سنة أولى حراك شعبي: مصارف القهر وصرّافو النهب (5/5) - جريدة اللواء - عبد الفتاح خطاب

 

 - Oct 26, 2020



 مهما قلنا عن المصارف وأسهبنا فلن نتمكن من الإحاطة ووصف واقع أكبر سرقة ونصب وخديعة في التاريخ، جرت بالتواطؤ مع السُلطة الفاسدة ومصرف لبنان، وهي سرقة مُدّخرات شعب بأكمله، طالت حوالي المليونين وسبعمائة ألف مودع، وحشرتهم في موضع لا يُحسدون عليه ولا يجدون منه مخرجاً!

المصارف خسرت ثقة الناس

أساء أصحاب المصارف والقائمون عليها الأمانة وإدارة أموال المودعين، وتخطوا القوانين والأنظمة والأعراف، وتعاملوا مع المودعين في أزمتهم بسوء نيّة وتعالٍ وخِسّة ولؤم، وتعمّدوا إذلالهم وتحويلهم إلى متسوّلين ينتظرون «الصَدقة» الأسبوعية من إيداعاتهم، بما يُشبه معاناة تقديم طلب الإعاشة.

 

«طوشتنا» المصارف بشعاراتها «نحنا معك وبقربك وجنبك وشو ما بدّك ونفهم لغتك ومدى الحياة وراحة البال» وغيرها. وعندما وقعت الأزمة أضحى شعارهم الموحّد «دبّر حالك ... ودِقّ بواب الناس كِلاَّ وبالآخر دِقّ بوابي»!

 

اعتقدنا ان المصارف ستقوم بإدارة أموال الناس من باب «أعطي الخبز للخباز، ولو أكل نصوّ». فقامت المصارف بـ«أكل نصوّ» واحتجاز النُصّف الثاني! 

 

المصارف في دائرة الاتهام 

 

هرَّب أصحاب المصارف أموالهم الشخصية وتواطأوا على تهريب أموال السياسيين والنافذين، ولا يزالون. في حين امتنعت المصارف عن تحويل الأموال لاستيراد الأغذية والأدوية ومستلزمات المستشفيات والمصانع والمزارع، فأوصلوا البلد إلى حدّ الانهيار وإلى أخطر أزمة اقتصادية مصيرية تواجهه، وهذه فعلة تُقارب الخيانة الوطنيّة. وواصلوا غيّهم إلى حدّ تجويع الناس وتعريض المرضى لخطر الموت، وفِعلتَهم تُقارب القتل العَمَد.

 

عرَّضوا فلذات أكبادنا الذين يدرسون في الخارج الى التشرد والجوع والخطر حين أوقفوا تحويل الأموال إليهم. وألغوا البطاقات الائتمانية لمسافرين محتجزين في الخارج بسبب جائحة كورونا!

 

وتابعوا مشوار فجورهم بالتلاعب بمفهوم الأموال الجديدة Fresh Money، والتآمر مع الصيارفة للتلاعب بسعر الدولار وخلق السوق السوداء.

 

اختلاق الذرائع

 

اختلقت المصارف شتى الذرائع لإقفال أبوابها، تارة بسبب الإشكالات مع المودعين أو مع المتظاهرين، وأخرى عبر تمديد العطل الرسميّة، أو التلطّي وراء نقابة موظفي المصارف وادعاء الاستجابة لمطالبها! 

 

ثم جاء وباء كورونا «شحمة على فطيرة»، فادّعت المصارف الاستجابة لمطلب الحماية الصحيّة لموظفيها كي تقفل أبوابها لفترة أمام المودعين، مكتفية بفتح بضعة فروع لخدمة العمليّات التجاريّة التي تدرّ عليها عمولات ومكاسب، ولا ننسى «تفنكة» إقفال يوم السبت لتعقيم الفروع! فهل يستحيل إتمام التعقيم بعد الظهر أو في المساء او يوم الأحد؟! 

 

بخل المصارف

 

«تبرعت» جمعية مصارف لبنان (تمثّل 62 مصرفاً وأكثر من 1100 فرع) عام 2017 للجيش بمبلغ 15 مليار ليرة (اقل من 10 ملايين دولار) لسدّ النقص في العدّة والعتاد والتجهيزات، وهو العام ذاته الذي استفادت المصارف فيه من «الهندسة المالية» مما أدى إلى حصولها على أرباح استثنائية تجاوزت الـ4.2 مليارات دولار، وشكّلت ضعفَيْ أرباحها السنوية!

 

اليوم تتحكم المصارف براتب الجندي والشرطي والدركي ومع ذلك تُطالبه بحمايتها! يا للوقاحة!

 

وفي خضم تهافت الناس للتبرع لصالح المستشفيات والأطقم الطبيّة، اتحفتنا جمعية المصارف بـ«همروجة» متلفزة من السراي الحكومي، بالتبرع بمبلغ ستة ملايين دولار لمكافحة جائحة كورونا! لكن فاتها أن توضّح في إعلان «الكرم الحاتميّ» أنه جاء من أموال المودعين المحتجزة قسراً لديها ... أي «من دهنو سقّيلو»!

 

«اللي استحوا ماتوا»!

 

أكد رئيس جمعيّة ​المصارف​ ​سليم صفير في نيسان 2020​ «أن جمعيّة المصارف حاضرة لخدمة وراحة المواطنين، ونحن نخدم اللبنانيين من أكثر من 100 سنة ولا يجب أن يُنسى هذا الامر في شهر ونصف»!

 

يا ريّس... هل خدمتم اللبنانيين من أكثر من مئة سنة لوجه الله تعالى! وهل جحد اللبنانيون فضلكم العظيم منذ شهر ونصف فقط! هل خانتكم الذاكرة، ألا تذكرون أنكم صادرتم أموال الناس ومدخراتهم منذ شهر تشرين الأول 2019 في أصعب أزمة يواجهها لبنان على الإطلاق.

 

الإيجابية الوحيدة الناتجة عن نذالة سياسة المصارف تجاه المُودعين، أنها وحّدت موقف اللبنانيين داخل لبنان وخارجه تجاهها.

 

ضربني وبكى وسبقني واشتكى

 

أيضاً، غرّد صفير في نيسان2020: الـ«haircut» لن يُنتسى لسنوات وهو يعني تجميد لبنان لحين ينساه المستثمرين. وأضاف: ثروة اللبنانيين إذا تبخرت لن نستطيع تعويضها، فالفرص الماضية في المنطقة لم تعد متاحة! 

 

لاحظوا استخدام كلمة «إذا» وكأن الأموال لم تتبخر كما أكد رئيس الحكومة حسان دياب في دردشة مع الصحافيين بتاريخ سابق لتغريدة صفير، حيث قال: كلنا نعرف البير وغطاه، فالأموال تبخرت قبل أشهر، وقبل وصولنا إلى الحكم!

 

دفعت جمعية المصارف 120 ألف دولار من أجل تسويق بيان تم نشره في مختلف وسائل الاعلام بعنوان «عن القرش الأبيض في اليوم الأسود»، حاولتْ فيه تبييض صفحتها ومصارحة المودعين وطمأنتهم على ودائعهم، والاعتذار عن سوء تصرفها معهم، وعن سوء إدارة أموالهم! 

 

أما حقيقة الأمر فقد «أخذوا القرش الأبيض وتركوا لنا اليوم الأسود»! وهيهات ان تستعيد المصارف بكلمات معسولة ثقة بُنيت على مدى قرن وهُدرت بوقاحة واستخفاف خلال أيام معدودات!

 

ولم يفوت المصارف إلقاء اللوم على السلطة السياسية والآخرين، وان تقترح لاستعادة أموال المودعين حلاً مبنياً على اصلاح الدولة والسلطة السياسيّة أولاً ... أي «عيش يا كديش تا ينبُت الحشيش»!

 

التعاميم ومشاريع القوانين

 

تحايلت المصارف كي يتحول مشروع «الكابيتال كونترول» من منظّم للعلاقة بين المصارف والزبائن، إلى قانون يحمي المصارف من الملاحقة القانونية! وكان ملفتاً وتيرة صدور التعاميم المتتابعة المتسارعة والمتسرّعة عن مصرف لبنان! 

 

وبدلاً من التحرك السريع الفاعل لاستعادة الأموال المنهوبة، نرى من يقترح المطالبة باستعادة الأموال المودعة عام ١٦١٦ في مصرف monte di pieta في توسكانا!

 

لقد وقع الفأس بالرأس: ودائع المودعين، ولو حصلوا عليها يوماً ما بشكل أو آخر، فلن تُساوي قيمتها الشرائية شيئاً يُذكر!

 

وحدهم السياسيون يأملون أن تطول فترة جائحة الكورونا علّهم يعودون الى الإمساك التام بمفاصل الحياة السياسية وانهاء جذوة الحراك الشعبي نهائياً، وتمرير تشريع سرقتهم (بالمشاركة مع المصارف) لأموال المودعين. لذا أضحى لزاماً استنباط طريقة غير تقليدية وفاعلة لاسترجاع حقوق المودعين من ثلاثي النصب الدولة ومصرف لبنان والمصارف.

 

مصرف لبنان و«الليرة بخير»

 

مصرف لبنان مسؤول وعلى رأسه حاكمه رياض سلامة بتهمة التواطؤ والتستّر، أو سوء التدبّر والادارة، أو غضّ النظر والتجاهل، أو الإهمال! هناك مسؤولية ما، ولا ينبغي رميها على الآخرين.

 

الناس لا يهمّها أن يضع الحاكم اللوم على الآخرين، بل يريدون فهم لماذا كانَ يُصرّح مراراً وتكراراً أن «الليرة بخير»؟ إمّا أنه كان كاذباً أو أنه كان جاهلاً، وفي الحالتين هو مذنب ولا يستأهل أن يكون أفضل حاكم مصرف مركزي عربي، وأفضل حاكم مصرف مركزي في الشرق الأوسط، لسنوات طوال!

 

الحاكم يتمتّع باستقلالية لا مثيل لها، وكان بإمكانه أن يقول لا لتمويل دولة فاسدة عاجزة مفلسة. وهذا دوره المؤتمن عليه قانوناً وأخلاقاً مهنيّة. 

 

كان بإمكانه الاستنكاف عن اللجوء الى ابتداع هندسات مالية هي بمثابة الرشوة للمصارف. وها هو حالياً يتخبّط ويُصدر التعميم تلو التعميم والقرار تلو الآخر، في مسعى للسطو على ما تبقى من ايداعاتنا والاحتياط النقدي! 

 

رشوة موصوفة

 

صاغ حاكم مصرف لبنان مع المصارف «هندسة مالية» لصغار المودعين هي كناية عن رشوة موصوفة هدفها تنفيس حراك الشارع وتقليص المخاطر عن المصارف وأصحابها، وسحب عدد لا يستهان به من مجموع المودعين الناقمين من صفوف تحركات الاحتجاج، وبالتالي تقليص المخاطر عن ممتلكات المصارف وسلامة أصحابها. وحتى في هذه المبادرة وضعت المصارف صغار المودعين تحت حدّ المقصلة عبر إرغامهم على سحب مدخراتهم دفعة واحدة وإقفال الحسابات المصرفية، ومنهم من يستخدمها لاستلام الراتب!

 

القضاء المتواطئ

 

تمكنت المصارف من لجم القضاء من الاضطلاع بالشكاوى ضدها لإرغامها وإلزامها بدفع مستحقات المودعين! ووقف القضاء والنيابات العامة يتفرج، بل تمنَّع عن الاضطلاع بالشكاوى ضد المصارف، خوفاً من تكرار سابقة قرارات قضاة الأمور المستعجلة، التي تُدين المصارف وتُلزمها بدفع مستحقات المودعين، والتي تم عرقلة تطبيقها «خوفاً على المصارف من الانهيار» كما يزعمون!

 

المفجع أن المصارف بتحالفها مع الطغمة السياسية الفاسدة تمكنت من تدجين الناس وتضليلهم وتركيعهم وتطويعهم بحيث أذعنوا لتسلطها وإجراءاتها غير الأخلاقية وغير القانونية.

 

لعبة النصّابين المحترفين!

 

أصبح هاجس اللبنانيين التسابق على تناقل أخبار ارتفاع وهبوط سعر الدولار والتنظير في الأسباب والخلفيّات. 

 

الحقيقة أن حيتان السوق السوداء، المساهمون في افقار الناس والتسبب بجنون الأسعار، يلعبون هذه اللعبة القذرة عبر إثارة الجشع في نفوس الناس طوراً، وإثارة الهلع طوراً آخر. 

 

تجار السوق السوداء يرمون الطُعم ويشترون الدولار بالقطّارة حين يرتفع السعر، ويسحبونه و«يشفطونه» من السوق حين يهلع من لديه دولارات ويبيعها خوفاً من متابعة انخفاض سعر الصرف وخشية أن يتكبد خسائر أكبر.

 

رغم تحرّك أمن الدولة وشعبة المعلومات ومخابرات الجيش والأمن العام، ما زلنا لا نجد جواباً مؤكداً على السؤال: كيف يتوفر الدولار لدى الصيارفة ولا يتوفر في المصارف!

 

المضحك المبكي أن الصيارفة يشكون من مُضاربة «صرّافي الشوارع»، وأن خدمة «صرّاف ديليفري» أصبحت متوفرة! 

 

لقد اتضح ان مسرحيّة اعتقالات الصرّافين، والاجتماعات المشتركة، والتعاميم لم تنفع. وانه كان بإمكان مصرف لبنان ضخّ أموال المودعين المُحتجزة بواسطة المصارف وليس الصرّافين!

 

خمسة بعيون الشيطان!

 

هناك عدة أسعار للدولار: سعر مصرف لبنان، وسعر المصارف، وسعر نقابة الصرافين، وسعر السوق السوداء، وسعر الحوالات الآتية من الخارج لدى شركات تحويل الأموال. ناهيك عن الدولار الطلابي، والدولار بالشيك العادي، والدولار بالشيك المصرفي، وغيرها! وهذا أمر لم يحصل في التاريخ في أي دولة.

 

عنوان واحد

 

لقد فشلت المصارف مهنياً وسقطت أخلاقياً، وخسرت ثقة الناس ربما للأبد، وأصبح لزاماً وواجباً التصدي لهم ولجشعهم عبر مساءلتهم ومحاسبتهم ومعاقبتهم، وصولاً إلى رميهم في المكان الأنسب لأمثالهم وهو مصارف المجاري!

 

عنوان واحد للخِسَّة والدناءة وانعدام الأمانة واللصوصيّة والنذالة والعُهر والتعسّف والبُخل والفجور، هو مصارف لبنان!

 

لبنان ليس بلداً مُفلساً بل منهوباً ... آه يا وطني المنهوب سراً وعلانية.

 

يا أصحاب المصارف: سوف تُستباحون!

 

«يا عيب الشوم» ... نذالة وعهر وتعسّف وبُخل، واستهانة بحقوق المودعين، واختلاس جنى عمر الناس. مصارف الضباع الكاسرة أكلت المُودعين لحماً وتنوي تركهم عظماً!

 

يا أصحاب المصارف... اسمعوا هذا كنصيحة، أو كإنذار مُبكر، أو حتى اعتبروه تهديداً إذا شئتم: قوى الأمن النظامية والحراسة الخاصة لن تحميكم وعائلاتكم ومصارفكم وممتلكاتكم الشخصية وأرزاقكم من الفوضى وغضب الناس وهيجان العامة! وسوف تُستباحون حتماً إذا سيطر الانفلات والغوغاء على الشوارع!

 

أضف تعليقك





الرئيسية
من نحن
استشارات
مواقع صديقة
فئات خاصة
أراء ,مقالات و تحقيقات
دراسات ومؤتمرات
القطاع التعليمي، التربوي، الصحة و الدواء
النظام الداخلي للمركز



يوجد حاليا

زائر حالياً  
© جميع الحقوق محفوظة جمعية المركز اللبناني للتدريب النقابي

إن الآراء الواردة في الموقع تمثل أصحابها وليس بالضرورة رأي الجمعية
تصميم و برمجة