عن أي نهوض تحدث الحريري؟ - جريدة المدن - عصام الجردي

 - Jun 19, 2017



 سينكبّ رئيس الحكومة سعد الحريري بعد حل مشكلة قانون الانتخابات النيابية على "مشروع النهوض الاقتصادي وإيجاد فرص العمل، وخصوصاً للشباب، وتلبية الطموحات الحقيقية للمواطنين بالأمن، وبالبيئة وبالخدمات الأساسية"، على ما قال رئيس الحكومة. حسناً يفعل الحريري. فالبلد بلا رؤية اقتصادية ولا خطة ولا برنامج. والحكومة حكومات في الشأن الاقتصادي. الوزراء يتصرفون قطاعياً وكل منهم يطلق العنان لتصريحات غير قابلة للتنفيذ فرادى. وكلٌ يعمل على هواه. ولا نتيجة. ويتعامل مع الجمهور بزبائنية سياسية فجّة تمهيداً لانتخابات 2018. والبلد يحتاج إلى الثالوث الاقتصادي معاً. الرؤية أولاً ثم الخطة وبرنامج التنفيذ. ولنا في ذلك بضع ملاحظات.

أولاً: الخطوة الأولى تبدأ في استعادة الثقة بالدولة والوطن. إذا كان الرئيس الحريري يعتقد أن قانون الانتخابات النيابية عرقل على حد قوله خطة النهوض الاقتصادي التي آن أوانها، فيخطئ إذ يعتقد أن خطة النهوض الاقتصادي طوع يده. أو طوع يد الحكومة مجتمعة لاستعادة ثقة مفقودة. فقانون الانتخابات النيابية إنما أعد من خارج مجلس الوزراء ومجلس النواب والمؤسسات الدستورية. بعدئذٍ أُقر مشروعا وقانوناً ووقعه رئيس الجمهورية ميشال عون. شُوهت النسبية بالصوت التفضيلي الطائفي والمذهبي وبتوزيع الدوائر، وقت لم يكن أحد يتحدث عن المسّ بالمناصفة بين المسيحيين والمسلمين. "خطة النهوض الاقتصادي" لا تُقر بالأسلوب نفسه. بل من داخل المؤسسات الدستورية.

ثانياً: أن تكون زيادة الاستثمار لحفز النمو ولاستحداث وظائف العنوان التقليدي للخطة الذي مللنا سماعه وترداده، فهذا يعني إننا نراوح مكاننا. وفقاعة الاقتصاد تقترب من الانفجار. للدلالة فقط. في طفرة النمو سنوات 2007- 2010 التي قاربت 9% معدلاً وسطاً، لم يحصل أي تغيير في فرص العمل ومؤشرات الفقر والبطالة. ارتفع الدين العام. وتراجعت المؤشرات الاجتماعية. وفُقدت الخدمات وساءت. وازداد نزف الكفايات العلمية والمهنية إلى الخارج. لا يحتاج الأمر إلى تفسير. لا يمكن بلوغ النمو الشمولي ليصيب فرص العمل ويجزي قيمة مضافة حقيقية في الاقتصاد، ويحسن المؤشرات الاجتماعية بنموذج اقتصادي ومالي لم تعد صفة الريع تليق به. بل هو نموذج الريع المتهتك والفاجر. النموذج الذي ينام فيه المواطن كل يوم على فضيحة ويصحو على أخرى. وكلها تتصل بالساسة وأطراف السلطة مباشرة أو بدعمها.

ثالثاً: هل يعقل ألاّ يعلم أحد حقيقة الدين العام وأرقامه النهائية بين وزارة المال وبين مصرف لبنان؟ سنبقى في النموذج الفاجر. منذ 2009 ومعدلات الفوائد الدولية التجارية تراوح بين صفر% وب0.5%. الآن بدأت الارتفاع على الدولار الاميركي بين 0.75% وبين 1.25%. لكن قدرية حماية النقد بالفوائد والدين التي انتقدها الرئيس عون، عاد ومددّ لحارسها سنوات ستاً في مصرف لبنان. ويتراكم حساب الخزانة في مصرف لبنان تريليونات بالليرة اللبنانية المدفوعة عليها فوائد بما يفوق حاجات الخزانة للانفاق. الفائض الأولي توقف. والعجز مستمر. والفوائد والديون بوتيرة تفوق معدل النمو. إلى متى؟ أيضاً لا أحد يعلم! منذ النصف الثاني من 2014 بعد تراجع سعر النفط توفر للبنان نحو 600 مليون دولار أميركي وتراجع عبء المحروقات عن مؤسسة كهرباء لبنان. والنتيجة صفر. علماً، أن نحو 85% من النفقات أجور ورواتب وفوائد الدين. ولا شيء يذكر للبنية التحتية حتى للصيانة الضرورية.

رابعاً: سيتهافت "المنتجون الوطنيون" على حصة في خطة "النهوض الاقتصادي". صناعيون ومزارعون وأصحاب مؤسسات سياحية وفندقية وتجار وغيرهم. منهم من  سيطالب برسوم على الواردات لحماية الصناعة. وتسهيلات فوائد على القروض. واعفاءات ضريبة وغير ذلك. وسيستدعون شعارات لمطالبهم. أولها "تشغيل اللبنانيين ومحاربة البطالة" إلى نهاية الأنشودة. والحقيقة أن معظم تلك الفئات تحظى بدعم ضريبي في نظام ضريبي مختلّ أصلاً. وتحصل على تسهيلات فوائد مدعومة من وزارة المال ومصرف لبنان. وهناك اعفاء بواقع 50% للارباح الناجمة عن الصادرات الصناعية. وأخرى على المواد الأولية المستوردة. وأخيراً تسهيلات قروض لتعزيز الرساميل التشغيلية للصناعة.

لو كانت "خطة النهوض الاقتصادي" جادة ومنصفة، وتهدف حقاً إلى نمو حقيقي وفرص العمل لربطت بحزمة من شروط ثلاثة. الأول مدى القيمة المضافة للمنشأة في الاقتصاد. الثاني بتشغيل يد عاملة لبنانية بأجور عادلة وتنسيب العاملين الى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. والثالث سداد كل المتأخرات على اصحاب العمل للصندوق. وعدم التهرب الضريبي. غير ذلك، تكريس لنظام النهب. وتدمير للبنية الاجتماعية وإفقار المواطن من ماله. الدولة غائبة نهائياً عن ملفي البطالة وصندوق الضمان. أصحاب الاعمال يبخسون حق اللبناني بالعمل ليجنوا مكاسب رخيصة من عمالة اجنبية بلغت كل المهن والقطاعات حتى الصيدلة والطب.

خامساً: نريد أن نعلم هل مصرف لبنان دولة بذاته يتصرف بدعم فوائد مختارة منفرداً، لهذا القطاع أو ذاك، ويبتكر هندسات مالية على هواه ويحي ويميت؟ مصرف لبنان قدم تسهيلات على الاحتياط الإلزامي بفوائد مخفوضة للقطاعات المنتجة ولأخرى منذ 2013 نحو 5.265 مليارات دولار اميركي. بالإضافة إلى تسهيلات جديدة للصناعيين تحديداً وفرها في أيار الماضي لدعم رأس المال التشغيلي. وجاءت التسهيلات مشروطة بزيادة الصادرات. لا مكان لفرص العمل. هناك تسهيلات لقطاعات اقتصادية ولأنشطة لا علاقة لها بعمل المصارف المركزية من قريب أو من بعيد. الاستقلالية الإدارية والتوظيفية والافتقار إلى الرقابة والمحاسبة والمساءلة، هل تعني كلها استقلالية عن لبنان بمال اللبنانيين ونقدهم؟ الرؤساء الثلاثة شغوفون بنتائج الهندسة المالية وثمارها. لكن، تعالوا نسأل. لماذا لا تكون عطاءات مصرف لبنان وسياسته النقدية عموماً وسياسته المصرفية الانتقائية خصوصاً، جزءاً لا يتجزأ من الرؤية الاقتصادية والخطة والبرنامج؟ هل تفقد العطاءات أريحيتها لو حصل ذلك؟ وبمنطق اقتصادي صرف. هل يمكن إقصاء السياسة النقدية عن توجهات الحكومة الاقتصادية وبرامجها وأهدافها؟ وهل يمكن نجاح كل ذلك من دون إصلاح اقتصادي واجتماعي ومالي، يقود إلى نمو حقيقي وشمولي خطوة نحو التنمية المستديمة. غابت هذه المفردة طويلاً. عن أي خطة يتحدث الحريري؟ لنرَ.

أضف تعليقك





الرئيسية
من نحن
استشارات
مواقع صديقة
فئات خاصة
أراء ,مقالات و تحقيقات
دراسات ومؤتمرات
القطاع التعليمي، التربوي، الصحة و الدواء
النظام الداخلي للمركز



يوجد حاليا

زائر حالياً  
© جميع الحقوق محفوظة جمعية المركز اللبناني للتدريب النقابي

إن الآراء الواردة في الموقع تمثل أصحابها وليس بالضرورة رأي الجمعية
تصميم و برمجة