متى تقدّم الثورة ائتلافها المدني الوطنيّ المعارض؟

المؤشرات تَعدُ بحكومة مُهمة لإنقاذ السلطة المأزومة أما الإصلاح والاختصاص فأمر آخر - جريدة اللواء - احمد الزعبي

 - Oct 26, 2020



 تزدحم التواريخ في الروزنامة اللبنانية. ما عادت الأحداث والصدمات والمآسي تغيّر في المشهد شيئاً. لسنا في زمن المعجزات، حتى وإن حصلت وهي لن تحصل، فلن تنتشل هذا البلد من قعر القعر الذي يزرحُ فيه بفعلِ فشلِ وإجرامِ وتواطؤ المنظومة الحاكمة. ما إن أعلنَ عن التكليف حتى هبط سعر صرف الدولار، واختفت طوابير السيارات من أمام محطات المحروقات، وبات «البانادول» (ما غيرو) متوفراً في الصيدليات!! هل هي مؤشرات إيجابية أم ألعوبة من ألاعيب المنظومة لإلهاء الشعب عن المسرحية القائمة؟

 

قد يكون التراجع السريع، لكن المدروس بأن يكون شكلياً وغير ذي أثر، في سعر صرف الدولار بُعيد تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة العتيدة، هو التعبير الأوضح عن مدى تحكّم المنظومة السلطوية بمصائر الشعب ولقمته ودوائه وحياته واقتصاده، هي نفسها التي نهبت المال العام، ومدخرات الناس، وضيّقت عليهم في أمنهم الغذائي والاستشفائي والحياتي، وفوق كل ذلك تواطأت – وما تزال – في تفجير يساوي جريمةً ضدّ الإنسانية أودى بحياة مئات الضحايا وآلاف الجرحى ورتّب خسائر بالمليارات.. ولا تزال تصطنع الأكاذيب لتبرر وجودها واستمرارها!!

 

لطالما ادّعى حاكم مصرف لبنان أنه غير قادر على التحكّم بالسوق وضبط الفلتان في عمل قطاع الصيرفة، فجأة هبط سعر الدولار في السوق الوهمية التي تتحكم زوراً برقاب العباد! لكن في المقابل، لا بيع للدولار ولا من يحزنون، والشائعات تزيد من سوداوية المشهد، وكل السلع يتم تسعيرها على أعلى رقم تعممه مافيا السوق السوداء!
 
ما الذي تغير؟
 
في الطريق إلى إخراج الحكومة العتيدة، الواقع أن لا شيء تغير في المشهد السياسي المأزوم والباهت؛ تكرارٌ مملٌّ وممجوجٌ للوعود والمواقف من التشكيلة والإصلاحات، والمطالب والاشتراطات، والسيناريوات والاتصالات «الإيجابية» طبعاً.. والكثير الكثير من تجاوز الدستور واحتقار الشعب، فيما الداء معروف والخلل واضح؛ ما تسعى إليه المنظومة السلطوية حالياً، بعد نجاحها بإعادة إنتاج نفسها بمباركة فرنسية وتسهيل أميركي هو الادّعاء بأن مشكلة البلد اقتصادية! والحقيقة أن مشكلته الأساسيّة سياسيةٌ بامتياز، مشكلةُ سيادةٍ ناقصة، ودولةٍ منهوبة، وإدارةٍ فاشلة، ومسؤولون متواطئون، سرقوا ونهبوا وقتلوا ويريدون القضاء على ما تبقى من شعب يائس وبقايا دولة مفكّكة.
 
ما يجري هو مناورة مكشوفة ومفضوحة، الجديد فيها أن البلد والشعب بات في قعر القعر، وما عادت مُسكّناتُ الوعود الفارغة، أو المواقف الشعبوية تنفع في معالجة الواقع المأساوي شيئاً؛ الأمور على حالها من الدوران في حلقة مفرغة، المنظومة السلطوية تريد إطعام الشعب ميثاقية وعزّة وكرامة وقوّة، والكثير الكثير من الشعبويات الطائفية الفارغة.. ومن كانت هذه ذخيرته لا حاجة له للدواء والمشتقات النفطية والسلع الاستهلاكية والغذائية، وأصلاً لا حاجة للودائع المصرفية لترميم ما دمره تفجير بيروت «الغامض»!
 
تفاهمات تحت الطاولة
 
كل المؤشرات توحي بأنّ ثمّة تفاهمات غير معلنة بين قوى السلطة لتقسيم الغنيمة الحكومية تحت عناوين الاختصاص لخداع الشعب، فيما الحقيقة أن قديم المحاصصات باقٍ على قدمه البائس، وكل الكلام المغاير والاشتراطات المتذاكية فهي لذرّ الرماد في عيون الشعب. ألم يكن لافتاً خلال الاستشارات غير الملزمة التي أجراها الرئيس الحريري أن مواقف معظم الكتل النيابية أعلنت تمسكها بحكومة اختصاصيين، وضرورة الإسراع بتأليفها لتتفرغ لمعالجة الملفات الضاغطة.. للحظة يظن السامع أن هؤلاء جاؤوا للتو من ساحات الثورة، وليسوا من أدارَ البلد لعقود، وهم سبب الانهيار والدَين والفساد والانهيار والفوضى. من يصدّق أن مَن نهبَ المليارات من البواخر وأخواتها، ومَن خطف السيادة واستباح الحدود واحتجز الشعب رهينة لأوهامه سيتخلى عن سياسات الابتزاز والتفخيخ وبيع الأوهام والأكاذيب.. ويريد الإصلاح والتسهيل والإنجاز؟ المؤسف أن كلّ هذه المسرحية تحصل بمعرفة وموافقة ومباركة فرنسا وأميركا! 
 
ففي مقابل التسريبات الممنهجة عن الدعم الفرنسي والتسهيل الأميركي (كلّ لغايات تخصّه) لإخراج حكومة تحفظ ماء وجه المبادرة الفرنسية، وتشرفُ على عملية ترسيم الحدود البحرية، تبدو المنظومة السلطوية، بالرغم من بعض الاعتراضات المضبوطة جداً، كمن يحتفل مزهوّاً بالانتصار، ليس على الشعب الذي خرج قبل سنة ضدّ ناهبيه الفاسدين فحسب، بل وعلى المجتمع الدولي الذي تمّ استدراجه للألاعيب اللبنانية العريقة، وها هي اليوم تشرب نخب إعادة تعويم نفسها وتقاسم الحصص من جديد!
 
في المعلومات المتداولة أن التقسيمة الوزارية بين القوى والكتل السياسية، ستحفظ وزارة المال للثنائي الذي سيسمّي بدوره بقية الوزراء الشيعة، وستعود «الطاقة» لرعاتها بسبب نجاحهم الباهر في إدارة هذا القطاع، ومثلها الاتصالات أيضاً، أما الصحة والأشغال والتربية فسيتم تقسيمها بين البقية المتطلعة إلى حصة من الجبنة الحكومية... وعلى الإصلاح والاختصاص السلام.
 
أين الثورة؟
 
في خضم المشهد المقلوب، يحضر السؤال الضروري؛ أين الثورة من كل ما يجري، أليست هي صوت الناس ووجعهم وطموحاتهم بدولة منشودة تحترم مواطنيها وتلبي طموحاتهم وتعالج مخاوفهم؟
 
الواقع أن هذا السؤال بعد مرور سنة على انطلاق ثورة ١٧ تشرين مشروعٌ ومبرّر، بل ضروري وخصوصا بعد إعادة إحياء مسخ المحاصصة، وتهميش مطالب الشعب وآلامه وآماله بدولة تصون مصالحه، وتحقق الإصلاح المنشود؟ 
 
لا مناص من الاعتراف أن الإخفاقات التي منيت بها الثورة يجب أن تشكّل دافعاً لمراجعة نقدية وسريعة، خصوصاً لمفاصل دقيقة شكّلت مقتلاً في أدائها، سواء لناحية غياب المشروع الواقعي والتدريجي، أو عدم إقناع المجتمعين العربي والدولي بتبني مطالب الشعب أو غيرها من الضروريات لإحداث التغيير المنشود. فالثورة اكتفت ببعض الإنجازات الموضعية فَسكرَت بها وظنت بعفوية وسذاجة أن المنظومة ستسلّم بسهولة. 
 
إنّ السكوت عما يحضّر للوطن من مكائد جريمة توازي فظائع عودة الطبقة السياسية للتحكم بمصائر هذا الوطن، كما أن انتظار رضا الخارج استهتار.. على الثورة أن تحثّ الخطى وسريعاً، ومن دون طوباويات مبالغ بها، نحو بلورة الائتلاف المدني الوطني المعارض لانطلاق مسار إعادة تكوين سلطة شرعية وفاعلة، فمتى يتحقق هذا الأمر؟
 
 
أضف تعليقك





الرئيسية
من نحن
استشارات
مواقع صديقة
فئات خاصة
أراء ,مقالات و تحقيقات
دراسات ومؤتمرات
القطاع التعليمي، التربوي، الصحة و الدواء
النظام الداخلي للمركز



يوجد حاليا

زائر حالياً  
© جميع الحقوق محفوظة جمعية المركز اللبناني للتدريب النقابي

إن الآراء الواردة في الموقع تمثل أصحابها وليس بالضرورة رأي الجمعية
تصميم و برمجة