الدولار "يعانق" الستين ألف ليرة: خطة مصرفية متعمَّدة - جريدة المدن - عزة الحاج حسن

 
 - Jan 27, 2023



 يتسارع انهيار الليرة اللبنانية في مقابل الدولار بشكل دراماتيكي، يتجاوز كل توقعات تهاويها. وإن كان مسار الأزمة المالية والنقدية يدفع بالعملة الوطنية إلى الانهيار كنتيجة طبيعية لغياب الحلول الفعلية، غير أن عوامل أخرى عزّزت ذلك التدهور السريع للعملة.

ولم يعد السؤال "لماذا يرتفع الدولار بهذا الشكل الجنوني" جائزاً، إنما السؤال الأدق: هل من أسباب لتراجع الدولار؟ الجواب لا، ليس هناك من عوامل دافعة لتراجع الدولار في مقابل الليرة، أقله في الوقت الحالي. ليس تشاؤماً أو تهويلاً، إنما تفنيداً لحقائق واضحة تحاول السلطة تحريفها مراراً، لتمديد أمدها وطمسها، في إطار حسابات خاصة بين أطراف السلطة النقدية والسياسية، ومعها السلطة القضائية والامنية.

دولار اليوم
يسجّل سعر صرف الدولار زيادات يومية تفوق الـ1000 ليرة وأحياناً 2000 ليرة. وقد لامس اليوم، الخميس 26 كانون الثاني، مستوى 60 الف ليرة مسجلاً 59500 ليرة و59600 ليرة (حتى موعد نشر هذا التقرير). وبذلك تكون الليرة اللبنانية قد خسرت من قيمتها منذ بداية الأزمة عام 2019 وحتى اليوم أكثر من 95 في المئة.

في مقابل السعر الحقيقي للدولار، أي سعر السوق السوداء، هناك دولار منصة صيرفة الذي يسجّل استقراراً منذ اسابيع ويبلغ 38 ألف ليرة، مع اتساع الفارق بينه وبين السعر المتداول للدولار إلى ما يزيد عن 21000 ليرة. في حين يبلغ السعر الرسمي لصرف الدولار مقابل الليرة 1507 ليرات، ومن المفترض أن يتم اعتماد سعر الصرف الجديد 15000 ليرة بدءاً من شهر شباط المقبل أي بعد بضعة أيام.

أسباب "انفلات" الدولار
الارتفاع الذي يسلكه سعر صرف الدولار بشكله العام ليس غريباً ولا مستجداً، وهو نتاج مماطلة السلطات النقدية والمالية والسياسية على مدار أكثر من 3 سنوات، وإعاقة صوغ اي حلول جذرية. فمنذ اندلاع الأزمة وحتى اليوم لم يتم اتخاذ أي إجراء مالي اقتصادي فعلي، ولم تُصغ أي خطة إصلاحية شاملة لا بل أكثر من ذلك، فالسلطة السياسية والنقدية في لبنان أحبطت أي آمال بإبرام اتفاق قريب مع صندوق  النقد الدولي.

من هنا تبدو عوامل انهيار العملة الوطنية قائمة ومستمرة منذ سنوات، أما الحلول المؤقتة والمخدّرة، التي يبتدعها مصرف لبنان بشكل مستمر، وتقوم على منصة صيرفة وقرارات وتعاميم "ترقيعية" إنما فقدت مفعولها، بعد إهدار المليارات من الدولارات تحت ذريعة ضبط السوق من دون جدوى. وتراجعت عمليات صيرفة إلى الحدود الدنيا في الأيام الأخيرة (38 مليون دولار يوم الاربعاء).

ولا يمكن استبعاد بعض العوامل المستجدة التي سرّعت بارتفاع سعر صرف الدولار في مقابل انهيار الليرة بشكل "صاروخي" في الأيام القليلة الماضية. ولا شك ان فتح ملفات تهريب الأموال وتبييض الأموال، وما بينهما من جرائم مالية من قبل محققين أوروبيين، واستشعار بعض القيادات النقدية والسياسية بافتضاح ممارساتها، إلى جانب حراك وزارة الخزانة الأميركية تجاه لبنان وفرضها مؤخراً عقوبات على شركة صيرفة يمثّل صاحبها صلة وصل بين مصرف لبنان وحزب الله، بالإضافة إلى ذكر كيان مصرف لبنان في قرار وزارة الخزانة للمرة الأولى في ظل صمت السلطات في لبنان.. كل تلك العوامل تدفع إلى انكشاف السوق على حقيقة الأزمة، وحقيقة الوضع المزري الذي وصل إليه الاقتصاد اللبناني كنتاج لسياسات "مافياوية"، وتدفع بطبيعة الحال إلى تسارع انهيار العملة الوطنية، ما يعزز المخاوف من انفجار اجتماعي أو أمني.

الودائع "تتآكل"
يتعرّض ما تبقّى من ودائع في المصارف اللبنانية إلى عملية تآكل "متعمّدة" تترافق مع ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السواء. وكانت "المدن" قد أشارت في تقرير سابق، إلى المكاسب التي قد تحققها المصارف من تجاوز سعر صرف الدولار في شهر شباط المقبل مستوى 55 ألف ليرة و60 ألف ليرة.

فبعد أيام تبدأ عملية احتساب قيمة الدولار المصرفي وفق التعميمين 151 و158 (أي 8000 ليرة و12000 ليرة) عند 15000 ليرة، وبالنظر إلى ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء إلى عتبة 60 الف ليرة فمن شأن الدولار المصرفي الجديد أن يفقد قيمته. ما يعني أن نسبة الإقتطاع من الودائع كانت وستبقى في محيط 75 في المئة. وهذا ما يؤكد أن مسألة تذويب الودائع هي سياسة قائمة بحد ذاتها، وليست نتائج تدهور عشوائي لسعر الصرف.

بالنتيجة يبدو أن لا رادع اليوم لتصاعد قيمة الدولار على حساب الليرة والودائع ومعيشة المواطنين، فالانهيار واقع لا محالة والفوضى باتت المتحكّم الأول بالسوق. بانتظار إجراء من هنا أو قرار من هناك قد يخفّف من زخم الدولار مؤقتاً وإن باتت "المسكّنات" غير مجدية.

 
أضف تعليقك





الرئيسية
من نحن
استشارات
مواقع صديقة
فئات خاصة
أراء ,مقالات و تحقيقات
دراسات ومؤتمرات
القطاع التعليمي، التربوي، الصحة و الدواء
النظام الداخلي للمركز



يوجد حاليا

زائر حالياً  
© جميع الحقوق محفوظة جمعية المركز اللبناني للتدريب النقابي

إن الآراء الواردة في الموقع تمثل أصحابها وليس بالضرورة رأي الجمعية
تصميم و برمجة