فرضت الظروف الحاليّة إجراءات استثنائيّة وغير اعتياديّة، حيث منحت هيئة الشراء العام الإدارات الرسميّة صلاحيّات واسعة لتأمين احتياجاتها الطارئة والضروريّة، الأمر الذي أثار تساؤلات إذا ما كان البعض قد يستغل هذه التسهيلات، لسرقة أو هدر المال العام.
وجّه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي مذكرة بتاريخ 2 تشرين الأول الماضي، إلى الجهات الخاضعة لأحكام قانون الشراء العامّ في موضوع تأمين الحاجات الأساسيّة في ظل الظروف الاستثنائية.
على سبيل المِثال، يُمكِن لوزارة الأشغال أو الدفاع المدني أو البلديات الاتفاق مباشرة مع صاحب حفّارة، لرفع أنقاض مبنى مُستهدف يحوي ضحايا أو لإزالة الردميّات عن الطرّقات من جرّاء القصف لإعادة فتحها. كما يُمكن في هذه الحالات التغاضي عن وضع دفتر شروط الصفقات والالتزام بمهل الإعلان التي لا تقلّ عن 20 يوماً ونشر إعلان في 3 وسائل إعلام محليّة واشتراط تقدّم أكثر من عارض.
هذه الشروط التي نصّ عليها القانون والتي تضمن المُنافسة والشفافية في الحالات العاديّة يُمكن تجاهلها في حالات مُحدّدة تتعلّق بالظروف الاستثنائية، وذلك من أجل تسريع الأعمال الإغاثيّة. ومن هذا المنطلق ومن أجل تسهيل تنفيذ تعاقدات عاجلة لا يمكن الاستغناء عنها أو حتى تأخيرها، سمحت هيئة الشراء العامّ، وبموافقة مجلس الوزراء، بالاتفاق الرضائي مع الموردين، ووسّعت نطاق الإنفاق المسموح به دون الحاجة إلى مناقصة عموميّة.
إلّا أنّ الخوْف هو من استمراريّة هذا المسار غير القانوني، وبالتالي أنْ يُفتح باب الفساد من جديد على مصراعيْه من دون رقيب أو حسيب، وهو ما يُلزم الجهات الرقابيّة والمعنيّة وضع الأمور في نصابها بعد انتهاء الأعمال الحربية الدائرة اليوم.
ويبقى الأهمّ بعد استتباب الوضع هو أهميّة المحاسبة لما يُمكن أن يكون قد جرى تمريره في الظروف الاستثنائية من صفقات تُشتمّ منها روائح فساد أو صفقات!
"شرط الشراء"
مصدر في هيئة الشراء العامّ شرح لـ "نداء الوطن"، أنه "لا يُمكن انتظار انتهاء إجراءات دفتر الشروط والمُناقصة لإتمام الشراء الضروري، لذلك تمّ إصدار هذه المذكرة التي تُدرج ضمن الإنفاق في الظروف الاستثنائيّة، على شرط أن يُطابق الشراء مواصفات الاستثناء الموجودة ضمن المذكرة من دون قابليّة للتأجيل، أيّ أنْ يكون فعلاً حاجة طارئة، وما من كميّات كافيَة محلياً لتغطيَة الطلب مثل الحاجة إلى الدواء أو الفرش للنازحين".
بعد الحرب
ويُؤكّد المصدر أنّ "العمل وفق هذه المذكرة سيمتدّ طيلة فترة الحرب. ويبقى هذا الإنفاق الاستثنائي خاضعاً للرقابة. فبعد انتهاء الحرب تعود الأمور إلى مجراها الطبيعي وتبدأ الرقابة اللاحقة للتأكّد من مدى الالتزام بهذه المذكرات. وفي حال رصد أيّ مخالفة، تصدر هيئة الشراء العام تقريراً لتُسلمه للمحاكم والتفتيش ولديوان المحاسبة".
أمّا مرسوم رفع السقوف، فيُوضح المصدر أنّه "يُسمح للإدارات العامّة التصرّف بالفواتير وينصبّ في خانة الإجراءات لتسيير الإنفاق الضروري غير القابل للتأجيل".
مضمون المذكرة الحكوميّة
وأبرز ما جاء في المذكرة الحكوميّة:
الموضوع: مذكرة رئيس هيئة الشراء العام المتصلة بتأمين الحاجات الأساسيّة والملحة في ظل الظروف الاستثنائية.
وبعد أن اطّلع مجلس الوزراء على الموضوع والمستنديْن
وقد تبيّن منها أن الظروف الاستثنائيّة الحالية تحول دون اعتماد بعض القواعد وطرق الشراء المنصوص عليها في المادتيْن / 41 / و / 42 / من قانون الشراء العام،
وتبيّن أن المادة / 46 / فقرة (2) من قانون الشراء العام أجازت استثنائيّاً الشراء بواسطة اتفاق رضائي في حالات الطوارئ والإغاثة من جرّاء وقوع حدث كارثي وغير متوقع، ونتيجة ذلك لا يكون استخدام أي طريقة شراء أخرى أسلوباً عمليّاً لمواجهة هذه الحالات،
وتبين أن المادة / 14 / فقرة (1.أ) من قانون الشراء العام أجازت للجهة الشاريَة تجزئة الشراء إلى أجزاء مُستقلّة عندما تتطلب ذلك طبيعة الأعمال أو السلع أو الخدمات، ووجود مبرّرات واضحة كتنوّع مصادر التوريد وتعدّدها أو اختلاف الأجزاء عن بعضها بما يؤدّي إلى منفعة أكيدة من التجزئة، على أن يكون القرار مُبرّراً وخاضعاً للرقابة وفقاً للقوانين المرعيّة الإجراء،
وتبيّن أنه لتأمين حاجات الإدارة الأساسيّة والملحة ومنها على سبيل المثال لا الحصر الأدوية والمستلزمات الطبيّة، ومستلزمات الإيواء وشراء المواد الغذائيّة والمحروقات، رفع الانهيارات إزالة الردم، ترميم البنى التحتية ...) في هذه الظروف الاستثنائية حيث لا يُمكن تأمينها باعتماد الطرق العاديّة التنافسيّة، مع ما تستوجبه من إجراءات إعداد دفاتر الشروط والإعلان عن الشراء والتقييم وإعلان النتيجة وانقضاء فترة التجميد.
وتبين أن رئيس هيئة الشراء العام أوضح ما يلي:
أولاً: يمكن التعاقد مباشرة بالاستناد إلى المادة /46 / من قانون الشراء العام في الحالات الاستثنائية حيث لا يكون ممكناً تأمين الحاجات الأساسية والملحة بصورة فعالة باعتماد طريقة شراء أخرى وضمن حدود تأمين هذه الحاجات الضروريّة.
ثانياً: إن المادة / 62 / من قانون الشراء العام المتعلقة بموجب النشر المسبق لمدة عشرة أيام لا تطبق في هذه الحالة سنداً للفقرة 2 من هذه المادة التي تستثني من تطبيق النشر المسبق التعاقد الرضائي المسند إلى الفقرتيْن 2 و 4 من المادة / 46/ من القانون عينه، على أن يتم نشر العقود الناشئة عن هذا التعاقد عند زوال الظروف الاستثنائية، عملاً بأحكام المذكرة رقم 2/ هـ . ش . ع / 2023 تاريخ 2023/2/16،
ثالثاً: في ما يتعلّق بالحاجات الأساسيّة والملحّة المُشار إليها أعلاه والتي يعود أمر تقديرها للإدارة المعنيّة وعلى كامل مسؤوليتها وفي حدود مصادر التمويل المتوفرة وفي ظل رقابة هيئة الشراء العام اللاحقة، يمكن إجراء الشراء لمرّات متعدّدة وإنْ شكل ذلك تجزئة، إلّا أنها مبررة استثنائياً باعتبارات المصلحة العامة واستمرارية المرفق العام ضمن الحدود المنصوص عليها في المادة / 14 / من قانون الشراء العامّ.
رابعاً: يُعمل بهذه المذكرة فور نشرها على الموقع الإلكتروني لهيئة الشراء العام وتبقى سارية المفعول لحين صدور مذكرة مخالفة.
وبناءً عليه وبعد المداولة، اطّلع مجلس الوزراء على المذكّرة رقم 8/ هـ.ش. ع . / 2024 تاريخ 2022/9/30 الصادرة عن رئيس هيئة الشراء العامّ والمُتصلة بموضوع تأمين الحاجات الأساسيّة والمُلحة في ظلّ الظروف الاستثنائيّة، وأخذ العلم بمضمونها ووافق عليها.
تبقى الاشارة إلى أن الإشكالية في قضايا من هذا النوع، لا ترتبط بالقانون، وبما هو مسموح وما هو غير مسموح، بقدر ارتباطها بالمندرجات التنفيذية، والالتزام بالروحية التي من أجلها تصدر القوانين. فهل أن مفاعيل الحرب وتداعياتها الانسانية يمكن ان تلعب دوراً في لجم طمع مُستغلّي الأزمات، أم لا شيء يمكن أن يؤثّر في ضمائر الفاسدين، وما أكثرهم؟