أسباب تدفع إلى إقرار قانون الكابيتال كونترول على الرغم من الثُغرات - جريدة الديار - جاسم عجاقة

 
 - Nov 24, 2022



 

حاكم المركزي يستلم إدارة الأزمة المالية في ظل عجز السلطة السياسية

في مقابلة على شاشة قناة الحرّة، صرّح حاكم المصرف المركزي أنه سيبدأ تطبيق سعر صرف جديد لليرة مقابل الدولار الأميركي وذلك إبتداءً من أول شباط من العام 2023. وإذا كان هذا الإجراء الذي يهدف إلى توحيد أسعار الصرف هو خطّوة جيدة، إلا أن الخطورة فيه أنه يؤكد استقالة الحكومة من مهامها التفاوضية مع صندوق النقد الدولي في ظل عجز القوى السياسية عن انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة أصيلة قادرة على إنجاز المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وإجراء الإصلاحات الضرورية لفتح الباب أمام الاستثمارات الخارجية واستثمارات المغتربين وإعادة الثقة بالقطاع المصرفي من خلال إعادة هيكلته.

إدارة الأزمة

الظاهر من مقابلة حاكم المركزي ومن الإجراءات التي بدأ اعتمادها في القطاع المصرفي أن خطته لإدارة الأزمة المالية والمصرفية تتمحور حول محورين أساسيين:

 

أولًا – بدء المرحلة الأولى من توحيد سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي، وذلك من خلال رفع سعر الدولار في التعاملات التجارية بين المصرف المركزي والمصارف والدولة والمواطن من دون أن يشمل ذلك العمليات الاقتصادية التي تبقى على سعر السوق السوداء (أعلى من سعر الصرف الجديد). هذا الأمر سيسمح بتوحيد سعر الصرف في كل التعاملات التجارية بين هؤلاء اللاعبين باستثناء الاتصالات التي تعمل على سعر منصة صيرفة. الفارق بين سعر السوق السوداء وسعر الـ 15 ألف ليرة سيبقى في المرحلة الأولى وسيتم التوجّه تدريجيًا نحو منصة صيرفة من خلال قرارات تتخذها الحكومة نظرًا إلى الصلاحيات المعطاة لها بالقانون. ويبقى اختيار التثبيت على سعر صرف الـ 15 ألف ليرة مقابل الدولار – وهو سعر بعيد عن منصة صيرفة وعن سعر السوق السوداء – نقلة وسطية تسمح للمركزي بتحديد التداعيات السلبية على النظام المالي والمصرفي وعلى الاقتصاد (الذي يعمل على سعر السوق السوداء) والتحوط ضدها.

عمليًا قد يكون من الممكن الوصول إلى سعر موحدّ بين التعاملات بين المصرف المركزي والمصارف والدولة والمواطن من جهة وبين منصة صيرفة من جهة أخرى في غضون أشهر من بدء المرحلة الأولى. لكن سعر السوق السوداء سيبقى أعلى من منصة صيرفة حتى استعادة الثقة الكاملة بالقطاع المصرفي وبدء احتساب الدولار المصرفي بقيمته الحقيقية.

أيضًا نرى أن التوجّه هو نحو التخلّي التدّريجي عن تثبيت سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي مع تدخّل من قبل المصرف المركزي لمنع القفزات الكبيرة والآنية والتي تضرب استقرار أسعار السلع والبضائع، وبالتالي تضرب الأمن الغذائي والاجتماعي.

ثانيًا – إعادة هيكلة القطاع المصرفي. وهذا المحور صعب ومُعقّد جدًا، والأسئلة حول المنهجية التي سيعتمدها المركزي في مقاربته هذا الملف كثيرة. فالمعروف أن لا مصلحة للمركزي – كما للمودعين – بضرب القطاع المصرفي، إلا أن المصرف المركزي لا يمكنه الوقوف مكتوف الأيدي تجاه المصارف التي لا تستطيع الإلتزام بالمعايير المفروضة.

إعادة الهيكلة تتضمّن ثلاثة أوجه: الهيكلة المالية (دين ورأسمال)، الهيكلية القانونية (إستمرارية أو دمج أو استحواذ أو حل ذاتي)، الهيكلية التشغيلية (آليات العمل) وهي ممكنة في كل الأحوال نظرًا إلى أن القطاع خاضع لرقابة من قبل المركزي.

رفع سعر الصرف إلى 15 ألف ليرة يعني أن رساميل المصارف (كما رساميل كل الشركات) ستنخفض من 18 مليار دولار أميركي حاليًا إلى ما بين 3 إلى 4 مليار دولار أميركي. وبما أن حجم رأسمال المصرف مرتبط بطبيعة الأنشطة وحجم الالتزامات للمصرف، فإن إعادة تكوين رأسمال المصارف يفرض نفسه. من هنا نتوقّع أن يصدر تعميم مكّمل أو معدِّل للتعميم 154 يفرض على المصارف نُسبا جديدة لرأس المال، بالإضافة إلى مدة للالتزام بهذه المتطلبات الجديدة. الجدير ذكره أن لجنة الرقابة على المصارف كانت قد درست في أذار 2021 ملفات كامل المصارف ومدى التزام كلٍ منها بالتعميم 154، وبالتالي لدى لجنة الرقابة على المصارف صورة واضحة عن وضعية كل مصرف. هذه الصورة بحاجة إلى تحديث مع المعطيات الجديدة، وبالتالي من المتوقّع إصدار تعميم يلي التعميم السابق الذكر لإرسال وضعيتها بالنسبة للمتطلبات الجديدة.

أربع حالات ستظهر حكمًا: المصارف التي تريد الالتزام وقادرة على الالتزام، المصارف التي تريد الالتزام ولكنها غير قادرة، والمصارف التي لا تريد الالتزام على الرغم من قدرتها على ذلك، والمصارف التي لا تريد الالتزام ولا قدرة لها على ذلك حتى ولو أظهرت رغبة. وهنا يُطرح السؤال عن المنهجية التي سيعتمدها المصرف المركزي مع كل حالة من هذه الحالات والتي من المفروض أن تظهر في قانون إعادة هيكلة المصارف.

على كل الأحوال، تبقى كلمة السرّ الأساسية «الحفاظ على الودائع» بحكم أن المسّ بها هو ضربة قاضية للقطاع المصرفي كما هي للمودعين. لذا نرى أن استراتيجية المركزي تتمحور حول استعادة الثقة بالقطاع المصرفي. على هذا الصعيد، صرح حاكم المركزي بأن السير بالتعاميم 151، 158 و161 مستمر إلى حين صدور قانون الكابيتال كونترول، مما يعني تعهده باستمرار تأمين الدولارات لتمويل هذه التعاميم.

التحدّيات التي ستواجه المركزي كثيرة، وعلى رأسها التهريب عبر الحدود، والذي يستهلك كمّية كبيرة من الدولارات المأخوذة من السوق اللبناني، بغض النظر عما إذا آتت من السوق السوداء أو من منصة صيرفة. أيضًا من التحدّيات، تنظيم عملية تحاويل التجار بهدف الاستيراد والتي لا يوجد عليها أي تدقيق، باستثناء التعميم الأخير الذي أصدره مصرف لبنان والذي فرض على المصارف مطالبة التجار بالأوراق الثبوتية لعملية الاستيراد في قطاع المحروقات. التحدّي الثالث يتعلق بمصاريف الدولة المزّمنة على مثال سلفة أو قرض الكهرباء الذي تطالب به الحكومة المصرف المركزي. هذه التحدّيات قد تتعاظم أو تقلّ بحسب تعاون السلطات الرقابية والقضائية والأمنية مع المصرف المركزي في قمع المخالفين.

الكابيتال كونترول

على صعيد آخر، عادت اجتماعات اللجان النيابية المشتركة للبحث في مشروع قانون الكابيتال كونترول حيث تمّ إقرار المادة الأولى الأسبوع الماضي، والبحث جار في المادة الثانية، وسيتمّ عقد جلستين أسبوعيتين للبحث في مواد القانون. العقبات التي تواجه إقرار مشروع القانون كثيرة ولا تحصى، من تعريف المصطلحات (مثلًا الأموال الجديدة) مرورًا باللجنة التي ستُشرف على تطبيق القانون وصولًا إلى الآليات والمعايير التي سيتم اعتمادها. البعض يتّهم عرابي هذا القانون بأنهم يريدون منع الملاحقات القانونية ضد القطاع المصرفي، والبعض الأخر يعتقد أنه لم يعد هناك من أموال في القطاع المصرفي لحمايتها، وبالتالي لا جدوى من هذا القانون...

برأينا هذا القانون يجب أن يُقرّ لسبب بسيط وجوهري، وهو أن المودعين المقتدرين سيرفعون دعاوى في الخارج ضدّ المصارف، وفي حال ربحوا هذه الدعاوى فإن المصارف المدانة ملزمة دفع الأموال على حساب المودعين الآخرين. لذا يمكن اعتبار هذه الدعاوى هي من مودع ضدّ مودع آخر، وبالتالي فإن المودعين يجب أن يكونوا صوتًا واحدًا وليس رفع دعاوى انفرادية. أيضًا من بين الأسباب التي تدّفع إلى إقرار القانون، الاستنسابية بالتعاطي مع المودعين، وهذا أمر يجب وقفه فورًا.

إلى هذا هناك ثُغر تشوب هذا القانون، وعلى رأسها تنظيم التحاويل التي يقوم بها التجار، والأموال الناتجة من التصدير وعمليات التهريب عبر الحدود والتي تتخطّى مجتمعة مليارات دولار أميركي سنويًا!! وبالتالي بغياب هذه البنود، فإن فعّالية قانون الكابيتال كونترول في الحفاظ على أموال المودعين تبقى محدودة.

أضف تعليقك





الرئيسية
من نحن
استشارات
مواقع صديقة
فئات خاصة
أراء ,مقالات و تحقيقات
دراسات ومؤتمرات
القطاع التعليمي، التربوي، الصحة و الدواء
النظام الداخلي للمركز



يوجد حاليا

زائر حالياً  
© جميع الحقوق محفوظة جمعية المركز اللبناني للتدريب النقابي

إن الآراء الواردة في الموقع تمثل أصحابها وليس بالضرورة رأي الجمعية
تصميم و برمجة