تفاؤل المصارف وحاملي السندات: "هذه حكومتنا"! - جريدة المدن - علي نور الدين

 

 - Sep 24, 2021



 من المفترض أن تكون أولى مهام الحكومة المقبلة السير في ملفّين متوازين: مسار التفاوض مع صندوق النقد الدولي، للتوصّل إلى تفاهم على برنامج قرض مبني على خطّة ماليّة شاملة. ومسار التفاوض مع الدائنين الأجانب والمحلّيين، للتفاهم على آليّة لإعادة هيكلة سندات الدين السيادي، وفق آجال وقيم وفوائد جديدة.  

ومن الناحية العمليّة، لا يمكن الفصل بين الملفّين بأي شكل من الأشكال. فالخطّة الماليّة التي سيتم تقديمها للصندوق لا بد أن تنص بوضوح على آليات توزيع الخسائر، ومنها تلك التي سيتحمّلها الدائنون في إطار إعادة هيكلة الدين. وهو ما يفترض أن يكون موضوع المفاوضات بين الحكومة والدائنين. وموافقة الدائنين على إعادة هيكلة الديون، سترتبط بمدى قدرة الحكومة على صياغة خطة ماليّة موثوق بها دولياً، ومن ضمن آليات الرقابة المشددة التي تخضع لها برامج صندوق النقد. باختصار، سيكون هناك ترابط وتفاعل بين المسارين طوال الأشهر المقبلة.

المؤشّرات الماليّة المتوفّرة اليوم في الأسواق العالميّة تدل على تفاؤل الدائنين المحليين (وتحديداً المصارف) والأجانب بمستقبل المسارين بعد تشكيل الحكومة، وباقتناعهم أن هذه الحكومة بالتحديد ستكون منحازة إلى مصالحهم وأولوياتهم في مسار التفاوض معهم ومع صندوق النقد. يمكن تلمّس هذه المسألة من خلال مراقبة التحوّل في أسعار سندات اليوروبوند خلال الأيام الماضية في الأسواق العالميّة، في حين أن الأسواق لم تشهد هذا المستوى من التفاؤل مثلاً بعد إقرار الخطّة الماليّة لحكومة حسّان دياب، أو بعد انطلاق مفاوضاتها مع صندوق النقد.

أسعار السندات تتحسّن: الدائنون متفائلون
في الوقت الحالي، ثمّة ما يقارب 34.18 مليار دولار من سندات اليوروبوند –أي السندات المقوّمة بالعملات الأجنبيّة- الموجودة في السوق، والتي تمثّل التزامات على الدولة اللبنانيّة لصالح حاملي السندات. من أصل هذه القيمة، ثمّة 5.03 مليار دولار من السندات التي يملكها مصرف لبنان، و8.4 مليار دولار من السندات التي تملكها المصارف، في حين أن الدائنين الأجانب يملكون ما يقارب 20.75 مليار دولار. وهذه الأرقام، تمثّل اليوم قيمة السندات الإسميّة، أي القيمة التي استدانتها الدولة من الدائنين عند إعطائهم السند، والتي ينبغي سدادها لحاملي السندات عند الاستحقاق، فيما يترتّب على الدولة نسبة معيّنة من الفوائد بشكل دوري بين الفترتين.

لكنّ ملكيّة هذه السندات ليست ثابتة، بل عادةً ما يتم التداول بها في الأسواق والبورصات العالميّة. وحتّى أسعار هذه السندات السوقيّة، أي أسعار بيعها وشرائها في السوق، لا توازي بالضرورة قيمة السندات الإسميّة التي ينبغي أن تدفعها الدولة لحامل السند لاحقاً. فحين يترّدى وضع الدولة المدينة التي أصدرت السندات، والتي يفترض أن تسدد قيمتها لاحقاً لحامل كل سند، من الطبيعي أن تنخفض قيمة السندات في الأسواق، مقارنة بقيمة السند الأساسيّة التي ينبغي أن تدفعها الدولة في المستقبل.

في حالة لبنان، وقبيل تشكيل حكومة ميقاتي، كانت أسعار سندات اليوروبوند في عمليّات البيع والشراء تبلغ نحو 11% فقط من قيمتها الأساسيّة أو الإسميّة، أي من قيمة الدين التي تترتّب على الدولة بموجب السندات. وتدنّي أسعار بيع هذه السندات حصل أساساً منذ إعلان الدولة تخلّفها عن سداد قيمة هذه السندات عند الاستحقاق، ومن ثم إعلان خطّة الحكومة الماليّة السابقة التي تضمّنت نيّة صريحة للاقتصاص من قيمة سندات اليوروبوند عند إعادة هيكلة الدين العام. هنا، اختلطت أسباب تدنّي أسعار بيع السندات ما بين التشاؤم من وضع الدولة الماليّة وإمكانيّة سداد السندات في المستقبل، مع تشاؤم الدائنين من نوعيّة المعالجات التي ستحمّلهم جزءاً من خسائر الأزمة، عبر الاقتصاص من قيمة سندات بعد إعادة هيكلة الدين.

لكن خلال أيام قليلة، وبعد إعلان التشكيلة الحكوميّة، ومن ثمّ البيان الوزاري، شهدت الأسواق ارتفاعاً بنسبة 55% في قيمة هذه السندات، التي باتت تُباع اليوم بأكثر من 17% من قيمتها الإسميّة أو الأساسيّة. مع الإشارة إلى أنّ نسبة هذا الارتفاع السريع والقياسي في أسعار بيع السندات، حصل خلال هذه الأيام القليلة للمرّة الأولى منذ إعلان الدولة التوقّف عن سداد ديونها السياديّة، ما يدفع إلى التساؤل عن سرّ هذا التفاؤل المفرط في أوساط الدائنين.

بالتأكيد، يعود جزء من هذا التفاؤل إلى الاعتقاد بالأثر الإيجابي لوجود حكومة مكتملة الصلاحيّات، بعد فترة طويلة من الفراغ في السلطة التنفيذيّة. لكنّ هذا التفسير لا يشرح وحده كل هذا التفاؤل في الأسواق، خصوصاً أن الأسواق لم تتفاعل مع الخطوات الماليّة التي قامت بها حكومة حسّان دياب بالطريقة نفسها. لا بل ظلّ التوجّس يخيّم على الدائنين والمصارف من خطة حكومة دياب الماليّة ومسار مفاوضاتها مع صندوق النقد، وتحديداً في الشق المتعلّق بنسبة الاقتصاص من قيمة السندات.

ما يشرح منسوب التفاؤل المرتفع في أوساط الدائنين وحملة السندات، ومنهم المصارف، هو طبيعة هذه الحكومة واتجاهاتها الاقتصاديّة، والتي يبدو أنها ستكون أقرب إلى مصالحهم وأكثر مرونة في التعامل معهم في مسار التفاوض على إعادة هيكلة الدين. وعلى نقيض حكومة دياب، لا يبدو أن هذه الحكومة ستذهب بعيداً في محاولة لي ذراع الدائنين لفرض شروط قاسية عليهم، أو على القطاع المصرفي الذي يحمل نسبة وازنة من هذه الديون السياديّة. ولهذا السبب، كان من الطبيعي أن تلقى هذه التشكيلة بالذات هذا المستوى من التقبّل في أوساط حملة سندات الدين، وأن تشهد أسعار السندات هذا الارتفاع السريع.

حكومة المصارف والدائنين
في الوقت الراهن، تفيد المصادر المصرفيّة أنّ الفريق الاقتصادي الخاص بالرئيس ميقاتي بدأ لقاءاته مع جمعيّة المصارف فور إصدار مراسيم التشكيل، مستبقاً بذلك العمل على الخطة الماليّة التي كان يفترض أن يتم تعديلها بعد مناقشتها ما بين وزارتي الماليّة والاقتصاد من جهة، والاستشاري المالي لازارد من جهة أخرى. وتفيد المصادر بأن النقاشات اتسمت بانسجام فريق عمل ميقاتي مع وفد جمعيّة المصارف في كل ما يتعلّق بالمقاربات التي سيتم اعتمادها خلال المرحلة المقبلة، وتحديداً من ناحية طريقة التوفيق ما بين متطلّبات التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وضرورة تخفيض مستوى خسائر المصارف التي سيتم تحديدها ومعالجتها من ضمن خطة الحكومة الماليّة.

في الحقيقة، تفسّر أجواء هذه الاجتماعات، التي تحوّلت اليوم إلى مسار من المباحثات بين المصارف وفريق عمل ميقاتي، ارتياح المصارف وسائر حملة سندات الدين للحكومة الجديدة. لكنّ ثمّة سبباً آخر لهذا الارتياح، ويتجسّد في تكليف ميقاتي للنائب نقولا نحّاس تحديداً بمهمّة رئيس فريق عمل رئيس الحكومة الاقتصادي. ومن هذا الموقع، سيكون بإمكان نحّاس متابعة ملفّي مفاوضات الحكومة مع صندوق النقد أولاً، ومع الدائنين والمصارف ثانياً، بالنيابة عن رئيس الحكومة. وارتياح المصارف والدائنين لنحّاس ينطلق أساساً من الأدوار التي لعبها في المجلس النيابي، بصفته مقرر لجنة المال والموازنة، حين قاد إلى جانب رئيس اللجنة إبراهيم كنعان عمليّة الإجهاز على خطة حكومة دياب الماليّة، التي رفعت من نسبة الخسائر التي سيتحمّلها حملة سندات الدين.

لكل هذه الأسباب، يبدو أن عموم اللبنانيين من محدودي الدخل وأصحاب الودائع الصغيرة والمتوسّطة سيكونون على موعد مع تحمّل المزيد من الخسائر خلال المرحلة المقبلة، وبالأخص كون تجربة الفترة الماضية دلّت على أن تخفيف خسائر كبار النافذين في النظام المالي لا يمكن أن يكون إلا على حساب سائر الشرائح الاجتماعيّة. وعلى أي حال، لم يكن هناك ضرورة لانتظار مؤشرات الأسواق الماليّة لفهم درجة ارتياح المصارف وكبار الدائنين لحكومة ميقاتي، إذ ظهرت معالم الانسجام بين الحكومة وهذه الفئات منذ البداية من طبيعة الأسماء الموجودة فيها، ومن بنود بيان الحكومة الوزاري.

 
 
أضف تعليقك





الرئيسية
من نحن
استشارات
مواقع صديقة
فئات خاصة
أراء ,مقالات و تحقيقات
دراسات ومؤتمرات
القطاع التعليمي، التربوي، الصحة و الدواء
النظام الداخلي للمركز



يوجد حاليا

زائر حالياً  
© جميع الحقوق محفوظة جمعية المركز اللبناني للتدريب النقابي

إن الآراء الواردة في الموقع تمثل أصحابها وليس بالضرورة رأي الجمعية
تصميم و برمجة