عندما يراقبنا الفساد ويبتسم - المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين - اسعد سمور

 

 - Mar 12, 2019



 يمكنك أن تشتم رائحة الفساد، حتى في الحديث المتكاثر مؤخرا عن ضرورة مكافحة الفساد. وكثر السؤال عن من الفاسد الذي سيقع أو سيُفتح ملفه، لكن لا أحد منا سمع من هوالفاسد، بل أكثر من ذلك لم يخبرنا أحد ما هو الفساد، ولعل الصورة الأكثر رواجا لمفهوم الفساد في عقولنا هي صورة الموظف الحكومي الذي يتقاضى رشوة لإنجاز معاملة ما. فالمشكلة إذا ليست في كبار التجار والمستثمرين وليست في أصحاب القرارات السياسية وليست في السياسات التي تتبعها حكومتنا الموقرة، بل في موظف فاسد يتقاضى رشوة لإنجاز معاملة.

هذا المفهوم للفساد ربما يبرر لنا لماذا وقف العديد من الفقراء وذوي الدخل المحدود الذين راحو يرددون شعارات الموظف الفاسد والموظف الكسول، في سياق الحملة الشعواء ضد اقرار سلسلة الرتب والرواتب، وربما أيضا في سياق حملة جديدة تستهدف القطاع العام نفسه والسعي للقضاء عليه تحت مسميات الخصخصة، واعتبار الادارة العامة كمستثمر فاشل، وربما يغيب عن بال الكثير، أن الادارة العامة ليست مستثمرا يسعى إلى تحقيق أرباحه الخاصة، بل مؤسسة تهدف إلى تحقيق الصالح العام وتقديم الخدمات للمواطنين دافعي الضرائب دون أن يكون هدفها ابتغاء الربح كحال المستثمر الخاص.

فالفساد ليس سلوكا بقدر ما هو منظومة متكاملة، ومكافحة الفساد ليست عملية جراحية نستأصل فيها آفة طفيلية، بل قرار يبدأ اتخاذه من صندوق الاقتراع، فما معنى أن يكون من يتنطح للفساد هم نفس الزمرة الحاكمة التي استلمت حكم البلاد والعباد. وبأي منطق يتوافق الجميع على تشكيل حكومة تجمع كل أطراف السلطة، بأي وقاحة يأتينا نواب ووزراء يتحدثون عن مكافحة الفساد والمفسدين. ألا تتحمل الحكومة المسؤولية مجتمعية؟ وكيف يرضى "الشرفاء" أن يكونوا شركاء للفاسدين تجمعهم حكومة واحدة؟

لاشك أن فتح تحقيقات مع موظفين تقاضوا رشى أمر مطلوب وضروري، ولكنه حين يقصر مسألة الفساد على هذه الحالات المبعثرة هنا وهناك يصبح بمثابة دس السم في الدسم وذر للرماد في العيون الناظرة على مزارب السرقة والفساد. ربما من المجدي ونحن نصفق لتوقيف موظف أو اثنين أن نسأل من الذي حرم اللبنانيين من الكهرباء، من الذي حرمهم من مياه الاستخدام في حين أن الشوارع تفيض بمياه المجارير والامطار، من الذي هجَر عشرات ألوف اللبنانيين، من الذي جعل كلفة العلم أعلى من كلفة الجهل، من الذي جعل من صحة اللبنانيين تجارة، ومن تأمين فرص عمل لهم استبعاد، من الذي جعل زيارة الشاطئ البحري هما وأغلق كل المساحات العامة بوجه الناس، ومن الذي طمر جبال لبنان وبحره بالنفايات.... هؤلاء هم الفاسدين وهؤلاء من تستوجب محاسبتهم أولا.

 

أضف تعليقك





الرئيسية
من نحن
استشارات
مواقع صديقة
فئات خاصة
أراء ,مقالات و تحقيقات
دراسات ومؤتمرات
القطاع التعليمي، التربوي، الصحة و الدواء
النظام الداخلي للمركز



يوجد حاليا

زائر حالياً  
© جميع الحقوق محفوظة جمعية المركز اللبناني للتدريب النقابي

إن الآراء الواردة في الموقع تمثل أصحابها وليس بالضرورة رأي الجمعية
تصميم و برمجة