تعليقاً على موضوع «اللواء» عن «خطة من 20 اقتصادياً»

الإنقاذ المالي والإقتصادي يحتاج إلى نهج خارج عن المألوف - جريدة اللواء- محمد ياسر الصبان

 

 - Jan 14, 2020



 نشرت صحيفة اللواء في عددها السابق 15707 مقالاً للأخ الكبير الأستاذ ذو الفقار قبيسي بعنوان «خطة إنقاذ» مقدمة من 20 اقتصادياً وخبيراً مالياً. ونجد من واجبنا الوطني والإنساني أن نرد عليها. إذ أن أي فكر إصلاحي حقيقي يجب أن يلتزم مكارم الأخلاق أولاً. وإلا تحوّل الى باطل يُحلل المحرمات بحجة أن الضرورات تبيح المحظورات، فيستسهل المسؤول السياسي مدّ يده على المال الحرام بحجة الإصلاح.

 

وأول المحرمات هي مد يد السياسيين على مدخرات الناس كمّاً ونوعاً. بينما الواجب هو البحث عن اللص الذي سرق السيولة النقدية، ومعرفة أين وكيف اختفت هذه السيولة كما أنه من المحرمات استسهال تحويل المجتمع اللبناني من منتج الى متسوّل عالمي فاقد للكرامة ومستعمر من الدول المانحة ومن صندوق النقد العالمي.

 

وإذا كانت الدراسة تستشهد بما حدث في أزمة الكساد العالمي مطلع القرن العشرين وبأزمات فقدان السيولة في بعض الدول الأفريقية، فالحقيقة هي أن أزمة اختفاء السيولة النقدية «بانكنوت» من الأسواق هي أزمة عالمية متكررة، حدثت في الولايات المتحدة عدة مرّات وحدثت في الخليج العربي وفي قبرص واليونان واسبانيا وإيطاليا وبريطانيا. لذلك فإن أي خطة حقيقية لحل الأزمة اللبنانية المتفاقمة لا بد أن تأخذ بمسألة مكارم الأخلاق وصدق المعاملة لكي لا نخرج من أزمة اقتصادية لنقع في فساد سياسي يحمّل أفراد  المجتمع كلفة الأزمة الحالية ويولد أزمة مستقبلية أكثر تفاقماً وأشد خطراً تتحملها الأجيال القادمة التي لا ذنب لها بغباء أجدادها الذين ناموا على حرير الاقتصاديين والخبراء الماليين. كما أن الحل العلمي الاخلاقي الصحيح للأزمة اللبنانية سينعكس على العالم وسيكون حلاً لأزماته المتكررة.

 

وبما أن لبنان مجتمع متعدد الثقافات وهو مهد الحضارات فلا بد أن نسأل ذاتنا عن امكانية توليد حضارة اخلاقية انسانية من رحم هذه الأزمة الخانقة. وإذا كانت الطائفية السياسية وكذبة حماية مصلحة الطوائف سبباً لما نحن فيه من تقوقع واقتتال، فإن التعددية الثقافية هي إرث ثمين قادر أن يحقق لنا ما لا نحلم به من السعادة والبحبوحة والنمو. ويكفي لذلك أن نسبر غور العلم الكامن في الرسالات السماوية التي نقتتل بسببها، وأن نسأل أنفسنا أين تتلاقى هذه الرسالات والحضارات السالفة، وإذا بحثنا فسنجد ذلك في علم المال ووجوب المحافظة على نوعيته وعلى البركة فيه. وهذا ما يدعو فريق «التمويل بالنمو» كل أساتذة الاقتصاد والسياسة والاجتماع الى دراسته وفهمه بدقة ليتحقق أمن المجتمع وسعادة أبنائه، والأزمة اللبنانية هي فرصة حقيقية لتطوير علم أمن المجتمعات في الاقتصاد والصحة والتعليم والبيئة والدفاع والثقافة والعدل.

 

ولفهم مبدأ المحافظة على نوعية المال وتحريم «ربا المال» الذي جاء في كافة الرسالات وفي كتب الفلاسفة الإغريق وحضارات ما بين النهرين، وما ورد عن إبن خلدون والمقريزي عن أسباب الفقر والمجاعة، وعن سبب صكّ الأمير علاّقة للنقود الذهبية وربطها بالعز بعد الفاقة، لا بد أن نفهم العلاقة التاريخية بين المرابي وخلط المعادن الرخيصة بالذهب وهو ما يتسبب بربا أو تضخم الكتلة النقدية، والذي ولّد «قانون غريشام»: العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة. وهذا هو نفسه ما يتسبب اليوم للعالم بالأزمات المتفاقمة التي جعلت من خدمة الدين العالمي أعلى من معدل نمو الإنتاج، ومكّنت من يولّد العملة الرديئة الوهمية من التربع على عرش الثروة العالمية، وذلك بعد أن انتقل المال فيزيائياً من المعدن الى الورق وقد يتحوّل الى بصمة عين أو صوت. وهنا تكمن المشكلة الانسانية والوطنية الأكبر التي سمحت للمرابي الوطني والعالمي من تسخير العالم لخدمته، وسمحت له بالإدعاء بأن الله منحه علماً في المال والذهب يمكنه من استعباد وتسخير الغواييم كما يسخر الانسان باقي الكائنات لخدمته.

 

ولنفهم المسألة بوضوح أكثر لا بد من فهم العناصر المكونة للمال ومعرفة مصادرها وأهمية الدورة المالية في جسم المجتمع وأهمية وصوله لكافة الأطراف لكي لا تولّد بؤر متطرفة مؤذية، فالمال يتكوّن من عنصرين أساسيين هما النقود والثروة، حيث أن النقود هي وعاء الثروة، ولا أهمية لكمية النقود إلا بتنمية عنصر الثروة التي تحملها. فإذا درسنا القطاعات المنتجة المولدة للثروة وفعّلنا قدرتها الإنتاجية، وإذا درسنا القطاعات المنتجة للنقود وعلمنا أن من يمتلك سلطة إنتاج النقود فهو يمتلك بنفس الوقت سلطة فرض الضريبة على مالكي هذه النقود بسبب تسرب الثروة اليها بمجرد ضخّها في المجتمع، وامكانية استخدام هذا الضخ كوسيلة ضريبية عادلة وغير مكلفة بديلة عن الوسائل التقليدية المتخلفة، وإذا حصرنا مسألة سلطة توليد النقد بالمسؤول عن أمن المجتمع، ومنعنا مولدات النقد الربوي الرديء الذي يتسبب بإختفاء النقد الجيد مراراً وتكراراً في العالم، بذلك نكون قد أدخلنا لبنان في ثورة ثقافية جديدة في علم المال تنقذ مدخرات اللبنانيين بالكمية والنوعية، وبنفس الوقت تجعل من الأزمة اللبنانية سبباً في إنقاذ الإنسانية من الشر العالمي المستبد بالسياسة والقضاء والتجارة والاقتصاد العالمي، والذي يُفسد في الأرض ويأكل أموال الناس بالباطل ويقتل الناس والأنبياء ويُحرف الرسالات السماوية عن هدفها الحقيقي وهو حصراً سعادة الإنسان.

 

وأختم بأن فريق «التمويل بالنمو» جاهز ليضع نفسه في خدمة الشعب اللبناني لحماية ثروته من التآكل في الكم والنوع، وتوليد المضاد الحيوي العلمي القاتل لجرثومة الفساد المستشري، مما سيجعل الشعب اللبناني من أسعد شعوب العالم وأثراها في مدة قصيرة جداً.

أضف تعليقك





الرئيسية
من نحن
استشارات
مواقع صديقة
فئات خاصة
أراء ,مقالات و تحقيقات
دراسات ومؤتمرات
القطاع التعليمي، التربوي، الصحة و الدواء
النظام الداخلي للمركز



يوجد حاليا

زائر حالياً  
© جميع الحقوق محفوظة جمعية المركز اللبناني للتدريب النقابي

إن الآراء الواردة في الموقع تمثل أصحابها وليس بالضرورة رأي الجمعية
تصميم و برمجة