واقع الجلسات في مجالس العمل: العامل ينتظر سنوات لتحصيل حقوقه  - المفكرة القانونية - لور ايوب

 
 - Jun 18, 2019



 تفيض قاعة مجلس العمل التحكيمي بالمتقاضين، بضعة محامين يقفون على مدخل القاعة لتنشق الهواء النقي في هذا اليوم الحار. فالقاعة مكتظة بسبب تجاوز عد الملفات ـ50 ملفاً، والمقاعد امتلأت، وهو أمر يُعد اعتيادياً في هذه المحكمة. ما يبعث بالراحة قليلاً في نفس المحامين المنتظرين هو أن كل ملف يستغرق عموماً 5 دقائق، وفي حال كانت مخصصة للاستجواب، فلا تتعدى 15 دقيقة. لكن هذه الراحة التي نشهدها إزاء سرعة عقد جلسات المحاكمة، يُقابلها إحباط العامل المدعي ضد صاحب عمله لتحصيل حقوقه، وذلك عندما يتم إرجاء الجلسات في قضيته لأشهر عديدة بسبب كثرة الملفات في العدلية. قد يكون العامل قرأ قانون العمل متوهماً أن المحكمة تحترم المهلة المنصوص عنها في المادة 50 منه. فتلك المادة تنص على أنه على مجلس العمل التحكيمي أن يبتّ في قضايا الصرف التعسفي في مهلة لا تتجاوز الثلاثة أشهر، وها هو هذا العامل اليوم يتفاجأ أن نص المادة 50 هُضم في كابوس واقع طول أمد المحاكمات في قضايا العمل. فعدد الملفات هائل، وهو يفوق طاقات القضاة وأعضاء مجالس العمل التحكيمية – وعددهم قليل– الذين يشرفون على نزاعات العمل على نطاق المحافظات (مثلاً: ثلاث غرف لحل كافة نزاعات العمل على نطاق محافظة جبل لبنان التي تضم أكثر من 1.8 مليون نسمة).

خلال مراقبة لجلسات المجلس العمل التحكيمي ليوم واحد فقط، يُستنتج أن أمد الدعوى يتخطى بأشواط المهلة القانونية. فهناك دعاوى لا تزال عالقة أمام المجلس منذ أكثر من عامين وأخرى تخطت العشر سنوات.

وفي نهار عادي، خلال فترة اعتكاف غالبية القضاة اللبنانيين عن العمل سنة 2019 احتجاجاً على المس باستقلاليتهم وبحقوقهم المالية، هناك قاضية في مجلس العمل التحكيمي اختارت الاستمرار في عقد جلساتها. المفكرة وثقت بعض هذه الجلسات كما قابلت بعض العمال المدعين الذين شاركوها تجاربهم،

 

حوادث العمل على عاتق المؤسسة

يروي عُمر1 للمفكرة ما حصل معه بعدما تعرض لحادث أثناء الدوام داخل مكان العمل.

يقول: "تعرضت لحادثة في العمل وأصبت في رجلي، تم نقلي إلى المستشفى وهناك تم تغطية 70% من التكاليف الطبية من قبل شركة التأمين الخاصة بالشركة. يُضيف، "تبقى نسبة 30% كان على الشركة أن تدفعها لأن ما حصل معي يوضع في خانة "حوادث العمل"، لكن الشركة رفضت أن تدفع. بعد حين، توجه العامل إلى وزارة العمل وتقدم بشكوى لتحصيل حقه، فرفعت الوزارة رسالة إلى الشركة تؤكد عليها وجوب تحمل تكاليف العلاج. آنذاك، انصاعت الشركة لطلب وزارة العمل، لكن الشكوى التي رفعها العامل أدت إلى نشوء نزاع من نوع آخر بينه وبين صاحب عمله. إذ يؤكد "عند عودتي إلى العمل بعد شهر قضيته في المنزل لأتعافى، اشترط علي المدير أن أتنازل عن حقوقي المتأخرة، مقابل الاستمرار بالعمل". وهذه الحقوق هي عبارة عن "الفرص السنوية والمنح المدرسية التي لم آخذها طيلة فترة عملي في الشركة، وتصل قيمتها إلى حد 10 آلاف دولار أميركي".

يُضيف عُمر الذي تخطى عمره الخمسين عاماً، "أيقنت أنني إن لم أُساوم على حقوقي سأفقد عملي ولن يكون لي أي فرصة لإيجاد عمل آخر وأنا في هذا العمر". يتابع، "ما حصل أنني وقعت على الاتفاقية لكنني تفاجأت بعد مرور شهرين بإرسال إنذار صرف دون تعويض". والحال، أن الشركة التي يعمل بها عُمر أيضاً تمنعت عن التصريح عن أجره الكامل لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي طيلة فترة عمله لديها. لذا، توجه عُمر إلى مجلس العمل التحكيمي لحفظ حقه، وبدأ بحضور الجلسات منذ ما يقارب العام، ولا تزال القضية عالقة.

وفي حين حاولت الشركة عرض عليه شهرين تعويض مقابل إسقاطه للدعوى، غير أن عُمر رفض هذا العرض نظراً لرداءته مقابل حجم الخسائر التي تكبدها.

 

يقضمون من الراتب دون تبرير

علي2، أحد العمال الآخرين الذين قابلتهم المفكرة ذاك اليوم، يقول إنه رفع دعوى على مؤسسة عمل لديها لفترة 23 سنة، وتم صرفه منها دون تعويض، وبعدها تم طرد ابنه الذي يعمل معه في المؤسسة نفسها انتقاماً منه، والده.

يقول الرجل الذي يبلغ من العمر 54 عاماً، "قضيت في العمل 23 سنة بصفة رجل أمن، لم يتم التصريح عني لدى الضمان الاجتماعي إلا آخر 13 عاماً من العمل". يُضيف، "بدأت المؤسسة تقضم مبلغ 190 دولار أميركي من الراتب الأساسي الذي لا يتخطى 750 دولار أميركي". وعندما كان الرجل يسأل مسؤولة الموظفين عن الأمر كانت تتذرع بأن الشركة تجمع له المال كتعويض نهاية خدمة.

صبر الرجل لبضعة أشهر أخرى، تم توظيف خلالها ابنه للعمل في المؤسسة عينها. وبعد حين، حاول علي مراجعة مسؤولة الموظفين بشأن المبالغ التي قضمتها المؤسسة منه مطالباً إياها بتعويض، لكنه فوجئ بصرفه الفوري من العمل من دون تعويض. لا بل ارتد الأمر، بحسب أقواله، على وضع ابنه الذي تم صرفه ايضاً.

منذ أكثر من سنة ونصف، وعلي يقبع في المنزل بسبب عدم إيجاده أي فرصة عمل في شركة أخرى، فيما يعمل الابن في ورش مقابل أجرة على الساعة بحسب ما يتيسر. الوالد وابنه، تقدما بدعوى أمام مجلس العمل التحكيمي منذ سنة ونصف، للمطالبة بتعويض الصرف التعسفي، ولا تزال قضاياهم عالقة.

 

متقاعد يُطالب بتغطية صحية من المصرف الذي عمل لديه

يروي سمير3 الذي تخطى السبعين من العمر خلال الاستماع إليه من قبل المحكمة، كيف أنه كان مطمئن البال بعد تقاعده من عمله في أحد المصارف، بسبب التأمين الصحي الذي كان يقدمه المصرف للمتقاعدين. هذه الطمأنينة تحولت إلى كابوس عند تغيير المصرف لسياسته تجاه خدمات التأمين الصحي.

"في العام 2004، اقترحت إدارة المصرف أن أتقاعد قبل عامين من سن التقاعد الرسمي أي 64 عاماً". يُضيف سمير، "وقعنا على اتفاقية في مرحلة كان الموظفون المتقاعدون يستفيدون من التـأمين الصحي طيلة حياتهم، ومعهم زوجاتهم وبعض الاستثناءات لأولادهم". لكن، سنة 2009، تفاجأ سمير بإصدار المصرف لمذكرة جديدة تُعدل شروط التغطية الصحية للموظفين والمتقاعدين، وتُبطل حق استفادة المتقاعدين من التأمين الصحي، في حين تُجيز لهم فقط الاستفادة من الأسعار المخفضة التي يحوز عليها المصرف من شركة التأمين. "توجهت مباشرة آنذاك وادعيت على المصرف بسبب تغيير هذه الشروط" يوضح سمير للقاضية، مضيفاً أن الشروط الجديدة "لا تتناسب مع وضعه كمتقاعد لا مدخول لديه سوى مدخراته".

يُطالب سمير المصرف في تلك الدعوى بالتعويض له عن الأموال التي دفعها لقاء تلقي خدمات طبية على حسابه الشخصي، وهي التي برأيه من واجب المصرف أن يتحمل تكاليفها. الدعوى لا تزال عالقة أمام المجلس منذ أكثر من 10 سنوات.

 

أنماط المحاكمات

في هذا النهار، ومن خلال رصد جلسات مجلس العمل التحكيمي، أمكن تسجيل بعض الأمور التي تبدو وكأنها نمط أو روتين والتي قد تعيق تمتع العمّال بمحكمة عادلة وسريعة:

أولاً، مماطلة بعض المحامين في تقديم وكالاتهم جانب المجلس. فنهار الرصد، وصل دور عامل ليمثل أمام القاضية في دعوى رفعها ضد صاحب عمله وهو مهيأً للاستجواب، غير أن وكيلة صاحب العمل تقدمت بطلب استمهال لأجل إثبات وكالتها. وإن هذا الأمر، شهدناه في العديد من دعاوى العمل، غالباً من جهة وكلاء المدعى عليهم (شركات وأصحاب عمل)، بحيث يحضر محامون دون وكالة أو يتقدمون بوكالة خلافاً للأصول إلخ. وكل ذلك يصب في اتجاه واحد، ألا وهو كسب المزيد من الوقت، والمماطلة، وهو وقت يضيع من حياة العامل قبل تحصيله لحقوقه.

ثانياً، خروج ممثلة العمّال من قاعة المحكمة خلال عقد الجلسات، دون تبرير هذا الغياب، أو حتى دون الاستئذان من قبل القاضية أو من أطراف النزاع. وفي حين يقتضي على ممثلي العمال أن يلعبوا دورا في دعم ومساعدة الأجراء للدفاع عن حقوقهم أمام المحكمة،

ثالثاً: تحديد جلسات محاكمة متباعدة زمنياً عن بعضها البعض، على نحو يؤدي إلى إطالة أمد الدعاوى بشكل يتخطى بأشواط مهلة الثلاثة أشهر المنصوص عنها في المادة 50 من قانون العمل ويتناقض مع مبدأ المحاكمة العاجلة في دعاوى العمل.

ويزيد هذا النمط أوضاع العمال المدعين هشاشة، خاصة وأن الكثيرين منهم يتعذر عليهم إيجاد عمل جديد بعد صرفهم من العمل، خاصة أولئك الذين تجاوزوا أعمار غير مرحب فيها في سوق العمل.

 

وفي حين تكمن أسباب بطء أمد المحاكمات أمام مجالس العمل التحكيمية في ارتفاع أعداد الملفات مقابل ضآلة عدد غرف المجالس ومركزيتها على صعيد المحافظات، فقد يكون الأنسب زيادة عدد الغرف وتوزيعها على دوائر أصغر (مثل الأقضية)، حرصاً لإعمال مبدأي العجلة في قضايا العمل والقرب بين المواطن والقضاء وتطبيقاً لأحكام المادة 50 من قانون العمل.

 

 

1 إسم مستعار.

2 اسم مستعار.

3 اسم مستعار.

أضف تعليقك





الرئيسية
من نحن
استشارات
مواقع صديقة
فئات خاصة
أراء ,مقالات و تحقيقات
دراسات ومؤتمرات
القطاع التعليمي، التربوي، الصحة و الدواء
النظام الداخلي للمركز



يوجد حاليا

زائر حالياً  
© جميع الحقوق محفوظة جمعية المركز اللبناني للتدريب النقابي

إن الآراء الواردة في الموقع تمثل أصحابها وليس بالضرورة رأي الجمعية
تصميم و برمجة