السوق تكسر أردوغان - جريدة المدن - عصام الجردي

 

 - Aug 13, 2018



 "لن تجثو تركيا على ركبتيها"، قال الرئيس رجب طيب أردوغان. دعا في خطابه الأخير الأتراك الذين يدخرون الدولار الاميركي والعملات الأجنبية والذهب إلى تحويلها ليرة تركية. كانت ردة فعل الأسواق عنيفة وفورية. بلغ الدولار عتبة 6.8 ليرات تركية السعر الأدنى منذ 2002 حين تسلم أردوغان السلطة. التضخم 16%. وسعر الفائدة الرسمي الذي قرره المصرف المركزي في حدود 18.7%. يعني أن سعر الفائدة الحقيقي عند 2%. المستوى لا يشكل حافزاً. بالمقارنة مع التضخم سعر الفائدة سالب بنحو 14%. وأردوغان ككل الساسة، كاره لزيادة معدل الفائدة. له ما يسوغ موقفه في ظروف عادية. لو أقدم المصرف المركزي في اجتماعه المقرر في 13 أيلول المقبل على رفع الفائدة، قد تلتقط الليرة أنفاسها، لتستأنف تراجعها من جديد. الاجراءات النقدية والمالية تحت الضغوط لا توفي الغرض. الأزمة تبدو أعمق. الخوف الآن يتجه الى المنطقة المحظورة في القطاع المصرفي والمالي. والقروض غير القابلة للتحصيل وأموال المصارف الخاصة واحتياطاتها. وكل ذلك لن يدع مشاريع أردوغان الاقتصادية الطموحة أن تعبر بيسر. الناتج المحلي الذي بلغ نحو 7% في 2017، عرضة للتراجع في 2018 وفق تقديرات صندوق النقد الدولي إلى 4.4%. الرقم أيضاً مشكول بما سيكون عليه التضخم لاستخلاص معدل النمو الحقيقي من الاسمي.


واضح أن هناك أمراً ما في الهبوط المريع لسعر صرف العملة التركية. اقتصاد بنحو 900 مليار دولار أميركي ناتجاً محلياً ويزيد. ودخل فردي إلى الناتج فوق 10 آلاف دولار اميركي سنوياً على أساس نحو 80.8 مليوناً تعداد السكان، لا يسوغ كل هذا التراجع في العملة. 17% في يوم واحد (الجمعة 10 آب 2018) بعد خطاب أردوغان و47% في أقل من ثمانية شهور. السوق تحدد سعر الصرف عرضاً وطلباً كسعر أي سلعة. لا توجد معادلة من خارج هذه القاعدة في سوق حرة. لكن توجد عوامل ضمن المعادلة نفسها لتحريك العرض والطلب يمكن أن تفسد القاعدة لمصلحة العرض أو الطلب. المضاربات عامل منها. ترتفع السوق فيبيع المضاربون العملات الأجنبية ويحققون أرباحاً فوق سعر الشراء. بعد ذلك يأتي "التصحيح التقني" فتتراجع السوق جراء البيع بعد تحقق الأرباح. يعود المضاربون إلى شراء بالسعر المخفوض والبيع بالسعر العالي من جديد. يحصل أيضاً أن ينتعش الطلب التجاري فوق الحاجة الفعلية للاستيراد. أو لأغراض أخرى تحوطاً لمزيد من ارتفاع العملات الأجنبية. في الجانب الآخر، تلعب المؤشرات الاقتصادية دوراً مهماً. لاسيما إذا اتصل الأمر بالتضخم المرتفع. وعجز الحساب الجاري. وعجز الموازنة وارتفاع الدين العام. مع توقعات سالبة للنمو، وهذا موجود الآن في تركيا، لكنه ضمن ضوابط يمكن التحكم بها. العوامل تلك مجتمعة تضعف الثقة بالاقتصاد والعملة. لكنها ليست جواباً شافياً لما يحصل من تراجع العملة التركية.

واضح أن صدى توتر العلاقات السياسية بين تركيا وبين الولايات المتحدة، وقرار الرئيس الاميركي دونالد ترامب فرض رسوم على صادرات الصلب والألمنيوم التركية وعقوبات على وزيري الداخلية والعدل التركيين، قد حرّكا كل الخلايا الضاغطة على العملة والاقتصاد التركي. البدء بالعملة هو الأقسى والأيسر والأسرع فاعلية وتداعيات. توعد ترامب بمزيد من الاجراءات العقابية رداً على احتجاز أنقرة القس الاميركي أندرو برونسون بدعوى الارهاب، واعلان أردوغان أن بلاده ليست ملزمة تنفيذ العقوبات الاميركية على طهران، رفع من منسوب تراجع الثقة بالعملة والاقتصاد التركيين. إمساك الرئيس التركي بكل مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية في البلاد، وتدخله في سياسة المصرف المركزي، أيقظ القلق لدى المستثمرين حيال قرارات قد يلجأ إليها لتقييد حركة الرساميل وتحويل العملات. في تركيا أيضاً الصهر كان موجوداً. وعلى نزق وغِلظة. لم تتقبله الأسواق وزيراً للمال والخزانة. ولم يترك خطابه عن العملة الأسبوع الماضي أي أثر ايجابي. خلا حرصه على استقلال المصرف المركزي. ويتهم بأنه كان وراء موقف أردوغان من التدخل في سياسة المصرف.

الخلايا الضاغطة على الاقتصاد التركي التي حركها تراجع العملة، كان أهمها في القطاعين المصرفي والمالي. المؤسسات التركية ترزح تحت أكثر من 40 مليار دولار اميركي من سندات الدين والقروض المقومة بالعملة الاميركية واليور. وتستحق في 2020 بحسب وكالة بلومبيرغ. هبوط الليرة التركية يفاقم تكلفة السداد. بينما تبلغ ديون المصارف الأجنبية لتركيا نحو 224 مليار دولار اميركي من الدين العام.وقد واجهت تركيا الأسبوع الماضي ارتفاعاً جائراً غير مسبوق حين ارتفع العائد على سنداتها لأجل 10 سنوات 20٪. تقرير غولمان ساكس حذر من انهيار المصارف التركية لو تراجعت الليرة إلى 7.1 في مقابل الدولار الاميركي. تحدث التقرير عن احتمال ترنح رساميل المصارف وأموالها الخاصة، وجودة الأصول، وزيادة أوزان المخاطر والديون المشكوك في تحصيلها. بالإضافة الى قيم الضمانات الأساسية على القروض. الحكومة التركية اتهمت السفارة الاميركية في أنقرة بأنها وراء تقرير غولدمان ساكس. السفارة نفت بشدة. "غولمان ساكس ليست مؤسسة رسمية" على ما أورد بيان السفارة.

منذ 2002، جهد أردوغان كثيراً لكسب ود بيئة الأعمال. حقق انجازات غير مسبوقة اقتصادية واجتماعية خصوصاً. من ميزاتها إنها شملت الأرياف بالبنى التحتية طرقاً وكهرباء ومستشفيات ومؤسسات تعليم وخلافها. انتقل بتركيا إلى لائحة الدول الاقتصادية الخمس عشرة الأولى في العالم. توّج ذلك بانتزاع السلطة الفعلية من يد العسكر العميق الجذور في الدولة العلمانية وحارسها. لكنه بالغ في اكتساب النفوذ. استحلى السلطة فجمعها في راحتيه. لم يتمكن من إثبات أوروبية تركيا عبر مساحة ضيقة من استانبول. ابتعد عن الاتحاد الأوروبي. الآن معركته مع رئيس اميركي لا يقيم وزناً لأحد. ترامب قرر الحرب الاقتصادية والتجارية الباردة على من يعتبرهم أعداء اميركا أو منافسيها لا فرق. وظني أن أردوغان ليس أقوى من أوروبا. ولن يربح الحرب مع ترامب إلاّ في حالة واحدة. لو استجاب الأتراك نداء أروغان لتحويل عملاتهم من الدولار الاميركي واليورو والذهب إلى الليرة التركية. ولن يحولوها.

* في تركيا صهر نزق أيضاً

أضف تعليقك





الرئيسية
من نحن
استشارات
مواقع صديقة
فئات خاصة
أراء ,مقالات و تحقيقات
دراسات ومؤتمرات
القطاع التعليمي، التربوي، الصحة و الدواء
النظام الداخلي للمركز



يوجد حاليا

زائر حالياً  
© جميع الحقوق محفوظة جمعية المركز اللبناني للتدريب النقابي

إن الآراء الواردة في الموقع تمثل أصحابها وليس بالضرورة رأي الجمعية
تصميم و برمجة