنظام العام"، وهو محصور بالأهلين ومللهم المختلفة – أي الإستثناء- "وليس بالتالي بأي شكل من الأشكال إلغاء للقاعدة العامة" أو منعا من الدولة لذاتها عن تحمل تبعاتها في مجال وضع أنظمة الأحوال الشخصية لمن يختارها، وذكر البيان بقرار "المفوض السامي رقم 60 – ل ر، لسنة 1936، وفيه "من حق كل لبناني أدرك سن الرشد وكان متمتعاً بقواه العقلية أن يترك أو يعتنق طائفة ذات نظام شخصي معترف بها، ويكون لهذا الترك أو الاعتناق مفعوله المدني، ويمكنه أن يحصل على تصحيح القيود المختصة به في سجل النفوس".
فيما أرست النصوص القانونية تشكيل الملل بنصوص تشريعية إلا أنها نصت أيضاً أنه "للبنانيين الذين ينتمون إلى طائفة تابعة للحق العادي (أي التي لا تنص على أنظمة خاصة للأحوال الشخصية) والذين لا ينتمون لطائفة ما "خضوعهم للقانون المدني في الأمور المتعلقة بالأحوال الشخصية"، ليتضح وفق معدي البيان أن النظام في لبنان مدني بكليته "وحتى أنظمة الأحوال الشخصية تكتسب صلاحيتها من قبول الدولة بها".
فنّد المجتمعون أمس في بيانهم المخالفات القانونية التي ترتكبها الحكومة اللبنانية (وحكومات سابقة)، إذ تتخلف عن الموجب الدستوري بتقديم مشروع الموازنة السنوية لسنتين متتاليتين "وبتقديم الحسابات الصحيحة للإدارة المالية للدولة منذ 1990". ولفت البيان إلى إعلان الحكومة بأن النفقات المترتبة على زيادة الأجور في الإدارة وعلى تعديل سلسلة الرتب والرواتب "لا تدخل في مشروع الموازنة" وأنها تبحث لها عن تمويل إنما يشكل خطوة تضرب خلالها عرض الحائط بمبدأ شمولية الموازنة، وجاء في البيان أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي خرق الدستور من خلال تعطيل قرار السلطة الإجرائية في 6 أيلول الماضي بتطبيق السلسلة، إذ أنه لم يقم بإحالة مشروع القانون من مجلس الوزراء إلى مجلس النواب.
توقف واضعو البيان عند عدد من المخالفات القانونية التي ارتكبتها الحكومة اللبنانية، إذ لم تقم وزارة العمل والحكومة بتعيين الحد الأدنى للأجور وتحديد كيفية تطبيق نسبة غلاء المعيشة على الأجور لسنة 2012. وبعدما أبطل مجلس شورى الدولة المراسيم غير القانونية الصادرة بين 1996 و2010 والمتعلقة بما سُمي "بدل النقل والمنح المدرسية" تمت بعض المخالفات منها "إصدار مرسوم باطل ومزور" في مجلس الوزراء ومن ثم إقراره في مجلس النواب على نحو يجيز للحكومة تحديد بدل للنقل بهدف اقتطاعه من الأجر، كما تم التغاضي عن اعتداءات على حرية العمل النقابي (مثال عمال شركة سبينس).
المجتمعون أمس دعوا أخيراً إلى تحركات متضامنة أو مواكبة لتحركات هيئة التنسيق النقابية وتحركات مقابلة لاجتماعات اللجان النيابية المشتركة لإقرار القانون الإنتخابي.