لا يمكن تحسين أوضاع العاملات الأجنبيات في الدول العربية بمعزل عن مقاربة جدية لواقع هذه الفئة الأكثر تهميشاً من العمال/ات في دول مجلس التعاون الخليجي التي تستضيف ٢,١ مليون من العمالة المنزلية. لكن الخطوة الأولى بدأت عبر مشروع اقليمي يستهدف لبنان والأردن ومصر
تشترك وتختلف أوضاع عاملات المنازل الأجنبيات في كل من الأردن ولبنان ومصر. يشترك كل من لبنان والأردن بإجراءات تنظيمية وقانونية تبقي نظام الكفالة، الأقرب إلى العبودية الحديثة، أساسياً في العلاقة بين العامل/ة ورب العمل، وتفترق مصر لكون العمالة المنزلية فيها محلية بنسبة 90% وأبرز سماتها تشغيل الأطفال دون سن الـ18، فيما تشترك الدول الثلاث في غياب الحماية القانونية والاجتماعية للعاملين/ات في الخدمة المنزلية،
وهي صفة عامة في قوانين العمل العربية، وأبرز أسبابها غياب ثقافة حقوق الانسان.
لعلها المرة التي يلتقي فيها أطراف فاعلون في الدول الثلاث في ورشة عمل عقدت الاسبوع الماضي قي عمّان ـــــ الأردن، أفضت الى الاتفاق على إنشاء شبكة تنسيق إقليمية تهدف إلى مكافحة ظواهر العنف والاتجار والاستغلال التي تعانيها العاملات الأجنبيات في هذه البلدان الثلاثة وتعزيز حمايتهن قانونياً.
وينفذ المشروع المموّل من الاتحاد الاوروبي، من خلال اتفاقية شراكة بين مؤسسة عامل في بيروت، والاتحاد العام للمرأة الأردنية في عمان، ومؤسسة قضايا المرأة المصرية في القاهرة، وتتمحور نشاطاته حول كيفية توفير الحماية للعاملات الأجنبيات، وآلية معالجة الضحايا وعودتهن الى بلدانهن الأم، بالاضافة إلى تنظيم حملات لتجريم الانتهاكات بحقهن في البلدان الثلاثة المستهدفة.
يعيد د. نضال جردي، من المكتب الاقليمي للمفوضية السامية لحقوق الإنسان، سبب غياب الحماية القانونية للعاملات في الخدمة المنزلية في الدول العربية إلى ضعف المعرفة والوعي بحقوق هذه الفئة من العمال من قبل أرباب العمل ومكاتب الاستخدام والجهات الحكومية. ويلفت الجردي إلى أن ترك عملية تنظيم العلاقة التعاقدية إلى عقود ثنائية خاضعة لمظلة قانون الموجبات والعقود، أدى إلى انكشاف الطرف الضعيف في هذه المعادلة، أي العاملات، أمام شروط مجحفة وغير متوازنة لا تراعي معايير حقوق الإنسان إلا في ما ندر. كذلك اصطدمت أي عملية مراقبة وتفتيش بمدى تضارب حقوق العمال المنزليين مع مصالح أخرى يحميها المجتمع كالحق بالخصوصية وحرمة المنزل. ويطالب الجردي بضرورة ايجاد آلية رقابة عملية لتطبيق القانون، وهذا لا يكون إلا من خلال نظام تفتيش ومتابعة يزاوج بين ضمان المراقبة وامكانية وصول الشكاوى والتواصل مع العاملات في الخدمة المنزلية مع احترام الحق بالخصوصية للمنزل.
يطمح الجردي إلى تعميم تجربة لجنة التسيير الوطنية في لبنان حول تنظيم العمل في الخدمة المنزلية على باقي الدول في المنطقة العربية، ولقد شاركت المفوضية السامية لحقوق الانسان في اجتماعات هذه اللجنة التي ألّفها مجلس الوزراء وأنيطت بها مهمة الإعداد لمشروع قانون تنظيم العمالة المنزلية ووضع كتيّب إرشادي، بالإضافة إلى عقد عمل موحد.
رئيس مؤسسة عامل الدولية د. كامل مهنا الذي قدّم ورقة عمل خلال المؤتمر حول الواقع اللبناني رأى أن الإصلاحات الأخيرة، بما في ذلك إقرار عقد العمل الموحد لعمال/ات المنازل الأجانب في لبنان، لم تذهب بعيداً بما فيه الكفاية لحمايتهم من سوء المعاملة والاستغلال. وذلك بسبب غياب آلية لتنفيذه ومحاسبة أصحاب العمل الذين يخرقون شروطه. ولفت مهنا الى أن الأنظمة الحالية تدعم سلطة صاحب العمل على مستخدميه وتثني العاملات اللواتي يتعرضن للانتهاكات عن التماس أي إنصاف أو تعويض. كما أن عدم الرغبة في التدخل في خصوصية المنزل يمنع السلطات من الرصد الفعال لأوضاع عاملات المنازل الأجنبيات أو التحقيق في ادعاءات سوء المعاملة، على غرار طريقة التعامل مع وضع المرأة اللبنانية التي لا يجري التحقيق في حدوث إساءة بحقها ما لم تتقدم الضحية نفسها بالشكوى. وفي كلتا الحالتين، يساهم التمييز القائم على أساس الجنس في نشر العنف وسوء المعاملة وفي التزام الصمت حيال ما يحدث داخل حرمة المنزل.
بدورها، ركزت المنسقة الاقليمية لمشروع «تحسين أوضاع العاملات الأجنبيات في الوطن العربي» ناديا شمروخ على المشكلات المشابهة التي تعاني منها العاملات الأجنبيات في الخدمة المنزلية في الأردن مع فارق أن نسبة العاملات الأجنبيات في لبنان أعلى ثلاثة أضعاف عنها في الاردن رغم الفارق الكبير في عدد السكان (لبنان 4.5 ملايين نسمة والأردن 6 ملايين نسمة). وعرضت شمروخ جهود اتحاد المرأة الأردني في هذا المجال، ومن بينها مركز الحماية الخاصة بالعاملات الأجنبيات المعنفات وتقديم الاستشارات القانونية لبعض الحالات الخاصة، اضافة الى برامج خدمات نفسية وطبية واجتماعية.
وفي ورقة بعنوان «داخل البيوت خارج القانون»، قدم المستشار في محكمة النقض المصرية عمرو الشيمى مجموعة مقترحات لتحسين أوضاع فئة عمال الخدمة المنزلية ومن في حكمهم، المستثناة من الحماية القانونية التي يكفلها قانون العمل المصري لسنة 2003. ومن بين هذه المقترحات مساواة عمال المنازل مع غيرهم من العمال في الحقوق والواجبات من خلال النص التشريعي الصريح على عدم استثناء هذه الفئة من أحكام قانون العمل، وتفعيل النص الوارد في قانون النقابات، لجهة حق العمال المنزليين في تنظيم أنفسهم في نقابة تمثلهم وترعى حقوقهم، وتطبيق حد أدنى لأجور العمال المنزليين أو على الأقل توفير مستوى أجور ملائم في إطار قانوني، بما يخرجه من دائرة التجريم بالإتجار بالبشر، وحظر عمل الأطفال في الخدمة المنزلية تماماً، ووضع نموذج عقد بين العامل ورب العمل وفق أحكام القانون المدني لضمان آليات الحماية والتأمين الاجتماعي.
محمد مطر مدير برنامج الحماية من الاتجار بالبشر في جامعة جونز هوكنز في الولايات المتحدة الأميركية، نوه بصدور القانون اللبناني رقم 164 حول معاقبة جريمة الاتجار بالاشخاص الذي نشر في الجريدة الرسمية مطلع شهر أيلول الماضي. ولقد أدخل بموجب هذا القانون فصل جديد إلى الباب الثامن من الكتاب الثاني من قانون العقوبات بعنوان «الاتجار بالأشخاص». ولفت مطر الى أن التقرير السنوي الأميركي حول الاتجار بالاشخاص قد ساهم في التعجيل في صدور العديد من التشريعات الوطنية. قائلا إن هناك 65% من دول العالم أصدرت في السنوات الخمس الماضية تشريعات خاصة بتحريم التجارة بالبشر. ولفت مطر إلى أن العاملات في الخدمة المنزلية يتعرضن إلى الإساءة الجنسية والاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق والعمل القسري أو الإلزامي، وهي جميعها ممارسات تدخل في نطاق جرائم الاتجار بالبشر. وأكد مطر حصول خروقات واضحة لبروتوكول الأمم المتحدة لمنع التجارة بالبشر وقمعها ومكافحتها، وقد وقعت عليه 9 دول عربية بينها مصر ولبنان والأردن. وطالب مطر بأن تتضمن التشريعات العربية نصاً يضمن استخدام مصادرة عائدات الجرائم المتأتية من جريمة التجارة بالأشخاص لتعويض ضحايا هذه الجرائم كما تنص المادة 14 من البروتوكول الأممي.
إلغاء نظام الكفالة
«سوف تقدم وزارة العمل خلال ممارستها اليومية وضمن فترة قصيرة على اجتثاث منطق الكفالة». هذا الكلام أدلى به قبل أسبوع وزير العمل شربل نحاس، وتفسيره العملي رمي مسودة مشروع قانون «تنظيم العمل اللائق للعاملين في الخدمة المنزلية» في سلة المهملات.
وكان مشروع القانون الذي أعده الوزير السابق بطرس حرب قد لاقى اعتراضاً واسعاً من الجمعيات المدنية اللبنانية لكونه يستثني العاملين/ات في الخدمة المنزلية من الحقوق والميزات التي يكفلها قانون العمل اللبناني، مثل الحد الأدنى للأجور والحدّ الأقصى لساعات العمل، الحق في تأمين صحّي جدّي وشامل، والحق في تأليف نقابة تمثّل هذه الفئة وتدافع عن قضاياهم/هنّ. كذلك يرسّخ مشروع القانون نظام الكفالة الذي يجهّز الأرضية لعدد كبير من الانتهاكات. ويأتي توقيع لبنان على اتفاقية منظمة العمل الدولية بعنوان «العمل اللائق للعمال المنزليين» في جنيف في نيسان الماضي سبباً اضافياً لسحب مشروع القانون من التداول والمباشرة بإعداد مسودة جديدة قبل رفعها الى مجلس الوزراء.