يمكن ما يحصل بين تيار المستقبل والقوات اللبنانية أن يجد طريقه إلى حل ودي في النهاية. أما العلاقة بين القوات والنائب بطرس حرب فلا يمكن تخيل عودتها إلى مجراها السابق، بعد ذهاب حرب إلى حيث لم يعد يجرؤ الآخرون، لتعلمهم من دروس الرئيس أمين الجميل والنائب ميشال المر والنائب السابق إيلي الفرزلي
في أساسها، القوات اللبنانية مظلة تجتمع القيادات المسيحية في ظلها. قوتها في وحدتها وفي حلولها محل الشخصيات المستقلة التي تفتح على حسابها وتغنّي على ليل من يحاسبها. يروي من يعرف الرئيس بشير الجميل أنه كان مطمئناً إلى نفوذه الكتائبي، فسعى إلى إنشاء القوات لتوسيع رقعة نفوذه ووضع يده على الأحزاب المسيحية الأخرى. ولم يلبث والد بشير، الشيخ بيار الجميل، أن أعجب بفكرة القوات حين اكتشف أن صناديق السلاح والمال باتت تصل إلى مراكز الكتائب ليعيد الجميل الابن توزيعها على أفرقاء القوات. وعليه، ما كاد رئيس حزب القوات سمير جعجع يضع اللمسات الأخيرة على قلعته المعرابية عام 2008، حتى هيّأ طاولة اجتماعات كبيرة، افترض، متأثراً بإيحاءات حريريّة، أن النائبة نايلة تويني ستجلس عليها، الى جانب رئيس حزب الوطنيين الأحرار دوري شمعون، وطبعاً عميد حزب الكتلة الوطنية كارلوس إده، والنواب سيرج طور سركيسيان وميشال فرعون وبطرس حرب والأحزاب الأرمنية المعارضة للطاشناق، إضافة إلى المنضوين حالياً في اجتماعات كتلة القوات وأرتال النواب السابقين. وفي العقل الجعجعي، أنه حين يكتفي بدعم لوائح 14 آذار في جبيل وكسروان وبعبدا والأشرفية، من دون تسمية مرشحين خاصين به، فإن أعضاء هذه اللوائح سيردّون جميله بأحسن منه، ويركضون فور انتخابهم إلى معراب. إلا أن ذلك لم يحصل.
لم يكتف هؤلاء بعدم الانضمام إلى تكتل القوات اللبنانية، إنما عمدوا إلى الاجتماع مرتين، خلال أقل من عشرة أيام، لإصدار بيانات معارضة لتوجهات جعجع السياسية ــــ الانتخابية، مؤكدين أن جعجع والنائب سامي الجميل لا يحتكران النطق باسم مسيحيي 14 آذار. يسعى قائد القوات للقول إنه الناطق باسم المسيحيين، فيقول له حرب ومجلسه في الحازمية: ليس باسم مسيحيي 14 آذار حتى. ولا يلبث، بعد أقل من 48 ساعة على اجتماع مجلس حرب الثاني، أن يُسرّب في موقع قريب من القوات اللبنانية خبر عن تناول مسؤول بارز في القوات اللبنانية الغداء مع المرشح التنوريني السابق نزار يونس. والاخير حليف الوزير جبران باسيل في البترون، قبل أن يلغي الأخير مناقصة فازت بها شركة يونس الذي بدأ بإجراءات لمقاضاة وزارة الطاقة ومن يُمسك بها.
ورغم سعي حرب، بعد تسريب خبر الاجتماع، إلى استلحاق نفسه ومحاولة تبرير اندفاعته، يقول مطلعون على تفاصيل العلاقة بين «المجلس الحربي» (نسبة إلى حرب) والقوات إن أكثرية المجتمعين في الحازمية هم ممن حلّ جعجع محلهم في مناطقهم. البداية من دوري شمعون: لا يعلم النائب الشوفيّ إن كان الكرسي الذي يُجلسه النائب وليد جنبلاط عليه سيبقى أو سيسحب من تحته في الانتخابات المقبلة. لكنه يعلم، في المقابل، أن القوات تعارض مجرد البحث في ترشيح أحد الوطنيين الأحرار في بعبدا أو المتن أو كسروان أو أية دائرة أخرى، لثقتها بأن الحجم الحالي لحزب كميل شمعون لا يسمح بتمثيله نيابيّاً. أما إده، فقد أكلت القوات يابسه بعدما أكل التيار الوطني الحر أخضره. رئيس حركة الاستقلال ميشال معوض لا يعرف ما إذا كانت مشاريع القوات تلحظ ترشحه في قضاء زغرتا بعد اختيار القوات مرشحَين من أصل ثلاثة فيما لا يزال استدراج العروض شغالاً في معراب. وحتى في حال وافقت القوات على ترشيحه هذه المرة، فربما ستكون المرة الأخيرة في حال استمرار النشاط القواتي في زغرتا على وتيرته الحالية. أما عضو كتلة المستقبل نقولا غصن، الذي يحضر اجتماعات «المستقلين» المفترضين، فقد سحبت القوات كرسيه من تحته، بعدما بات حجمها في الكورة أكبر من حجم المستقبل، ويحق لها بالتالي عكس المعادلة القائمة اليوم للحصول على مقعدين مقابل مقعد مستقبلي واحد. فيما الياس عطالله لا يحلم بالترشح عن أحد المقاعد المارونية بعدما ولّت أيام السجن الجعجعي وفائض النواب المسيحيين المستقبلي. في «المجلس الحربيّ»، ثمة مجموعة يُقال لها «حركة التجدد الديمقراطي». لا تحسب القوات حسابها في الانتخابات البلدية والاختيارية، ناهيك عن النيابية. والواضح، هنا، أن من لم تنته صلاحياتهم، بحسب معمل القوات اللبنانية، لم يلبّوا دعوات رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة إلى هذه الاجتماعات: فأمين سر قوى 14 آذار النائب السابق فارس سعيد يأبى عادة أن يجتمع اثنان من قوى 14 آذار إلا ويكون، قبل فنجان القهوة، ثالثهما؛ لكنه ينأى بنفسه عن موائد حرب المفتوحة. والنائب ميشال المر يلهث خلف لقاء يذكّر المواطنين عشية الانتخابات ببهو وزارة الداخلية في أيامه، لكنه يفضّل سريره البتغرينيّ الدافئ على مجلس الحازمية. حتى الوزير السابق فارس بويز ورئيس جمعية الصناعيين نعمة افرام والنائب السابق غبريال المر وغيرهم من رواد «السلم الأهلي»، كما يراه بطرس حرب، لم يسعوا للمشاركة. كان يمكن المجتمعين الاستفادة من خطّ النائب السابق فريد هيكل الخازن الحلو في تدوين محاضر الاجتماعات، لكن مصلحة الشيخ الانتخابية، وهي مصلحة عليا، تقتضي مراعاة جعجع اليوم أكثر من تيار المستقبل ومتفرعاته.
وإلى جانب العزلة الانتخابية، يبدو واضحاً أن المجتمعين عند حرب لا يملكون، ثانياً، شعبية يخشى عليها من معارضة اقتراح القانون الأرثوذكسي: لا النائب السابق الياس عطالله مار الياس عصره، ولا كارلوس إده حافظ على صورة عمه، وليس جواد بولس الجديد جزءاً يسيراً، أقله، من جواد بولس القديم، ولا دوري شمعون زلفا عصره (كي لا يُقال كميل شمعون عصره). أما حيثية بطرس حرب وميشال معوض العشائرية ــــ العائلية ــــ المناطقية ــــ المذهبية وحيثية ميشال فرعون الخدماتية فتصبر عليهم وتثبت معهم، من دون إيلاء مواقفهم أي اعتبار. وهي لو انتبهت يوماً إلى مواقفهم لطلّقتهم عند مطران السريان الأرثوذكس فوراً.
في النتيجة، سينتهي هرج القانون الأرثوذكسي قريباً. أما «عنتريات حرب» فستبقى عالقة، ليس في رأس البطريرك بشارة الراعي أو العماد ميشال عون أو النائب سامي الجميل كما يتخيل كثيرون، إنما في معراب: تُذكّر جعجع أن جاره التنورينيّ، ما غيره، هو من كسر كلمته. فعل حرب ما لا يجرؤ الرئيس أمين الجميل، المعروف بعناده، على فعله، ربما لأنه سبق وذاق مرّ المنفى الطوعي. وحين يتعلق الأمر بجعجع، فربما يعلم حرب، أن نائب رئيس المجلس النيابي السابق إيلي الفرزلي يرى بعين واحدة وأن نائب رئيس الحكومة السابق ميشال المر يسمع بأذن واحدة.