دولة «الدولاب المعطل» والرمي إلى الشارع أولاً!

من اعتكاف دياب إلى التعايش المستعصي - جريدة اللواء

 - Mar 08, 2021



 قبل أن يخرج حسان دياب، وهو رئيس حكومة تصريف الأعمال، والتي كانت قبل 17 شهراً، «حكومة مواجهة التحديات» واستقالت تحت وطأة انفجار مرفأ بيروت في 4 آب الماضي، قبل ان يخرج الرجل، تحت وطأة انتقال البلد «من الانهيار إلى الانفجار» (على حدّ تعبيره) من السراي الكبير، ليعلن على الملأ، بنبرة، تفيد حجم المعاناة التي «تسكن فيه»، أنه أمام خيار «الإعتكاف»، أي الامتناع عن أي أمر يعود له، رئيساً للحكومة، أو لتصريف الأعمال، إذا كانت خطوته هذه تفيد الإسراع بتأليف «حكومة مهمة» أو ليكن لها أي تسمية، برئاسة الرئيس سعد الحريري، الذي أجرى مصالحة ظرفية مع دياب، لكنها استمرت، بامتناعه عن دعوة مجلس الوزراء لعقد جلسة، أو الاستجابة للطلبات المتكررة من هذا أو ذاك (وآخرهم النائب السابق وليد جنبلاط) لتفعيل حكومته، على قاعدة ان الضرورات تبيح المحظورات.

 

قبل أن يعلن دياب ما أعلنه، كنت، بعد عودة سريعة من مشاهدة حركة المحلات التي أعادت فتح أبوابها، واستطلاع ما يحدث في الشارع المكتظ بالبشر من كل جنسيات العالم، والسيارات المتحركة على الطرقات، فضلاً عن «الموتوسيكلات» التي زاد عددها اضعاف اضعاف ما قبل الكورونا، وتمعن بازعاج البشر والحجر (من دون ان تكون بحاجة لإذن من المنصة الالكترونية)، أقلّب المشهد تارة ببعد نظري، وتارة أخرى، ببعد عملي، وأتأمل بحركة الاحتجاج الواسعة، التي ترفع الصوت في كل مكان، على وقع ضربات هنا، وسكاكين هناك، والوقوف بالصف لساعات بحثاً عن كيس حليب، على شكل بودرة، أو المعلبات، التي سمح لها ان تباع في المحلات الصغيرة والسوبرماركت، بعنوان واحد: كيف يخرج البلد من الورطة الحالية، أو كيف يمكن الحد من ارتفاع مخيف لسعر الدولار (أكثر من عشرة آلاف) وتحوّل أسعار السلع لبورصة تتغير في اللحظة أكثر من مرّة (مثلاً تغير سعر عبوة البابسي 15 مرّة في أقل من أسبوعين، لتقفز إلى ما فوق الـ5 آلاف ليرة لبنانية) وهي للعلم صناعة لبنانية..

 

خطر على بالي: أن يتوقف الوزراء عن تصريف الأعمال، وبالتزامن أعلن وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال، التوقف عن التدريس في القطاعين العام والخاص لأسبوع كامل احتجاجاً على عدم الاستجابة لمتطلبات استكمال العام الدراسي، على نحو آمن.. تمهيداً لإدارة البلد بالمدراء العامين سواء أكانوا بالاصالة أو الوكالة، على أن تلي هذه الخطوة خطوة أكبر.. يتوقف مجلس النواب عن عقد جلسات التشريع، التي لا قيمة لها، سوى ذر الرماد في العيون (خذ مثلاً قانون الدولار الطالبي الذي تعجز الجمهورية بكاملها عن وضعه موضع التنفيذ).. وأن يكف الرؤساء عن التصريحات أو الاجتماعات أو إعلان المبادرات.. وإذا لم يكن الأمر طويلاً، فليكن لشهر مثلاً. على ان يقتصر الأمر، على دور وازن للقوى الأمنية، بمنع الاعتداءات والمحافظة على الاستقرار، وتتبع الجرائم والمجرمين..

 

وما عزّز حماستي لهذا الاقتراح الوقائع العملية، وحسن الملاحظة، بين الخطوات، والوقائع المستجدة.. وسوى ذلك من خبرة عمر كامل، حاولت فيه، دائماً الجمع ما بين الملاحظة والممارسة..

 

(1) كلما اجتمع مسؤول، وأعلن عن معالجة مشكلة تفاقمت.. استدعى رئيس الجمهورية حاكم مصرف لبنان، وسأله عن سبب ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء (والتي تسمى تخفيفاً الموازية).. ليس لدي، يقيناً ما أجابه.. ولا حاجة لذكره، ولو كان معروفاً، فماذا كانت النتيجة.. قفزة الدولار ألف ليرة إضافية بعد يومين؟!. السؤال: ما جدوى الاجتماع؟ 

 

(2) تعقد اجتماعات في وزارة الطاقة، وتصدر مؤسّسة كهرباء لبنان بياناً.. فإذا بالتقنين القاسي، يتجاوز كل حدود، وتصل الكهرباء إلى المنازل في بعض احياء بيروت الإدارية أقل من 6 ساعات، بدل 21 ساعة، كما كانت الحال سابقاً..

 

(3) يصول ويجول وزير الاقتصاد بالحكومة المستقيلة، ويصدر مديره العام أحياناً بيانات عن بطولاته، فإذا بالأسعار تقفز قفزات خيالية، من الخبز، إلى البطاطا، والارز والسكر، والبصل، والخضار والفواكه.. لم يكن أحد يتوقع أن تحدث، وكأن أسعار السلع، تحوّلت إلى سعر بورصة أيضاً..

 

لِمَ الاجتماعات يا سادة، أيها الوزراء، والمدراء، والنواب، وكل الشخصيات التي أتيح لها العبث بمصالح العباد والبلاد.. كفوا شركم عن النّاس، وأخرجوا من المشهد.. ولا حاجة لرؤية وجوهكم الكالحة في أخبار التلفزيونات أو المواقع التواصلية..

 

(4) كل شيء يتعثر.. فتساءلت، إذا كان دولاب السيّارة أصيب بعطب، أو دخله مسمار فعطله.. هل نستغني عنه أم لا؟ الجواب، البديهي، نعم، فنحن لماذا لا نستغني عن هؤلاء الأشخاص، الذين انتدبوا، مقابل أجور، ومرتبات، وامتيازات، لخدمة النّاس، وفشلوا أو أساءوا الأمانة، أو عجزوا.. لماذا يبقى هؤلاء حيث هم.. هل هم قدر، من الصعب الخروج على إرادته؟

 

(5) للسلطات في المجتمعات وظائف محددة، الحفاظ على الانتظام العام، فك الاشتباك بين النّاس المحكومين بالجشع والطمع.. فعندما تتخلى عن دورها.. لِمَ تبقى حيث هي..

 

في بلد مثل لبنان، يخضع فيه الاجتماع اللبناني لعوامل، ومؤثرات، ومصالح، واعتبارات بالغة التعقيد، يجعل من الحياة اللبنانية، في السياسة والاجتماع والاقتصاد، وحتى التربية والتعليم، صناعة هجينة، غير مفهومة، ولا يمكن التعامل معها، كما يجري عادة في المجتمعات السوية..

 

إن البناء المجتمعي في لبنان، المصاب بعلل دائمة، لا يمكن إعادة انتظامه.. خارج قواعد الانتظام العامة.. بسلطات هي منتظمة، جدية، تحترم دورها، ومهمتها، وتحترم القوانين والدستور، وكل ما يتعلق بالانتظام الاجتماعي العام..

 

وبعيداً عن الرؤية المخرج التي اقترحها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، عن «حكومة مهمة» من غير الحزبيين، أو التكوين الدستوري الطائفي للهيئات الحاكمة، فإن المشهد اللبناني، المتأثر بقوة بأحوال الإقليم وتبدلاته، وإعادة بناء الأولويات فيه، من الملف النووي إلى المفاوضات، أو احلال الدبلوماسية مكان الحروب، يحتاج بداية إلى فترة استقرار، ووقف اللعب عند حافة الهاوية.. وهذا الأمر كيف يكون؟

 

- البطريرك الماروني اقترح ان تنظم الأمم المتحدة مؤتمراً لمناقشة حل، يعيد للكيان اللبناني الكبير مقومات الاستمرار والسلام الداخلي والخارجي.

 

- الولايات المتحدة الأميركية، لم تعلن شيئاً عن استراتيجيتها إلى لبنان سوى من خلال أمرين: استمرار الدعم العسكري واللوجستي للجيش اللبناني، واستمرار تطويق حزب الله.. والحفاظ على رياض سلامة على رأس المصرف المركزي، ولعبة الدولار..

 

- إيران ودول الخليج، لكل منها أجندته المتصادمة، والتي تعيق أي توافق داخلي، مهما نأت هذه الدول، عن هذا المنحى، وأشارت إلى خلافه تماماً..

 

- في الداخل، تستعصي لعبة التعايش بين تيّار سعد الحريري المكلف تأليف الحكومة، وتيار جبران باسيل، الذي أوصل مؤسّسه ميشال عون إلى بعبدا، كرئيس قوي للجمهورية (ولا حاجة للتعليق).. وهما المعنيان بتأليف الحكومة، وصدور مراسيمها.. وفقاً للثنائي: حزب الله - أمل، المشغولين في إعادة تعويم الانفتاح الدولي من واشنطن إلى الفاتيكان على شيعة الإقليم من العرب والعجم.. في المعمعة هذه، من الصعب توقع الحلول أو اقتراحها.

 

جلُّ ما في الأمر، قد يكون الانتظار سيّد الموقف مع الإصرار على ان الطبقة الحاكمة، بكل مستوياتها باتت أشبه بدولاب معطّل، يحتاج إلى رميه جانبا.. إذا ما كانت العربة، ما تزال مهيأة للسير في الشوارع القريبة والبعيدة؟!

أضف تعليقك





الرئيسية
من نحن
استشارات
مواقع صديقة
فئات خاصة
أراء ,مقالات و تحقيقات
دراسات ومؤتمرات
القطاع التعليمي، التربوي، الصحة و الدواء
النظام الداخلي للمركز



يوجد حاليا

زائر حالياً  
© جميع الحقوق محفوظة جمعية المركز اللبناني للتدريب النقابي

إن الآراء الواردة في الموقع تمثل أصحابها وليس بالضرورة رأي الجمعية
تصميم و برمجة