حل العجز يبدأ من الكهرباء.. لا من جيوب الفقراء - جريدة المدن - عزة الحاج حسن

 

 - Dec 10, 2018



 لا يمكن وصف توصل وزارة المال ومصرف لبنان إلى اتّفاق على تمويل إحتياجات الدولة لعام 2019 سوى بـ"استمرار سياسة الترقيع"، وإن كان ما تم الإتفاق عليه "أفضل الممكن"، نظراً لتعاظم العجز المالي ومواجهة الدولة لاستحقاقات يصعب الإلتزام بها من دون تدخل القطاع المصرفي، وعلى رأسه مصرف لبنان.

تسعى وزارة المال إلى تثبيت انتظام دفع الرواتب والأجور وملحقاتها، ودفع المترتبات على الدولة من سندات الديون الداخلية والخارجية، "حفاظاً على سمعة لبنان وتصنيفه الائتماني". وقد نجحت مبدئياً بإقناع مصرف لبنان بإعادة ضخّ أموال اضافية وبتدخله لإجراء اكتتابات جديدة توفر سيولة في البلد.

من الصواب العمل على تأجيل "تفجّر الأزمة"، لكن هذا التأجيل قد يكون الأخير، ما لم يتم اتخاذ قرارات جريئة وحاسمة، حيال خفض النفقات وزيادة الإيرادات عام 2019، نظراً لتفاقم وضع العجز المالي، وغياب أي رؤى واضحة للتعامل معه جذرياً، في المرحلة المقبلة.

ويكاد يجمع خبراء الإقتصاد من مختلف التيارات السياسية على ضرورة ضبط العجز واتخاذ قرارات حاسمة، وإن كانت موجعة في بعض جوانبها، حيال تراكمه المتسارع، فلا تختلف تقديراتهم لمخاطر تفاقم العجز المالي باختلاف انتماءاتهم السياسية، ولكن هل من حلول قريبة المدى لخفض العجز أو السيطرة عليه بالحد الأدنى؟

قرارات موجعة
تقف وزارة المال أمام تحديات كبيرة في المرحلة المقبلة، تتمثل بضرورة خفض العجز، لاسيما أن العجز المقدر في العام 2018 بنحو 7247 مليار ليرة من المتوقع أن يصل إلى 9000 مليار، ونسبته 11 في المئة من حجم الإقتصاد. انطلاقاً من هذه الأرقام، يرى الخبير الإقتصادي الدكتور غازي وزني في حديث إلى "المدن" أن التحدي الأول والأخطر أمام وزارة المال هو خفض العجز.

ولعل الإجراءات الموجعة لناحية ضبط الإنفاق تتعلق، وفق وزني المقرب من حركة أمل، بقطاع الكهرباء ونظام التقاعد، إذ يبلغ عجز الكهرباء نحو 3000 مليار ليرة. وهذا الأمر يحتم اتخاذ قرار جريء وحازم، حيال خفض عجز الكهرباء، مرجّحاّ الإقدام على رفع التعرفة الكهربائية في المرحلة المقبلة وخفض الدعم.

أما لجهة النظام التقاعدي، فإن إصلاحه يُعد من أولويات العام 2019 إلى جانب الكهرباء، فالرواتب التقاعدية، حسب وزني، هي القنبلة الموقوتة الفعلية والحقيقية في المرحلة المقبلة، لاسيما أن سوء تقدير الكلفة الحقيقية لرواتب المتقاعدين أوقع المالية في أزمة.

كما ليس مقبولاً، حسب وزني، تجاوز الوزارات الاعتمادات المالية المرصودة لها. وهذا أمر يستلزم ضبطاً. كما يجب وقف التوظيفات بشكل كامل والحد من الهدر، إلى جانب الإتفاق مع مصرف لبنان على آلية لخفض خدمة الدين العام.

ولا يختلف تصوّر مستشار القوات اللبنانية الخبير الإقتصادي روي بادارو، حيال أزمة العجز عن غالبية الخبراء، بمعزل عن الإختلافات السياسية. فيرى بادارو في حديثه إلى "المدن"، أن على وزارة المال اتخاذ قرار حاسم بلجم العجز المالي "والحل الوحيد يقضي بخفض النفقات وزيادة الإيرادات من دون زيادة الضرائب". فلا يجوز أن يكمل البلد بـ 330 ألف موظف وأجير ومتقاعد في القطاع العام". وعليه، يجب إعادة هيكلة القطاع العام، بما يتناسب وحاجات الدولة وقدراتها. ويعتبر بادارو كما وزني، أن معالجة أزمة عجز الكهرباء يعد أولوية للعام 2019.

العجز إلى أين؟
مساهمة مصرف لبنان بالاكتتاب، لتأمين التمويل ليس حلاً نهائياً، بل مؤقت، ما يحتم على الدولة المباشرة بخفض العجز، وفي حال الإستمرار على هذا النحو، سيتجاوز العجز المالي 11000 مليار ليرة، أي أن نسبته ستفوق 12 في المئة من حجم الاقتصاد، يقول وزني، وحينها سيكون البلد متجهاً فعلياً إلى أزمة مالية لا يمكن الخروج منها، لا سيما في ظل غياب أي مؤشرت بأن النمو عام 2019 سيكون أفضل منه عام 2018.

أما وأن العجز المالي بات مرجّحاً تجاوزه 9000 مليار ليرة، نهاية العام 2018، فإن الإستمرار في تمويله بات مستبعداً، والحل حسب بادارو، يكمن في إعطاء إشارة لحل أزمة الكهرباء بعد تشكيل الحكومة. وما لم يتم ذلك، فإن البلد سيواجه مشكلة كبيرة. وهذا سيتضح في عملية تمويل اليوروبوندز، المرتقب في شهر نيسان 2019. فالمستثمرون الأجانب يملكون حالياً سندات بنحو 9.5 مليار دولار. من هنا، فالدولة ملزَمة بحل أزمة الكهرباء، وإعطاء إشارة مالية تسهل عجلة التمويل، "وإلا فلن يكتتب أحد".

مباشرة الإصلاح في قطاع الكهرباء ونظام التقاعد كفيل بإعطاء مؤشرات إيجابية لتأمين تمويل للدولة، مع استبعاد الذهاب إلى حلول تقضي برفع الضرائب. إذ أن القطاعات الإقتصادية كافة باتت منهكة. وخير دليل، تراجع الإيرادات الضريبية بنسبة 5.14 في المئة خلال النصف الأول من العام 2018، بسبب تباطؤ النمو، وارتفاع مستوى المخاوف لدى المستهلكين، وتراجع القدرة الشرائية وانخفاض نشاط المؤسسات وأرباحها.

 
أضف تعليقك





الرئيسية
من نحن
استشارات
مواقع صديقة
فئات خاصة
أراء ,مقالات و تحقيقات
دراسات ومؤتمرات
القطاع التعليمي، التربوي، الصحة و الدواء
النظام الداخلي للمركز



يوجد حاليا

زائر حالياً  
© جميع الحقوق محفوظة جمعية المركز اللبناني للتدريب النقابي

إن الآراء الواردة في الموقع تمثل أصحابها وليس بالضرورة رأي الجمعية
تصميم و برمجة