"انت عليك تنفذلي حكمي"، بهذه العبارة توجه القاضي المنفرد الجزائي في جديدة المتن، طانيوس السغبيني، الى ضباط من مديرية الامن العام اللبناني، شاركوا يوم أمس، في أعمال مؤتمر نظمته منظمة "كفى عنف واستغلال" بالتعاون مع الجمعية الدولية لمكافحة الرق والاتحاد العام للنقابات العمالية النيبالية تحت عنوان" تعزيز حماية عاملات المنازل في لبنان من خلال مناقشة مسار الهجرة من بلدان المنشأ الى لبنان". وكان القاضي السغبيني قد تولى إدارة الجلسة المخصصة لمناقشة مدى تمتع العاملات في الخدمة المنزلية في لبنان من حماية قانونية والصعوبات التي تعتري وصولهن امام القضاء. عرضت المحامية موهانا اسحق لما يسمى نظام الكفالة الذي يتحكم بحياة ووجود العاملة في لبنان، بالإضافة الى نتائجه المترتبة على العاملة التي تتمثل بشكل أساسي بصعوبة وصول العاملة أمام القضاء اللبناني، إما بسبب ترحيلها قسرا من قبل الاجهزة الامنية، أو بسبب التكاليف الباهظة التي تترتب على العاملة في حال قررت اللجوء الى المحاكم. وعقب القاضي السغبيني على العرض، معلقا ان الحلول تكمن في ايجاد اساس قانوني جديد بدل النظام القائم وتفعيل رقابة ادارية وقضائية على قضايا العاملات والاهم، تأمين جميع الاجراءات القضائية التي تسمح بتأمين حماية وعدالة فعالة للعاملة لأن العدالة لا تتحقق بالحكم الصادر عن القاضي بل أيضا بكافة مراحل القضية. ورأى ان المعيار لا يجب ان يكون "الامن العام" (أو النظام العام) حصرا. واستطرد لافتا الى اشكالية بالغة في الاهمية تكمن في تمنع الادارة عن تنفيذ أحكام إخلاء السبيل الصادرة عن القضاء (عندما يكون الموقوف/ة أجنبي/ة). وأشار في هذا السياق الى قيام الاجهزة الامنية، في قضايا الاجانب بشكل عام، والعاملات في الخدمة المنزلية بشكل خاص، بقلب مبدأ الحرية، بحيث يصبح التوقيف هو القاعدة، بعكس ما يجري مع اي لبناني آخر ارتكب على سبيل المثال جرم احتيال بمبالغ طائلة. واثارت مداخلة القاضي السغبيني، الى جانب مداخلات أخرى من حقوقيين وباحثين، امتعاض ضباط الامن العام الذين هبوا مدافعين عن المديرية، قائلين انهم يقومون بتنفيذ القانون. وعليه رد القاضي ان عليهم ان ينفذوا الحكم الصادر عن القضاء الذي يقضي بإخلاء سبيل العاملة. كما لفت السغبيني الى المسؤولية التي تتحملها النيابات العامة في هذا الإطار، عبر اشارتها الى "تسليم العاملة للمديرية العامة للأمن العام وترك أمر البت بإقامتها لمدير عام الامن العام". وكانت المفكرة القانونية قد أشارت في عددها الاخير الى الدور الذي تعلبه النيابات العامة في تهميش
دور قضاة الحكم في قضايا العاملات في الخدمة المنزليةعبر صناعة المحاكمة الغيابة بالتنسيق مع الامن العام.
وبدا واضحا التباعد في المقاربة والرؤية بين ما قيل وعرض في هذه الجلسة وغيرها من الجلسات وما عرضه وزير العمل في الحكومة المستقيلة، سليم جريصاتي، في كلمته التي القاها خلال الجلسة الافتتاحية، والتي ركز فيها على أهم ما قامت به وزارة العمل في مجال العمالة في الخدمة المنزلية ان كان على صعيد اعتماد مبدأ الاتفاقيات الثنائية وامتناع وزارة العمل عن إعطاء إجازات عمل لمواطني بلاد غير ممثلة ببعثة ديبلوماسية أو على صعيد انجاز مشروع قانون خاص بالعاملات في الخدمة المنزلية (عالق حاليا في الامانة العامة لمجلس الوزراء)، ألغى من طياته نظام الكفالة وأعطى للعاملة حرية التمتع بأوراقها الثبوتية واجازتها السنوية. بالإضافة الى قضائه على عرف التنازل بحيث تصح العاملة "حرة" من صاحب/ة عملها بعد مرور ثلاث سنوات على عقد عملها، بحيث لها الخيار إما بالعودة الى بلدها الام، وإما البقاء في لبنان والتعاقد مع صاحب/ة عمل جديد/ة على ان يصدر لهذه الغاية ما يسمى بتأشيرة مجاملة (visa de courtoisie).
وردا على سؤال عن سبب إقرار قانون خاص للعاملات، عوضا عن تعديل قانون العمل الحالي ليشملهن، اعتبر وزير العمل ان قانون العمل هو من القوانين التي لا يتوجب المس بها. ولفت الى انه بالمناسبة قرأ مشروع القانون السابق وان الذي وضعه "ليس رجل قانون". واعتبر ان المطالبة بتعديل قانون العمل ليشمل العاملات، تندرج في إطار "ازدواجية المعايير" بحيث "ما يطبق على اللبناني في ميدان العمل العام لا يمكن تطبيقه على خصوصية العاملة في الخدمة المنزلية، ان كان على صعيد الراتب وزيادة الاجور او على صعيد الايواء".
أما عما تقوم به الوزارة في موضوع مكاتب الاستقدام ومدى تورطهم في قضايا اتجار بالبشر، أشار جريصاتي الى ان "السياسيين عندهم مكاتب"، ليردف قائلا ان الوزارة تغلق مكتبا الى مكتبين كل يوم. وردا على سؤال النقابي أديب أبو حبيب، حول عدم قيام وزارة العمل بإلغاء مكاتب الاستقدام وإعطاء هذه المسؤولية للمؤسسة الوطنية للاستخدام، كما تنص عليه نصوصها التنظيمية، وإنشاء فروع لها في مناطق مختلفة، اعتبر الوزير المستقيل الى ان ذلك غير ممكن كون المؤسسة ضعيفة وهدفها الحالي تأمين وظائف للبنانيين فقط. يبقى ان، اجراءات الوزارة تبقى في أغلبيتها، عاجزة عن التأثير إيجابيا في قضايا العاملات. فصحيح أن توزيع الدليل على العاملة عند وصولها الى المطار مفيد لها، لكن كيف يؤمن لها حماية من التوقيف والترحيل في حال قررت ان تترك المنزل بسبب تعرضها للضرب او بسبب عدم تسديد أجورها؟ طبعا أن للتواصل مع البعثات الاجنبية أهميته، لكن ماذا عن تفعيل لجنة التفتيش في وزارة العمل فيما خص قضايا العاملات في الخدمة المنزلية؟ وماذا عن اللائحة السوداء لأصحاب العمل؟ فبانتظار تشريع جديد يؤطر وضع العاملات في الخدمة المنزلية، المطلوب اليوم هو خطوات عملية تضمن حماية فعالة للعاملات، إن كان على مستوى رقابة هذا القطاع وملاحقة أصحاب/ة العمل عند الضرورة، أي أن تعمل الوزارة بشكل جدي على كبح مسألة تفلت صاحب/ة العمل من العقاب في أكثرية الحالات.
وكانت الصحافية سعدة علوه قد عرضت النتائج الاولية لبحث تقوم به منظمة "كفى" بالتعاون مع "المفكرة القانونية" حول عملية استقدام العاملات من بلدهم الام الى لبنان. وقد ارتكز البحث على ما يقارب ال 200 مقابلة أجريت مع عاملات في الخدمة المنزلية (في لبنان، النيبال والنغلاديش)، وعدد من أصحاب مكاتب الاستقدام. وكشفت نتائج البحث عن الخداع الذي تتعرض له العاملات في بلادهن وعن الوعود الكاذبة التي تتلقاها من سماسرة مختلفين والتي تبقى بعيدة عن الواقع الذي تلقاه في لبنان على صعيد الدخل، أو نوع العمل أو ظروفه. كما كشفت الدراسة أن عددا من العاملات يدفعن مبالغ باهظة للسماسرة تم وصفها "بتكاليف بيع الاحلام" قد تصل قيمتها الى 3000 د.أ. كما أشارت علوه الى الواقع المعاش في لبنان الذي يترجم بمجموعة من انتهاكات تتعرّض لها عاملات المنازل، من عزل، وعدم احترام خصوصيّة، وحجز لأوراقها الثبوتية.
عدة أسئلة مهمة طرحت خلال المؤتمر، غير ان سؤالا طرحته عاملة في الخدمة المنزلية شاركت في أعمال المؤتمر لم تتم الاجابة عنه بعد، "نحن ان واجهنا مشكلة، أين نذهب؟"