عاملة المنزل سارقة حتما - المفكرة القانونية - سارة ونسا 

 - Sep 05, 2013



بتاريخ 3/1/2013، أصدر القاضي المنفرد الجزائي في بيروت "باسم الشعب اللبناني" حكما غيابيا بإدانة عاملة في الخدمة المنزلية بالحبس شهرين وبتغريمها مليونين ليرة لبنانية، لاقترافها جرمي السرقة و"الفرار". وطبعا يضاف هذا الحكم الى كم من الاحكام المتضمنة آراء مسبقة بشأن العاملات الاجنبيات في الخدمة المنزلية على أنهن "بيسرقوا" او "ما بيتأمنلن". وطبعا، وكون الحكم الصادر في هذه القضية عبارة عن ورقة واحدة وهي استمارة معدة مسبقا تم ملء الفراغ فيها في البنود المتصلة بالمعلومات الشخصية، الوقائع والفقرة الحكمية، فانه يقتضي التدقيق في تفاصيل الملف للحصول على صورة أوضح.
 
وكانت سيدة لبنانية قد توجهت بتاريخ 9/10/2008 الى مخفر المصيطبة وافادت انه وردها اتصال من جارتها تفيدها بأن "خادمتي فرت من منزلي بواسطة التسلق فحضرت الى منزلي فكانت قد غادرت المكان وقد تركت حقيبة ملابسها في حديقة البناية. ولدى تفقدي لمحتويات منزلي تبين بأنها سرقت بروش ذهب اصفر قيمته حوالي 400 د.أ. كان موضوع داخل جارور في خزانة داخل غرفة نومي". وتابعت ان العاملة "تعمل عندها" منذ 16/9/2008 وأن جواز سفرها لا يزال معها وان اقامتها صالحة لغاية 15/12/2008". وانتهت الشكوى باتخاذ صفة الادعاء الشخصي.
 
ثم عادت المدعية وتوجهت في اليوم التالي، الى المخفر، وافادت انها على علم بمكان وجود العاملة، وهي موجودة في سفارة بلادها، حيث وردها اتصال من السفارة المذكورة، وتراجعت عن حقها الشخصي وطالبت بترحيلها الى بلادها.
 
وعليه قام المخفر بإعلام المحامية العامة الاستئنافية رندا يقظان بالأمر فطلبت ختم المحضر واحالته الى النيابة العامة التي بدورها احالت الملف الى قاضي التحقيق في بيروت لإجراء التحقيقات اللازمة وتوقيفها وجاهيا. ويبقى لافتا ما ورد في نص الاحالة على وجود شبهة على العاملة بأنها "اقدمت على سرقة قطعة ذهبية عائدة لمخدومتها وفرت الى جهة مجهولة" علما ان الجهة "التي فرت" اليها العاملة لم تعد مجهولة وهي موثقة في محضر التحقيق الذي يشير الى انها موجودة في سفارة بلادها! وبالطبع، يبدو قرار المحامي العام الاستئنافي بالاكتفاء بهذا القدر من المعلومات وبإحالة الملف الى قاضي التحقيق دون التوسع بالتحقيق مع المدعية لافتا، ولا سيما أن المدعية عادت وتنازلت عن ادعائها الشخصي بعد يوم من تقديمها شكوى السرقة مطالبة بترحيلها بدل محاكمتها. فهذا التراجع السريع والرغبة في التخلص من العاملة (عبر طلب ترحيلها) يدعو الى الشك ليس فقط في حصول السرقة لكن أيضا في طريقة تعامل ربة العمل مع العاملة.
 
وبالرغم من ذلك، عيّن قاضي التحقيق موعد جلسة بتاريخ 5/2/2009، لم يحضرها أي من الطرفين، وأصدر بتاريخه قرار توقيف غيابيا "بالنظر لماهية الجرم المذكور ولما هو وارد في التحقيقات"، واحال الملف الى النيابة العامة الاستئنافية للتفضل بإبداء المطالعة بالأساس. وقد اتت هذه المطالعة في الاساس في الاتجاه عينه مستبعدة المعطيات الجديدة التي ادلت بها المدعية، حيث اعتبرت ان الوقائع المدلى بها من قبل المدعية المسقطة حقها قد تأيدت ب"الادعاء، التحقيقات الاولية (...) قرينة فرار المدعى عليها(...)". وختمت النيابة العامة مطالعتها بمطالبة قاضي التحقيق بالظن بالمدعى عليها بجرم السرقة والفرار وايجاب محاكمتها امام القاضي المنفرد الجزائي في بيروت. وفي 23/2/2009، صدر عن قاضي التحقيق في بيروت، الياس عيد، قرار بالظن بالمدعى عليها بمقتضى المادة 636 عقوبات والمادة 7 من القرار 136/1969.
 
فيما بعد، وإذ تمت احالة الملف الى القاضي المنفرد الجزائي في بيروت الناظر في قضايا الحق الشخصي، حضرت المدعية المسقطة امامه وصرحت انها اسقطت حقها بوجه المدعى عليها كما صرحت "ما سرق منها هو مجرد بروش ذهبي وهي قد فقدته وليست على يقين بان المدعى عليها سرقته". وعليه صدر قرار القاضي المنفرد الجزائي في بيروت الناظر في قضايا الحق الشخصي بتاريخ 29/11/2011 بإحالة الملف الى القاضي المنفرد الجزائي الناظر في قضايا الحق العام "حيث تبين من الصفحة الثالثة من محضر التحقيق الاولي ان الجهة المدعية اسقطت حقوقها كافة قبل ادعاء النيابة العامة". وعليه صدر بتاريخ 3/1/2013 عن هذا الأخير حكم بالصورة الغيابية بوجه العاملة ادانها بجرم المادة 636 وغرمها مليون ليرة لبنانية وجرم المادة 7 من القرار 136 وحبسها شهرين وتغريمها مليون ليرة وجمع العقوبتبين.
 
ويبدو لافتا إصرار ثلاثة قضاة تباعا على الادعاء والظن وصولا الى ادانة العاملة بجرمي السرقة والفرار، خاصة في ضوء ما صرحت به المدعية امام الضابطة العدلية وامام القاضي المنفرد الجزائي بحيث أدلت بمعلومتين أساسيتين من شأنهما أن يؤديا مبدئيا الى ابطال الملاحقة ضدها. فبالنسبة الى جرم "الفرار"، يفرض القرار 136 على كل أجنبي مقيم في لبنان مدة تفوق ثلاثة اسابيع أن يتقدم خلال أسبوع يلي انقضاء هذه المدة الى مخفر قوى الامن الداخلي التابع له محل اقامته بغية الحصول منه على بطاقة اثبات وجود له. وفي هذه القضية تم اعلام القوى الامنية، مثل ما هو موثق في محضر التحقيق عن تواجد العاملة في سفارتها وفق ما يقتضي القرار المذكور. أما بالنسبة الى جرم السرقة، فاعتراف ربة العمل بأنها فقدته وبأنها ليست على يقين بأن العاملة قد سرقته انما يؤدي منطقيا الى تبرئة العاملة من الادعاء الموجه اليها، أقله لغياب أي دليل. غير أنه يبدو أن القضاة الثلاثة الذين تعاقبوا على هذه القضية ادعاء وظنا وإدانة، لم يبالوا قط بمعطيات الملف، أو بما قد ينتج عن أعمالهم من عواقب. فالمدعى عليها ليست سوى "خادمة"، "خادمة" أجنبية.
أضف تعليقك





الرئيسية
من نحن
استشارات
مواقع صديقة
فئات خاصة
أراء ,مقالات و تحقيقات
دراسات ومؤتمرات
القطاع التعليمي، التربوي، الصحة و الدواء
النظام الداخلي للمركز



يوجد حاليا

زائر حالياً  
© جميع الحقوق محفوظة جمعية المركز اللبناني للتدريب النقابي

إن الآراء الواردة في الموقع تمثل أصحابها وليس بالضرورة رأي الجمعية
تصميم و برمجة