توافق سياسي واسع على «التروّي وتجنيب البلد المزيد من الانقسامات»الاعتراف» بحق المرأة منح جنسيتها لأسرتها لا يقترن بالفعل - سعدى علوه - السفير
 - Mar 23, 2012



حبست نساء لبنان أول من أمس أنفاسهن على وقع جلسة مجلس الوزراء التي تضمّن جدول أعمالها، وللمرة الأولى، حق المرأة اللبنانية بمنح جنسيتها لأولادها. ولكن، وبالرغم من استثناء الفلسطينيين الذي كان يجب أن يخفف مما يسمّونه «حساسية» الموضوع، إلاّ أن الأفرقاء السياسيين، وفي مقدمهم وزراء «التيار الوطني الحر»، قرروا «التروي في الموضوع عبر إحالته إلى لجنة وزارية لمزيد من النقاش»، وربطوه بتعديل قانون الجنسية برمّته.
كأن القضية طرحت بـ«الأمس» فقط، ولم يستغرق النضال من اجلها سنوات طويلة، ومنذ الاستقلال، كي لا نقول منذ وضع قانون الجنسية في العام 1925، مميزاً بين المرأة والرجل، كي يطلب البعض مزيداً من الوقت لـ«التروي والنقاش بهدوء».


يأتي قرار مجلس الوزراء بإحالة مشروع قانون إعادة حق اللبنانيّة بمنح جنسيتها لأسرتها إلى لجنة وزارية في ظل عدم اكتفاء القانون اللبناني بالتمييز بين الرجل والمرأة، بل بين المرأة اللبنانية والأخرى الأجنبية التي تتزوج بلبناني، وفقاً لنص الفقرة الرابعة من القرار 15 من القانون نفسه. وتمنح هذه المادة الأجنبية المجنّسة عبر زواجها بلبناني حق منح الجنسية اللبنانية لأولادها من زوجها الأجنبي، في حال كانت متزوّجة قبلاً. وعليه، تعطي الأجنبية حقاً ممنوعاً على اللبنانية نفسها.
وتفيد «جوجلة» سريعة لآراء غالبية الأطراف السياسية في لبنان، بأن «راجح» المسرحية الرحبانية هو من يعرقل إعادة حق المرأة اللبنانية في منح جنسيتها لأولادها. إذ يجمع معظم التيارات والأحزاب الرئيسية على «تأييد مبدأ منح اللبنانية جنسيتها لأولادها، وحتى لزوجها أحياناً»، ولكن يبدو أن «الشيطان» يكمن في التفاصيل.
عليه، يؤكد مصدر رسمي لـ«السفير» أن «هناك توافقاً سياسياً، اقله على صعيد الأكثرية، وآخر رئاسياً يصب في خانة التعامل مع الموضوع بهدوء وفق المحاذير التي يفرضها الدستور لجهة رفض أي شكل من أشكال توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان».
ويشدد مصدر مقرّب من رئيس الحكومة على «أن الرئيس نجيب ميقاتي مقتنع بحق اللبنانية في منح جنسيتها لأولادها، من دون أي تمييز بين جنسية وأخرى». وتسأل مصادر رئيس مجلس الوزراء عن «الخطأ الذي ارتكبه الأخير في إدراج مشروع القانون على جدول أعمال الحكومة أول من أمس. وعن رد فعل المجتمع المدني لو أنه لم يفعل ذلك». وتؤكد أن «ميقاتي لا يمكنه أن يختزل مجلس الوزراء».
وفي محاولة لتوضيح موقف «حزب الله»، يؤكد وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية محمد فنيش لـ«السفير»، «أننا مع التوافق، ونحن نؤيد منح اللبنانية حق إعطاء الجنسية لأولادها عندما يتوافر التفاهم السياسي حول الموضوع».

حق بديهي

في مقابل تأكيد وزير العدل شكيب قرطباوي أن «تكتل التغيير والإصلاح لم يجتمع بعد ليأخذ موقفاً واحداً من القضية»، يدعو عضو التكتل النائب نعمة الله أبي نصر إلى «الكفّ عن المتاجرة بالقضايا من منطلقات طائفية ومذهبية، وعن التلاعب بديموغرافية البلد من خلفيات طائفية ومذهبية بغيضة، لمصلحة طائفة أو طوائف على حساب الطوائف الأخرى».
ويعبّر وزير الشؤون الاجتماعية وائل ابو فاعور عن موقف جبهة النضال الوطني بالتأكيد على «التفهّم الكامل للاعتبارات الديموغرافية»، ولكن مع «تأييد منح المرأة حق إعطاء جنسيتها لأبنائها من دون تحفظ». ويرى ابو فاعور أنه «إذا أردنا أن نعدل مع المرأة فيجب ألا نمارس فائض عنصريتنا على الشعب الفلسطيني، عبر استثناء المتزوّجات من فلسطينيين».
ويتلاقى موقفا حزبي «الكتائب» و«القوات اللبنانية» في الاعتراف بالحق البديهي للمرأة اللبنانية بمنح جنسيتها ليس لأولادها فحسب بل لزوجها أيضاً. وتصف النائبة ستريدا جعجع لـ«السفير» ما حصل في مجلس الوزراء بـ«العيب»، لتؤكد أنه «من غير المقبول أن يمنح القانون الجنسية اللبنانية لزوجة اللبناني الرجل وأولاده، ويمنع الحق نفسه عن المرأة اللبنانية».
ويعود عضو المكتب السياسي لـ«الكتائب» البير قسطانيان إلى البرنامج السياسي للحزب، ليقول إن «الحزب ونوابه يسعون إلى تحقيق المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة، وعلى رأسها حقها بمنح الجنسية لأسرتها».
وكان رئيس الحكومة السابق سعد الحريري قد «غرّد» على موقع «تويتر» لمناسبة عيد ألأم، بدعمه «حق اللبنانية بمنح جنسيتها لأسرتها»، مختصراً موقف تكتله النيابي وفريقه السياسي. وعليه، يرى مصدر رسمي أن «بعض المواقف التي تحاول استغلال الأمر في دائرة المزايدات السياسية، هي أكثر من يعلم حساسية الموضوع، وسبق لها أن تعهدت لمراجع روحية بعدم السير بأي أمر يقرّب لبنان من مخاطر التوطين».
وبغض النظر عن مشاعر «الإحباط» التي شعرت بها المرأة اللبنانية إثر قرار الحكومة، وفق تعبير إحدى الناشطات في المجتمع المدني، يضع ممثلون للمجتمع المدني «الإصبع على الجرح» عبر الإشارة إلى الخلفية الطائفية - السياسية لقضية المرأة، وعلى رأسها «ذريعة التوازن الديموغرافي. فمن المعروف أن اللبنانيات المقترنات من أجانب هن في غالبيتهن (نحو سبعين في المئة) مسلمات. ويتلاقى توصيف المجتمع المدني مع ما أكده مصدر رسمي لـ«السفير» من أن «المناخ الرافض لتعديل القانون مسيحي بامتياز»، وهو ما يعبر عنه موقف أبي نصر.

حساسية

أوضح مصدر رسمي لـ«السفير» أن «نقاشاً مطولاً حصل في الشأن داخل مجلس الوزراء، حيث قدمت اقتراحات بوضع مزيد من الاستثناءات كي لا يتم التحايل على القانون، ويصار إلى توطين بقنَاعين». فقد «يحصل»، وفق المصدر، «أب فلسطيني يحمل جنسية أوروبية أو أي جنسية أجنبية، ومن خلال زواجه بلبنانية على الجنسية اللبنانية». وعليه، «استقر الرأي»على إعطاء الموضوع المهلة الكافية لدراسته عبر لجنة وزارية «تجوجل» الأفكار والاقتراحات التي عرضت». وتوقف المصدر عند «الحساسية الكبيرة للقانون إذ لا يمكن «سلقه» بسرعة، مما يفتح العين الدولية على لبنان، وتحديداً من الهيئات والمنظمات الدولية التي تعنى بحقوق الإنسان».
ونفت مصادر رئيس مجلس الوزراء أن يكون تحويل الموضوع إلى لجنة وزارية يرمي إلى «دفنه»، بل إلى «استكمال بحثه وتقديم الإجابات عن ملاحظات الوزراء كافة، لا سيما ضرورة وجود رأي لوزارة العدل».
ويرى مصدر مقرب من ميقاتي أن رئيس الحكومة افترض أن «وضع التعديل على جدول أعمال الحكومة في عيد الأم سيكون هدية لا للأمهات المتزوجات بغير لبنانيين فحسب بل لكل نساء لبنان، لكونه يكسر حاجز اللامساواة بين الجنسين». ورأى المصدر أن إحالة المشروع إلى لجنة وزارية «لن تكون سلبية، خصوصاً إذا واكب المجتمع المدني عملها وتابع ضغطه باتجاه تكريس حق اللبنانية بمنح جنسيتها لأسرتها»، ناصحاً بالتعامل مع تبني رئيس الحكومة للقضية بإيجابية.
وبرر فنيش المصير الذي آل إليه مشروع القانون بأن «البلاد لا تحتاج إلى مزيد من الانقسامات والخلافات ولا إلى السجال»، مشدداً على ضرورة وضع «آلية جدية تسهِّل حصول أولاد اللبنانية المقترنة بأجنبي على الحقوق كلها ما دون الجنسية اللبنانية، في انتظار الوصول إلى تفاهم بين الأطراف كافة».
وأكدت جعجع «تأييد القوات حق المرأة بمنح جنسيتها لأولادها فور ولادتهم بغض النظر عن جنسية الزوج فرنسياً كان أم فلسطينياً». وتوقفت عند ضرورة وضع ضوابط لدى منح زوج اللبنانية جنسيتها لمنع الاحتيال على القانون أو ما يسمى بـ«الزواج الأبيض». وشددت على أن «القوات» لا تؤيد استثناء أي امرأة سواء أتزوّجت بفلسطيني أم بغيره، «ففي النتيجة هي امرأة لبنانية يجب أن تتمكن من منح جنسيتها لأولادها».

الزواج الأبيض

وانسجاماً مع مواقفه النارية في موضوع الجنسية اللبنانية، وبالتحديد في ما يخص المرأة، أوضح أبي نصر انه مع «مبدأ منح الأم اللبنانية جنسيتها لأولادها، ولكن ضمن ضوابط، ومنها مبدأ المعاملة بالمثل على الصعد كلها».
وسأل: «لماذا لا يكون هناك مساواة بين لبنان ودول الخليج مثلاً على صعيد اكتساب الجنسية والتملك، ولماذا يبقى «حيطنا واطي». ورأى أنه «إذا كانت حملة جنسيتي حق لي ولأسرتي تنطلق من المساواة بين الرجل والمرأة، فلتكن مساواة على الصعد كلها بما فيها الأحوال الشخصية. وعليه، كما يحق للرجل بأربع نساء، فليحق للمرأة بالمثل، وهو ما يصطدم بخصوصية كل طائفة وأحوالها الشخصية التي تحكمها». وأشار إلى أن «هذه الدولة، ومن خلال وزراء داخليتها، عاجزة عن تنفيذ حكم صادر عن مجلس شورى الدولة بتصحيح مرسوم التجنيس، فكيف تفكر بمنح المرأة الحق بتجنيس أولادها من دون دراسة ضوابط واضحة بحيث نتجنب الوقوع بالخطأ الذي سبق ووقعنا فيه في العام 1994؟».
وعبّر عن اعتقاده أن موقف «التيار الوطني الحر» «يتماشى ويتماثل» مع موقفه، مذكراً باقتراحه بمنح أولاد وزوج اللبنانية المتزوجة من أجنبي البطاقة الخضراء التي يتمتعون عبرها بالحقوق كلها، باستثناء الحقوق السياسية، على أن يبحث بتجنيس كل حالة على حدة من خلال محكمة خاصة تحترم مبدأ التوازن «وهيك بعتقد بيمشي الحال».
وأكد قسطانيان أن موقف «الكتائب» «مبدئي بغض النظر عن المحاذير، وهو مع حق اللبنانية بمنح جنسيتها لأسرتها». وأشار إلى أن الحزب «يستبعد المحاذير، على أهميتها في موضوع حق المرأة اللبنانية بتجنيس أسرتها، وخصوصاً بالنسبة إلى المقترنات بفلسطينيين، أمام المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة». ونبه إلى «ضرورة وضع ضوابط تجنبنا اللجوء إلى الزواج الأبيض للاحتيال على القانون».
وعبرت منسقة حملة «جنسيتي حق لي ولأسرتي» لينا بوحبيب عن مفاجأة الحملة بقرار مجلس الوزراء «لأننا كنا نتوقع نتيجة مباشرة على طرح الموضوع، خصوصاً أن هناك أكثر من اقتراح مقدم إلى الحكومة، والنقاش في شأنه ليس وليد الساعة». وبعدما أشارت إلى عدم وجود أمثلة عن «لجان وزارية اخترعت المعجزات، طرحت جملة من الأسئلة عن وتيرة عمل اللجنة الوزارية التي تشكلت لدراسة تعديل قانون الجنسية، والمعايير والأسس التي ستعتمد خلال البحث، والسرعة التي ستنجز بها مهمتها، وهل ستنسق مع المجتمع المدني ومنظماته أم لا؟». وأكدت على ضرورة إشراك الجهات التي ناضلت وتناضل من أجل حق المرأة بمنح جنسيتها لأسرتها في المشاورات التي ستدور وفي الحلول والمقترحات التي سيتمّ تبنيها.
وشدّدت على موقف الحملة المستند إلى «المساواة والمواطنة الكاملة، والاتفاقيات الدولية، وعلى ضرورة أن يرتكز أي تعديل على هذه المعايير والمبادئ».

أضف تعليقك





الرئيسية
من نحن
استشارات
مواقع صديقة
فئات خاصة
أراء ,مقالات و تحقيقات
دراسات ومؤتمرات
القطاع التعليمي، التربوي، الصحة و الدواء
النظام الداخلي للمركز



يوجد حاليا

زائر حالياً  
© جميع الحقوق محفوظة جمعية المركز اللبناني للتدريب النقابي

إن الآراء الواردة في الموقع تمثل أصحابها وليس بالضرورة رأي الجمعية
تصميم و برمجة