قوانين عمالة الأطفال: أين التطبيق؟ - المدن - إلهام برجس

 - Nov 27, 2013



 أدرك وائل أن جسده النحيل لن يستطيع أن يحمل ثقل قوارير المياه على أدراج المباني، أو صناديق مليئة بالسلع والمعلبات من المستودعات الى الرفوف. يقول وائل، " الطفل البكر" في عائلته، أنه بحث عن عمل يعيل به والدته المريضة بعد أن توفي والده، الا أنه عجز عن حمل كل هذه الأثقال والأغراض وصعود السلالم، ولم يجد عملاً بديلاً، فقرر أن يجوب الشوارع بعلبة من العلكة أو السكاكر، للبيع. أما حسن، فهو صبي لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره، يجلس الى جانب سائق السيارة التي استقلها ليلاً عائداً من عمله وكأنه رجل ثلاثيني، يحتضن علبةً كرتونية بين يديه، يتبادل أطراف الحديث مع السائق ليخبره أن في العلبة بعض الطعام الذي يزيد عن حاجة المطعم الذي يعمل لديه، يحضرها لأخوته بينما يأكل هو مما تحضره أمه، وذلك لإطعام أشقائه ما هو ألذ.

 

حسن ووائل نموذجان عن حالة  منتشرة في لبنان، حيث يلقى على عاتق الأطفال وزر اعالة عائلاتهم، ما يشكل خرقاً  للمواثيق الدولية والقوانين الداخلية على حد سواء. حيث يقر المجتمع الدولي للطفل بمجموعة من الحقوق من رعاية وصحة وتعليم ورفاهية وحماية من جميع أشكال الاستغلال وغيرها، من جهة، و ينص قانون العمل اللبناني على حماية خاصة للأطفال (الأحداث) في مكان عملهم، من جهة ثانية.
تعتبر الدكتورة في الحريات العامة وحقوق الانسان نعمت مكي في حديث مع "المدن" أن مسألة استمرار عمالة الاطفال بالرغم من السعي الدولي المستمر نحو القضاء عليها، مسألة لا تتعلق بقصور النص القانوني، حيث تجد أن الاتفاقيات الدولية كافية في هذا المجال، الا أن المشكلة ترتبط بشكل أساسي بالسياسات الداخلية الرامية الى تكريس الحقوق ووضع الخطط الملائمة لانفاذها، حيث يجب القضاء على البيئة الحاضنة لهذه الظاهرة، من خلال سياسة اقتصادية اجتماعية متطورة.
في الاطار عينه، يثني وديع أسمر من المركز اللبناني لحقوق الانسان على النص القانوني اللبناني المتعلق بعمالة الأطفال، الذي يمنع على أي صاحب عمل استخدام من هم دون الثالثة عشر من العمر، فيما يحدد ظروف عمل خاصة بالأحداث الذين يدخلون سوق العمل بعد هذه السن، وقبل بلوغ سن الرشد، محظراً استخدامهم في الاعمال التي تشكل خطراً على الصحة أو السلامة أو السلوك. يقول أسمر لـ "المدن" أن المشكلة تتمحور حول غياب العقوبة الرادعة بالمعنى الفعلي، بالاضافة الى ضعف الرقابة من قبل تفتيش وزارة العمل. حيث أنه لم يمر أي حالة توقيف أوتغريم لرب عمل بتهمة استخدام قاصر دون السن القانوني للعمل، أو بشكل مخالف للشروط، خلال عمليات الرصد الحقوقي التي يقوم بها المركز، "في حين أننا نرى المخالفات منتشرة بشكل كبير على أرض الواقع". 
أما في ما يتعلق بنوع العمل الذي يمارسه الطفل، تؤكد أليس كيروز ممثلة "تجمع الهيئات من أجل حقوق الطفل في لبنان" في المجلس الأعلى للطفولة لـ "المدن"، أن جميع أشكال العمل خطرة على الأطفال، ولا فارق بين العمل في المجال الصناعي أو الزراعي، مشيرةً الى امكانية عمل الأطفال في زراعة "الحشيشة" مثلاً. وتلفت الى أنه ليس هنالك ما يمنع أن يقوم الأطفال ببعض الأعمال التي تثقل شخصيتهم خلال فترة عطلتهم الصيفية، بحيث لا يؤدي هذا العمل الى التسرب المدرسي، الا أن ما يجب أن يكون محظوراً، هو اعتبار الأطفال مصدراً لتأمين دخل العائلة، ما يؤدي الى استغلالهم اقتصادياً.
وتستعرض كيروز مجموعة من أشكال العمل التي تعتبر الأخطر على الأطفال، فتفصل بين تلك التي تؤدي الى اشكال من الايذاء الجسدي، أبرزها وأكثرها انتشاراً العمل في الشوارع والتسول ، بالاضافة الى العمل في المصانع وورش البناء والميكانيك، والأماكن التي تقدم الكحول وتتوافر فيها المخدرات. وبين الأعمال التي تشكل مخاطر أخلاقية  كاستغلال الأطفال في الأفلام الاباحية، والاتجار بهم وحثهم أو اجبارهم على التسول أو ترويج المخدرات. في جميع الأحوال، تجد كيروز أن الحل الأساسي لهذه الآفة الاجتماعية، هو تفعيل قانون التعليم الالزامي والمجاني، بشكل جدي لا يشبه الشرخ الحاصل بين القوانين والواقع.
لجهة الاستراتيجيات التي لا تلقى حيزاً للتطبيق، أطلقت وزارة العمل في بداية الشهر الجاري، بالتعاون مع منظمة العمل الدولية، "خطة العمل الوطنية للقضاء على أسوأ أشكال عمل الأطفال في لبنان بحلول عام 2016". هذا التاريخ الذي يبدو للوهلة الأولى شبه خيالي، في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تشهد تدهوراً مستمراً وازدياداً في رقعة الفقر، يتحول الى تاريخ مستحيل بعد أن يربط المدير العام لوزارة العمل عبدالله رزوق تفعيل هذه الخطة بالاستقرار الأمني، ليجيب على سؤال "المدن" عن الخطة طالباً "الصبر على الوزارة في هذه الأوضاع خاصةً بعد التفجير الأخير في بئر حسن".
أضف تعليقك





الرئيسية
من نحن
استشارات
مواقع صديقة
فئات خاصة
أراء ,مقالات و تحقيقات
دراسات ومؤتمرات
القطاع التعليمي، التربوي، الصحة و الدواء
النظام الداخلي للمركز



يوجد حاليا

زائر حالياً  
© جميع الحقوق محفوظة جمعية المركز اللبناني للتدريب النقابي

إن الآراء الواردة في الموقع تمثل أصحابها وليس بالضرورة رأي الجمعية
تصميم و برمجة